فقدت كل الثقة في رموز النخبة المصرية بكل تياراتها إسلامية وليبرالية وعلمانية ومؤمنة وملحدة.. حين تصل بنا الخطايا إلى اتهامات بالكفر فلا مكان لسماحة الأديان.. وإذا وصل بنا الحوار إلى طريق مسدود نرفض فيه بعضنا بعضا تماما فلا فرصة للتصالح والمشاركة.. وإذا اغلقنا ابواب الفكر فإن الطريق يصبح ممهدا تماما لعشوائيات السلوك واطراف المواقف.. لم يعد امامي غير ان أكتب هذه الرسالة إلى شباب مصر الذين صنعتهم على عينها ووضعت فيهم كل رصيد احلامها في بناء مستقبل يليق بهم وبها.. اقول لشبابنا: انا عاتب عليكم.. تجاوزت مشاعر الحزن عندي كل الحدود وانا أراكم في مشهد لا اعتقد انني سأنساه يوما وانتم تتصارعون امام قصر الاتحادية يوم الأربعاء الأسود.. لم أصدق ان هذه الوجوه الملطخة بالدماء هي نفس الوجوه التي حملت شهداء الثورة على أكتافها منذ عامين.. لم أصدق ان هذه المواكب التي تشتبك مع بعضها بالسنج والحجارة والمطاوي والخرطوش هي نفس الأيدي التي اسقطت نظاما فاسدا مستبدا في ايام قليلة.. لم أصدق ان هذه الملامح البريئة التي خرجت يوم 25 يناير لتعيد للإنسان المصري كرامته هي نفس الملامح الغاضبة التي قتلت بعضها مساء الأربعاء امام قصر الرئاسة.. لم أصدق ان الدماء الطاهرة التي زينت وجه التاريخ في ميدان التحرير وهي تطلق الصلوات بين أجراس الكنائس وتكبيرات المآذن هي نفس الدماء التي قتلت بعضها ولوثت جدران القصر التاريخي العتيق.. منذ أقل من عامين كانت حشودكم أجمل رسالة حملتها مصر ذات صباح إلى العالم وهي تستعيد شبابها وتسترد إرادتها وتخلص من براثن الاستبداد كرامتها.. يومها رأيت فيكم شبابنا الذي ولي يوم خرجنا أكثر من مرة نحاول إسقاط عرش الطغيان ولم ننجح وسرقتنا سنوات العمر حتى تعودنا على القهر واسترخت نفوسنا المتعبة على جدران الذل والمهانة.. لقد خرجنا أكثر من مرة وصرخنا كثيرا في كل اتجاه ورأينا احلامنا في غد يليق بنا شعبا ووطنا وهي تتوارى خلف جدران السجون والمعتقلات وإهدار آدمية البشر.. رأينا شبابنا الضائع في وجوهكم البريئة وإصراركم العنيد.. رأينا مصر التي حلمنا بها يوما عزيزة كريمة شامخة.. كانت وجوهكم تحمل صورنا القديمة وهي تضيء في ميادين مصر تعلن العصيان على الطغيان وتتمرد على زمن قبيح استسلمنا له تحت سياط الاستبداد والبطش والمهانة. كنتم ومازلتم حلمنا الذي لن نفرط فيه.. وكيف نفرط فيه وهو الغد الذي ملأ عيوننا بهجة بعد زمان حزن طال؟.. كيف نترككم لأشباح الفرقة والكراهية وانتم مستقبلنا الذي لا نملك سواه؟ ارفعوا عن عقولكم غشاوة فكر الاستبداد والوصاية واطلقوا خيالكم البرئ يحلق بكم في آفاق من الوعي والنور والاستنارة.. عندي لكم عتاب طويل.. كيف رضيتم ان تعبث بكم عقول شاخت وترهلت وادمنت العبث والمتاجرة والكراهية؟.. كيف تركتم وجوهكم البريئة تلوثها تلك الأيدي التي صافحت القهر وعانقت زمنا مواكب الطغيان؟.. كيف تستسلمون لمن شيدوا سجون القهر الفكري والمعنوي وادمنوا البيع والشراء على موائد الاستبداد فلم يعرفوا غير الكراهية والانتقام؟.. لقد شاهدتكم في ميدان التحرير تقفون صفوفا تؤدون الصلاة هذا يرفع الهلال.. وهذا يحتضن الصليب وكانت وجوهكم تضئ وانتم تعانقون رحمة السماء تقرأون كلمات الله وتسبحون لقدرته ولم تفرق بينكم دعاوي الحقد والبغضاء لأنكم تدركون بوعي ان الأديان لله وان مصر لنا جميعا؟.. كيف طاوعتكم قلوبكم التي احتضنت أجساد الشهداء ورددت الشهادة معهم ان تقذفوا الحجارة على وجوه بعضكم وان تتسلل الأيادي الخبيثة لتطلق النيران عليكم في غفلة منكم؟.. كيف سمحتم لهذه الأيدي بأن تفسد عليكم فرحة وطن يلملم أشلاءه لكي يبني مستقبلا يليق به؟.. هل أدركتم ان الحجارة التي تلقونها يمكن ان تسقط على رأس أخ أو صديق أو رفيق عمر؟ كيف اتجهت حشودكم في موكب غوغائي كريه امام صرخات فجة تدعو للكراهية والانتقام؟.. أين حشودكم في ميدان التحرير.. وأين صرخاتكم في وجه الطغيان؟ وأين وحدتكم تلك التي اذهلت العالم وابهرت الأنظار؟.. عاتب عليكم والله اني عاتب عليكم ان تفرقكم دعوات للكراهية وقد جمعتكم مواكب المحبة والوفاء والتضحية فداء لهذا الوطن.. كنت اتصور ان تجتمعوا على شئ واحد هو إنقاذ هذا الوطن ولكن للأسف الشديد كيف تشاركون في محنته كان ينبغي ان تتوحد كلمتكم ضد الطغيان ايا كان لونه والشعارات التي يحملها؟.. لستم كفار قريش حتي يأتي من يبشركم بأن الإسلام دخل مصر وان خيول ابن العاص على مشارف القاهرة. لستم علمانيين أو ملحدين أو فاسدين حتى يأتي من يرشدكم إلى طريق الهداية ويدعوكم إلى طريق الله.. انكم فقط عشاق لمصر أم الدنيا ودرة حضارتها وأول شعوب العالم إيمانا بالخالق وتوحيدا لقدرته وبحثا عن رحمته. عاتب عليكم.. لقد تركتم عقولكم المضيئة تتسلل إليها مواكب الجهل والجهالة والظلام تحت دعاوى دينية مضللة أو حداثة أو معاصرة جاهلة.. ان لديكم ثوابت كثيرة يمكن ان تحميكم من طوفان عشوائي مخيف.. لديكم دين قام على السماحة والمحبة واحترام آدمية البشر.. ولديكم تاريخ عريق كان مشاركا حقيقيا في بناء منظومة التقدم في تاريخ البشرية في الطب والكيمياء والفيزياء والعمارة والتشريح ومعرفة اسرار الكون كما خلقها الله سبحانه وتعالى.. لديكم منظومة عريقة في السلوك والأخلاق وآداب الحوار واحترام الآخر.. لديكم ثوابت كثيرة في تكوين الأسرة العريقة واحترام عادات الشعوب ومقدساتها.. لديكم شواهد تاريخية ابهرت العالم وجعلته يحمل لكم مشاعر تقدير وعرفان ليس لها حدود.. لديكم آباء عظام وامهات تفخرون بهن وعلاقات إنسانية يحسدكم الكون.. كل الكون عليها.. كيف بعد ذلك تتركون الفتن تلعب بكم وتعبث بعقولكم الطاهرة البريئة.. ان دماءكم التي سالت امام قصر الاتحادية كانت نزيفا في عيون آباء احبوكم وامهات سهرن الليل على راحتكم فهل بعد هذا تتركون لهم وانتم تودعون الحياة مرارة الألم وحسرة الفجيعة.. اخرجوا وتظاهروا وارفضوا كل ما لا يحترم آدميتكم في هذا الوطن ولكن لا تفجعونا فيكم.. ارجوكم لا تفجعونا فيكم.. ان دماءكم الطاهرة هي اغلى ما يملك هذا الوطن فلا تجعلوا الغالي رخيصا تحت أي دعاوى مضللة.. ليكن لكل واحد منكم فكره ورؤاه.. من شاء ان يتدين فالطريق إلى الله واضح ومعروف.. ومن اراد ان يصرخ ويرفض فالحوار أفضل طريق للعناد والرفض حق مشروع لكل صاحب فكر أو موقف.. ولكن ما ينبغي ألا يعلو سيف على كلمة.. أو يقصف حجر رأيا آخر..