وحدها .. قد لاتصنع القروش القليلة شئ ذى بال .. ولكن عندما تتجمع قرشا على قرش قد تكون الحصيلة لاتخطر على بال .. من هنا تاتى فكرة تجميع " الفكة " والتى اثارت جدلا واسعا بعد مبادرة الرئيس عبد الفتاح السيسى خلال افتتاحه مشروع «بشائر الخير» بمنطقة غيط العنب بالإسكندرية حول إمكانية تبرع عملاء البنوك بكسور الجنيه خلال تعاملاتهم اليومية . والحقيقة ان فكرة تجميع " الفكة " ليست الاولى من نوعها ولعل من سافر الى الخارج قد شاهد فى العديد من مطارات العالم هذا الصندوق الشفاف الذى يحمل عملات من كل البلدان وضعت بكل اريحية لصالح اعمال خيرية . مبادرة فرنسية .. وكانت هناك مبادرات مماثلة لجأت إليها عدد من الدول الأوروبية منذ أكثر من عقد من الزمان أبرزها المبادرة التي أطلقتها فرنسا عام 1989 لتمويل تطوير عدد من القطاعات أبرزها قطاعا التعليم والصحة. وتمثلت المبادرة التي دعت إليها برناديت شيراك زوجة عمدة باريس آنذاك جاك شيراك ، في إنشاء صندوق لتمويل الحالات والخدمات العلاجية من خلال تلقى تبرعات بسيطة لتمويل المشروعات المتعلقة بهذا المجال بهدف تحسين لحياة اليومية للأطفال والمراهقين المرضى وتحسين أوضاع أسرهم.وبدأ المشروع الفرنسي بمخاطبة الأسر والمواطنين الفرنسيين ومع تطوير الفكرة امتدت لوضع صناديق تلقي التبرعات داخل المدارس ثم البنوك والمراكز التجارية الكبرى ومكاتب البريد والصيدليات والمحلات الكبرى والمؤسسات الحكومية الكبرى. وتمثلت أبرز إنجازات هذه المبادرة في توفير 51 منزلا للأسر غير القادرة ، تطوير 2701 عنبر بالمستشفيات، تطوير 185 مدرسة، تطوير 380 ملعبا ، تطوير 459 قاعة انتظار ، بالإضافة إلى علاج آلاف الحالات. و تتعامل كثير من الدول العربية بنفس المبادرة عن طريق السوبرماركت والمحلات الغذائية والتجارية الكبري بشكل اختياري للمستهلك والتي تدخل الدولة المليارات؛ وذلك لضمان اقتصاد البلد الذي يُشكل المواطن جزءً منه. آلية تنفيذ المبادرة .. وحول إمكانية تنفيذ المبادرة التي أطلقها الرئيس وآلية تنفيذها ،يقول خبراء مصرفيون إن هذه الفكرة مطبقة منذ فترة طويلة ولكن بشكل غير منظم ، و العديد من السلاسل التجارية والشركات تقوم منذ فترة طويلة بتحصيل تبرعات اختيارية ، تتضمن كسور الجنيه، من خلال العملاء لتوجيهها لتمويل مشروعات خيرية، وذلك في إطار مسئوليتها المجتمعية. ويقوم حاليا اتحاد بنوك مصر بوضع آليات لتطوير المناطق العشوائية بتمويل من القطاع المصرفي ، حيث من الضرورى أخذ المبادرة في نطاقها العام. وتأتى مبادرة الرئيس في إطار مشروع «بشائر الخير» الذي يعد أحد المشروعات القليلة التي يتم تمويلها من قبل البنوك ورجال الأعمال دون تحميل ميزانية الدولة أى أعباء مالية. ويرى الخبراء أن تكرار مثل نموذج «مشروع بشائر الخير» يتطلب بدائل تمويلية تعبر عن المشاركة الشعبية دون تحميل أعباء على المواطن بما يضمن توفير موارد لتمويل مشروعات مختلفة ترفع مستوى معيشة محدودي الدخل والفئات الأولى بالرعاية. تكاتف شعبى .. ولعل الرسالة الحقيقية التي وجهها الرئيس من خلال هذه المبادرة هي تحقيق صورة من التكاتف الشعبي وفق مقدرة كل مواطن من خلال تبرعات بسيطة