أبرزها «الشهادة الذهبية».. إنجازات حكومة مدبولي في المنظومة الصحية قبل استقالتها    مثلها الأعلى مجدي يعقوب.. «نورهان» الأولى على الإعدادية ببني سويف: «نفسي أدخل الطب»    عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير.. سعر الذهب اليوم الاثنين 3 يونيو 2024 (آخر تحديث)    محافظ مطروح يتابع خفض منسوب المياه الجوفية بمشروع الإسكان الاجتماعي والشباب بمنطقة حفر الباطن    بقذيفة «مضادة للأفراد».. «القسام» توقع قوة إسرائيلية بين قتيل وجريح    «أونروا»: «مليون شخص فروا من رفح في ظروف لا يمكن وصفها»    موسكو تهدد واشنطن بعواقب الأضرار التي لحقت بنظام الإنذار المبكر    الرئاسة الأوكرانية: 107 دول ومنظمات دولية تشارك في قمة السلام المرتقبة بسويسرا    تحرك عاجل من مجلس الزمالك لحل أزمة القيد    نائل نصار أمل الفروسية المصرية في أولمبياد باريس    استعدادًا ل يورو 2024.. ألمانيا ضد أوكرانيا مساء اليوم ..موعد اللقاء وتردد القنوات الناقلة    بالإسم ورقم الجلوس.. تعرف على نتيجة الشهادة الإعدادية ببني سويف (النتيجة كاملة)    انطلاق تصوير فيلم «قصر الباشا» بطولة أحمد حاتم (صور)    تفاصيل عقد قران جميلة عوض والمونتير أحمد حافظ    وزير الأوقاف يوصي حجاج بيت الله بكثرة الدعاء لمصر..صور    «بلاش نعمل هيصة ونزودها».. شوبير يحذر قبل مباراة مصر وبوركينا فاسو    محافظ الغربية: نتابع باستمرار ملف التصالح وتبسيط الإجراءات على المواطنين    ناجى الشهابي: حكومة مدبولي قادوا البلد في ظروف صعبة بحرفية شديدة وضرورة الاهتمام بالصحة والتعليم    مجلس النواب يشكر حكومة مدبولي: بذلت جهدًا كبيرًا داخليًا وخارجيًا    رئيس حزب الاتحادى الديمقراطى: حكومة مصطفى مدبولى عملت فى صمت وحققت الكثير من الإنجازات    ثقافة الإسكندرية تقدم "قميص السعادة" ضمن عروض مسرح الطفل    نتنياهو: الحرب فى غزة ستتوقف لإعادة المحتجزين ثم ستتبعها مناقشات أخرى    "التابعى.. أمير الصحافة".. على شاشة "الوثائقية" قريبًا    رودري: اعتزال كروس يلهم الجميع    سُنن صلاة عيد الأضحى.. «الإفتاء» توضح    رئيس الوزراء يتفقد المعرض الطبي الأفريقي الثالث    إصابة 4 أشخاص في انقلاب سيارة بالطريق الصحراوي الغربي بقنا    الأربعاء المقبل.. انطلاق مهرجان الأفلام اليابانية بالقاهرة    مي عمر عن علاقتها بمحمد سامي: «مبخافش من الحسد ومبركزش في كلام الناس»    6 قرارات للمجلس الأعلى للجامعات لشئون الدراسات العليا والبحوث    محافظ الشرقية: إزالة 372 إعلانا مخالفا وغير مرخص خلال شهر    ارتفاع حصيلة ضحايا الفيضانات والانهيارات الأرضية في سريلانكا إلى 12 شخصًا    مجموعة "إي اف جي" القابضة تعتزم شراء 4.5 مليون سهم خزينة    نقيب البيطريين: حصلنا على وعد بضم أعضاء النقابة إلى تعيينات ال120 ألف فرصة عمل    التحفظ على مدير حملة أحمد طنطاوي لتنفيذ حكم حبسه في تزوير توكيلات انتخابات الرئاسة    أسامة قابيل يوضح حكم تفويض شخص آخر فى ذبح الأضحية؟    