أو ان تسود لغة القطيع فلا يسمع بعضنا بعضا.. عاتب على شهداء رحلوا كنا أحوج ما نكون لسواعدهم وليس لأحزاننا عليهم.. عاتب على كل من أمسك حجرا ولم يمسك قلما.. عاتب على كل من اطلق صرخة عداء ولم يطلق صرخة رحمة.. رافض انا لهذا المشهد الكئيب سواء حمل شعارا دينيا أو فكريا أو ليبراليا أو علمانيا يفرق وحدة هذا الوطن ويدعو للفتنة بين ابنائه. عاتب عليكم.. والله إني عاتب عليكم.. افتحوا عقولكم لكل من يدعوكم إلى الوحدة والفضيلة لأن الوحدة قوة والفضيلة نجاة.. صافحوا كل يد طاهرة لم تتلوث بدماء البطش ولم تصافح مواكب الطغيان.. لا تتركوا الساحة للدجالين والمتاجرين بالشعارات حتى لو حملت اسم السماء كذبا أوادعت الحريات ضلالا.. ان الغد لكم شاء البعض أم رفض.. لا تكونوا إلا انفسكم وإياكم ان تتركوا خرائب الأجيال الماضية تتسلل إلى أرضكم البكر وعقولكم الخضراء.. اختلفوا ما شئتم حول بناء مصر ولكن لا تسمعوا اصوات من خربوها وباعوها زمنا في اسواق النخاسة. تعانقوا امام قصر الاتحادية وفي كل مكان تتظاهرون فيه كما تعانقتم يوما في ميدان التحرير مهما تختلف الآراء والرؤى بينكم وانظروا نحو وطن عظيم يسمى مصر وشعب حائر يرى فيكم الأمل والمستقبل والمصير.. هذه ليست نصائح مني فأنا لا أحب نصائح الأجيال ولكنها رسالة محبة وباقة أمل. عاتب عليكم لأنني احبكم ولأن كل واحد فيكم له مساحة في قلبي وعمري مثل ابنائي تماما.. إن دماءكم الطاهرة التي سالت على طرقات الإتحادية إدانة عصر وجريمة جيل لم يقدر حرمة الدماء وامانة المسئولية واقول لكم كما قال المصطفى عليه الصلاة والسلام في خطبة الوداع: إن دماءكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا.. لا ترثوا عنا كراهية الأجيال وخصومات المواقف وتصفية الحسابات، فقد كانت جميعها لعنات اساءت لنا وطنا وبشرا وتاريخا.. إياكم وسطحية المواقف والانبهار الأعمى والوصاية الساذجة والفكر المريض بكل الوانه واتجاهاته وغشاوته. كونوا انفسكم وزمانكم ولا تتركوا صحارى الفكر تسيطر عليكم. بقيت عندي كلمة أخيرة لكل مصري.. اتقوا الله في هذا الوطن.. في شبابه.. ومستقبله.. وامنه واستقراره.. "واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون". رعاكم الله وسدد على طريق الحق خطاكم ألا قد بلغت.. اللهم فاشهد.. .. ويبقى الشعر الطقس هذا العام ينبئني بأن الأرض تحمل ألف زلزال وأن الصبح يصرخ تحت أكوام التراب الطقس هذا العام ينبئني بأن النيل يبكي فاسألي الشطآن كيف تفيض في العرس الدموع ؟ الدمع في العينين يحكي ثورة الشرفاء في زمن التخنث.. والتنطع.. والخنوع هذي الدماء علي ثيابك صرخة.. وزمان جوع هيا ارفعي وجهي.. وقومي حطمي صمت السواقي.. واهدمي صنم الخضوع هيا احمليني في عيونك دون خوف كي أصلي في خشوع صليت في محراب نيلك كل عمري ليس للأصنام حق في الرجوع فغدا سيشرق في ربوعك ألف قنديل إذا سقطت مع القهر الشموع فالنيل سوف يظل مئذنة وقداسا.. وحبا نابضا بين الضلوع تتعانق الصلوات والقداس إن جحدوا السماحة في محمد.. أو يسوع الطقس هذا العام ينبئني بأن الجوع قاتل وبأن أشباح الظلام.. تطل من بين الخمائل والنهر يبكي.. والطيور تفر من هول الزلازل فزواج عصر القهر.. بالشرفاء باطل ما بين مخبول.. ودجال.. وجاهل الصبح في عينيك تحصده المناجل والفجر يهرب كلما لاحت علي الأفق السلاسل لا تتركي النيران تلتهم الربيع.. وترتوي بدم السنابل فالقهر حين يطيش في زمن الخطايا لن يفرق.. بين مقتول.. وقاتل من قصيدة "الطقس هذا العام" سنة 2000 نقلا عن جريدة الأهرام