تعتبر الانتخابات الاسرائيلية التى اعلنت نتائجها مؤخرا ، واحد من اكثر الانتخابات جدلا فى المجتمع الاسرائيلى ، فقد شهدت مفاجات و تحالفات كثيرة .. و اكثرهم شدة و قوة هو الفئة العادية داخل المجتمع الاسرائيلى ، او كما نطلق عليهم فى مصر " الفئة الصامتة ". حيث أعاد الاسرائيليون الذين ينتابهم القلق بشأن أسعار والسكن والضرائب تشكيل البرلمان الاسرائيلى " الكنيست " لاول مرة .. و هو ما دفع كبار الساسة فى اسرائيل بالتاكيد على ان الانتخابات القادمة سيتم فيها الالتفات للناخبين وتكريس مزيد من الوقت لقضايا مثل الخبز والزبدة و السكن و الاسعار و غيرها من القضايا التى تهم الاسرائيلين ، بدلا من التركيز فقط على السياسة الخارجية الشائكة مشاكل مثل خطط ايران النووية والنزاع الفلسطيني. و على الرغم من ان نتائج الانتخابات لم تسفر عن اختلاف كبير عن التوقعات حيث حازت الكتلة اليمينية على المركز الاول بعد فوزها بواحد و ثلاثين مقعدا وهى المؤلفة من الليكود بقيادة بيامين نتانياهو و حزب "إسرائيل بيتنا بزعامة افيجدور ليبرمان .. و لكن بالنظر الى خسارة نتانياهو لاحد عشر مقعدا بالنسبة للمقاعد التى فاز بها فى انتخابات 2009 ، بيرز اثر تصويت الفئة الصامتة فى اسرائيل و التى نجحت فى معاقبة نتانياهو لانه كان أكثر انشغالا بايران و الفلسطينين بدلا من حل المشاكل الحياة اليومية. و على الفور وعقب انتهاء اعلان النتائج الاولية ، هرعا تانياهو و شريكه ليبرمان للسعى لجذب يائير لابيد ، الذى حقق مفاجأة كبرى وجاء حزبه " لدينا مستقبل" بالمركز الثاني برصيد 19 مقعدا في البرلمان المكون من 120 عضوا .. وجاء في بيان رسمي لليكود ان محادثات تشكيل حكومة ائتلافية لم تبدأ بعد، ولكن نتنياهو عقد اجتماع طويل مع لابيد اليوم الخميس.. حيث ناقشا التحديات التي تواجه البلاد وسبل التعامل معها واتفقا على الاجتماع مرة اخرى قريبا" لقد اضطر نتنياهو لتغيير خططه بسرعة بضم أجزاء من البرنامج الانتخابي لحزب لابيد ، حرصا على ابرام اتفاق من شأنه أن يخلق قاعدة صلبة ومكونة من 50 مقعدا تحقق له تكوين حكومة متفاهمة وقادرة على العمل و قبل ان يبدا غيره من الشركاء من اليمين أو الوسط فى التفاهم لتحقيق أغلبية حاكمة مستقرة.. كما لم ينسى نتانياهو ان يحضر لبديل واقعى فى حال تعذر الاتفاق مع لبيد ، فاستقبل ايضا اليوم زعيم حزب البيت اليهودي المتشدد بقيادة تلميذه السابق بينيت، رجل ألاعمال ومليونير البرمجيات الذى فاز الذى حاز حزبه على 12 مقعدا. وقالت متحدثة باسم الليكود ان نتنياهو دعا بينيت لتهنئته ولكنها لم تكشف عن تفاصيل المحادثة. و هناك نتيجة اخرى لاجبار نتانياهو على الالتجاء لحلفاء من الوسط لتامين الاغلبية له بالكنيست ، فهو اعتراف ضمنى من نتانياهو بان ضعف حزب الليكود و وضعه في الإطار الائتلافي يحد من قدرته على التصدي للضغوط الممارسة عليه .. و لكن اذا تمكن فى تحقيق الاغلبية بالكنيست فسيقود اليمين المتطرف و الدينى المتشدد اسرائيل فى الابع سنوات القادمة ، ولكن ستكون الفجوة ضئيلة بين الكتل اليمينية و تكتل بين اليسار ويسار الوسط و العرب بمثابة فرصة حقيقية ومزيد من النفوذ تمكنهم من المساومة ، ويضعف الموقف التفاوضى لليمين خاصة حول مسالة الاستيطان و السلام مع الفلسطينين و العلاقة مع واشنطن فضلا عن شن الحرب على ايران . كذلك امام نتانياهو فرصة للتفاوض مع حزب شاس وحزب التوراة المتحدة في مقابل دعمهم. فقد فاز الطرفان بما مجموعه 18 مقعدا في البرلمان، ونتنياهو من المرجح أن يرغب في تضمين ما لا يقل عن واحد منهم لتشكيل ائتلاف واسع النطاق. فى الانتخابات الاخيرة اضطر حزب العمل، لتغيير برنامجه التخابى المعتاد حيث قدم القضايا الاقتصادية والاجتماعية في طليعة الحملة، وليس صنع السلام في الشرق الأوسط ، كذلك تعهد بعدم الانضمام إلى أي تحالف بقيادة نتنياهو.. و هو الامر الذى سمح له بالاستقرار فى المركز الثالث مع 15 مقعدا. ظاهرة اخرى جاءت بها نتائج الانتخابات الاسرائيلية .. الا و هى ان الآلاف من اليهود صوتوا لأول مرة لأربعة أحزاب سياسية يقودها العرب. حيث دعا اغبارية زحالقة مدرس في الجامعة العبرية و يرأس الحزب الاشتراكي الى ضروؤة التصويت لصالح معاملة العرب واليهود على حد سواء فهم معا ضحايا للقومية. بينما صوت يهود الآخرين من بينهم حشد من الفنانين وأبراهام بورج، الرئيس السابق لمنظمة الصهيونية العالمية و تتولى رئاسة الكنيست من قبل و الذى قال "لقد صوت لمبدأ المواطنة المتساوية وليس لدولة قومية عرقية". و على الرغم من تجاهل وسائل الإعلام الإسرائيلية عموما للأطراف التي يقودها العرب، فهناك ثلاثة احزاب ستحصل على ما مجموعه 12 مقعدا ، الاحزاب العربية تعانى من فقدان النفوذ بالانتخابا نتيجة عادة المقاطعة . كذلك فان مئات من اليهود الذين اعتادوا على التصويت لحزب حداش(الشيوعي سابقا) ، والذى يضم اليهود والعرب الحزب، قد تحولوا لحزب ميرتس الاشتراكي الذي تتزعمه امرأة، بعد فشل حداش فى وضع المرأة بوقع مرتفع بما يكفي بالقائمة الانتخابية ليعطيها فرصة لائقة للفوز فى الانتخابات. و تشير النتائج الى ان أقل من 1٪ من اليهود صوتوا لأحزاب يقودها العرب، في حين لا يزال نحو 20٪ من العرب يصوتون للأحزاب اليهودية. وعلى أية حال، انخفض العدد الإجمالي للعرب في البرلمان الإسرائيلي لأن الأحزاب اليهودية هذه المرة دفع بعدد قليل من المرشحين لها من العربي.