نائب رئيس جامعة الزقازيق يتفقد سير الامتحانات بكلية التمريض    صيادلة الإسكندرية: توزيع 4.8 ألف علبة دواء مجانا في 5 قوافل طبية (صور)    السكة الحديد: تعديل تركيب وامتداد مسير بعض القطارات على خط القاهرة / الإسماعيلية    المؤهلات والأوراق المطلوبة للتقديم على وظائف المدارس المصرية اليابانية    تحرير 94 محضر إنتاج خبز غير مطابق للمواصفات بالمنوفية    رئيس بعثة الحج الرسمية: الحالة الصحية العامة للحجاج المصريين جيدة.. ولا أمراض وبائية    برلماني يطالب الحكومة بدعم الاستثمار الزراعي والصناعي    دعاء لأمي المتوفية في عيد الأضحى.. «اللهم انزلها منزلا مباركا»    منتخب إنجلترا يواجه البوسنة في البروفة الأولى قبل يورو 2024    الحكومة تتقدم باستقالتها.. والرئيس السيسي يكلف مدبولي بتشكيل جديد    الكشف وتوفير العلاج ل 1600 حالة في قافلة للصحة بقرية النويرة ببني سويف    حالات وإجراءات تأجيل امتحانات الثانوية العامة 2024 للدور الثانى بالدرجة الفعلية    هل يجوز للمُضحي حلاقة الشعر وتقليم الأظافر قبل العيد؟.. معلومات مهمة قبل عيد الأضحى    شكري: مصر تستضيف المؤتمر الاقتصادي المصري الأوروبي نهاية الشهر الجاري    بعد انسحاب قوات الاحتلال.. فلسطينيون يرون كيف أصبح حال مخيم جباليا    كوريا الجنوبية تعلق اتفاقية خفض التوتر مع نظيرتها الشمالية    علقت نفسها في المروحة.. سيدة تتخلص من حياتها بسوهاج    للتدخلات الجراحية العاجلة.. كيف تستفيد من مبادرة إنهاء قوائم الانتظار؟    تحرك من الزمالك للمطالبة بحق رعاية إمام عاشور من الأهلي    أول تعليق من التعليم على زيادة مصروفات المدارس الخاصة بنسبة 100 ٪    35 جنيها للمادة.. ما رسوم التظلم على نتيجة الشهادة الإعدادية بالجيزة؟    أفشة: ظُلمت بسبب هدفي في نهائي القرن.. و95% لا يفقهون ما يدور داخل الملعب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هوامش حرة
جمهوريات مصر غير المتحدة
نشر في الأهرام اليومي يوم 15 - 06 - 2012

ما يحدث في مصر الآن شيء تجاوز كل حدود العقل والمنطق‏,‏عشرات بل مئات المعارك والخصومات بين ابناء الوطن الواحد‏..‏ إتهامات وقصص وحكايات لا أحد يعرف الكذب فيها من الصدق‏..‏ قضايا ومحاكم ومرافعات..براءات وإدانات واسئلة حائرة بين البسطاء في محاولة لمعرفة الحقيقة.. مجتمع انقسم علي نفسه وترك سؤالا حائرا:كيف بالله نجمع كل هذا الشتات صراعات ومهاترات بين ابناء الأسرة الواحدة.. خلافات في مواقع العمل.. مشاجرات بلا أسباب.. لم تعد هذه مصر التي نعرف شعبها فقد طفحت الأمراض مرة واحدة علي وجهها البريء واندفعت المياه الراكدة التي تعفنت امام سنوات البطش والقهر والإستبداد.. ظهرت علي السطح كل الطحالب البشرية التي نشأت وترعرعت في أزمنة القمع ووجدنا انفسنا امام مجتمع لا نعرفه واصبح واجبا علينا ان نبدأ من الصفر لكي نقيم وطنا جديدا في كل شيء وإذا كان من السهل ان نواجه مشاكل الأمن والاستقرار والبناء فسوف تبقي أزمة البشر هي أكبر مشاكلنا وأخطر التحديات امام مجتمع تفكك في كل ثوابته ومعتقداته واصبح واجبا علي العقلاء فيه ان يعيدوا وصل ما انكسر.