يمكن من خلال تجميعها تحقيق أثر تنموي كبير. و يمكن تنفيذ هذه المبادرة من خلال عدد من الآليات أنسبها تخيير المتعامل مع أي بنك الحصول على كسور العملة نقدا أو التبرع بها لصالح أعمال خيرية ليدخل هذا المبلغ ضمن حساب يشرف عليه البنك المركزي ويتولى مجلس أمناء مختار بعناية تحديد أولويات إنفاق هذه المبالغ سواء في تطوير مناطق عشوائية أو مدارس أو مستشفيات أو القضاء على مرض بعينه، بما يساعد في تطوير المشاركة المجتمعية وتخفيف الأعباء على ميزانية الدولة. وحول الفارق بين صندوق تحيا مصر ومبادرة الرئيس ، يقول الخبراء أن هناك فارقا كبيرا يتمثل في أن الطبيعة المالية والتمويلية لصندوق «تحيا مصر» مختلفة لأنه يتحصل على الأموال من خلال التبرع المباشر أو رسائل التليفونات المحمولة ، أما المبادرة التي طرحها الرئيس فتتمثل في تحصيل مبالغ بسيطة من ذوي العباءة المالية دون تحميل على المواطن وتحقق أثر كبيرا في تحقيق بعد تنموي واضح من خلال وحدات الجهاز المصرفي. جدير بالذكر أن آلية تخصيص حساب لتنفيذ المبادرة يخضع لإشراف ورقابة البنك المركزي يحقق أكبر قدر من الشفافية، حيث أن جمع هذه المبالغ من خلال الوحدات المصرفية يحفز القطاع المصرفي على زيادة مساهماته في تنفيذ المشروعات التنموية . تحديات ومخاطر.. وزارة المالية ذكرت أن مشروع موازنة العام المالي 2016 / 2017 يحاط بالعديد من التحديات والمخاطر المالية والاقتصادية من أهمها انخفاض تنافسية الاقتصاد المصري، واستمرار ارتفاع عجز الموازنة وزيادة أعباء خدمة الدين، الحاجة إلى رفع جودة الخدمات العامة، وتزايد عجز ميزان المدفوعات. و في البيان المالي التمهيدي لمشروع موازنة 2016 /2017، الصادر منذ شهور قليلة،أضافت الوزارة، أن الاقتصاد المصري يواجه منافسة قوية من العديد من الدول الناشئة لجذب الاستثمارات والوصول إلى أسواق التصدير العالمية، وهو ما يعني ضرورة أن تقف مصر على قدم المساواة مع تلك الاقتصادات من خلال إصلاح جاد لمناخ الاستثمار والأعمال بها لكي تتمكن من جذب الأموال اللازمة لتمويل عملية التنمية المنشودة وزيادة معدلات التشغيل وخفض معدلات الفقر وتنمية موارد الدولة. وأكدت ضرورة رفع جودة الخدمات العامة، حيث يحتاج المجتمع إلى تخصيص المزيد من الموارد لإتاحة ورفع جودة الخدمات الأساسية التي تعاني إما من تدني مستوياتها أو سوء توزيعها الجغرافي، ويأتي على رأس هذه الخدمات الصحة والتعليم والإسكان لمحدودي ومتوسطي الدخل وتطوير العشوائيات، مياه الشرب، الصرف الصحي، الكهرباء، المواصلات العامة والطرق، فضلا عن برامج الحماية الاجتماعية التي تستهدف الفئات الأولى بالرعاية مثل برامج الدعم الغذائي والنقدي والتغذية المدرسية ودعم الطفل والمرأة المعيلة. وتلقى خدمة الدين العام بأعباء ثقيلة على الأجيال الحالية والقادمة، بما يحد من قدرة صناع السياسات على توجيه الإنفاق إلى أوجه أكثر فاعلية، ويمثل الإنفاق على الأجور العاملين في الدولة والمعاشات ومصروفات الفوائد نحو 60% من إجمالي المصروفات في موازنة 2015 / 2016 وتبلغ نحو 122% من الإيرادات الضريبية أي أن الإيرادات الضريبية لا تستطيع تغطية هذا الحجم من الإنفاق وحده.