جلست مع نفسي استعيد صورة ومنظومة وطن يسمي مصر وتغير مرات كثيرة ما بين الجمهورية العربية المتحدة أو جمهورية مصر العربية.. وإن كانت هناك أسماء أخري حفظها التاريخ إبتداء بالمحروسة والكنانه ووادي النيل ولكن الشيء الغريب ان هذا الكيان الرائع العظيم تحول خلال عام ونصف العام فقط إلي عدد من الجمهوريات المستقلة كل شيء في مصر أعلن استقلاله البشر والأماكن والمؤسسات فقد إنقسمت النخبة..وإنقسمت الأحزاب والقوي السياسية وانقسمت التيارات الدينية وإنقسمت المحافظات في الإنتخابات.. وانقسمت مؤسسات الدولة الأمنية والسياسية والاقتصادية وتحولت كل فئة من فئات المجتمع إلي جمهورية مستقلة.. لا ابالغ إذا قلت اننا لم نعد امام جمهورية مصر العربية ولكننا امام الجمهوريات المصرية غير المتحدة.
تقف الآن جمهورية المجلس العسكري حائرة بين فصائل المجتمع المصري وصراعات النخبة والخلافات بين الأحزاب ولجنة إعداد الدستور ومرشحي الرئاسة وتسليم السلطة ومطالب ميدان التحرير وخطايا المرحلة الانتقالية ان القوي السياسية تتفق مع المجلس العسكري علي أشياء في الصباح وترفضها في المساء كما حدث في تشكيل لجنة الدستور.. اطراف كثيرة لا تحترم التزاماتها ومسئوليتها الوطنيه.. وبعد ان بدأت رحلة المجلس العسكري وسط الناس يسمع منهم ويحاورهم دخل في حالة من العزلة الشديدة في مبني وزارة الدفاع وهو يتساءل: وماذا بعد كل هذه المشاكل والأزمات امام نخبة لا تقدر محنة الوطن..
فوق هضبة المقطم تم إعلان قيام جمهورية الإخوان بعد ثمانين عاما من الأحلام والمعارك والتضحيات واصبحت الأغلبية البرلمانية في مجلسي الشعب والشوري هي اهم إنجازات الجمهورية الوليدة وارتفع سقف الأحلام لكي يصل الإخوان إلي كرسي الرئاسة في اكبر إنجاز سياسي تاريخي في اكبر دولة عربية وامام نشوة الانتصار كانت هناك أخطاء كثيرة سحبت الكثير من رصيد الجماعة التاريخي والسياسي
وعلي شاطئ المتوسط وفي مدينة الثقافة العريقةالأسكندرية تم إعلان قيام جمهورية السلفيين التي فجرت ثورة عارمة في ربوع مصر عند ظهورها في الشوارع وكأن المصريين اكتشفوا عالما جديدا غريبا يعيش بينهم ولكن سرعان ما تسلل هذا الكيان إلي عصب الحياة المصرية واصبح جزءا اصيلا مشاركا تراه في كل شيء ابتداء بالفضائيات ووسائل الإعلام وانتهاء بمجلسي الشعب والشوري.
في آخر المشهد من بعيد تبدو بقايا جمهورية الحزب الوطني المنحل ورغم تعرضها لزلزال عنيف في25 يناير2011 فإنها من وقت لآخر تلم فلول نظامها المخلوع وتحاول إسترداد ما بقي من اطلالها وفي كل مرة تحاول إعادة بناء ما دمرته ثورة يناير وتحرص علي رعاية ما بقي لها من الفلول في مؤسسات الدولة يساعدها علي ذلك اموال الشعب المنهوبة في سنوات الخراب الاقتصادي.
من بعيد تجد جمهوريتان مستقلتان هما جمهورية الأزهر الشريف وإمارة دار الإفتاء.. كل واحدة منهما تحاول استرجاع دورها ورسالتها بين الناس حتي لو تطلب الأمر مفاجأة كبري في الدين أو السياسة أو حتي زيارة بيت المقدس.. ان الشاشات تمتليء الأن بآلاف الدعاة من كل الفصائل الدينية ولكن الأزهر كان دائما بيت الدعوة ومصدر الوسطية ومهبط الفكر القويم..
في ميدان التحرير تقام أكثر من صلاة للجمعة وعلي شاشات الفضائيات نصف المصريين تحولوا إلي دعاة, وتبحث عن الأزهر وسط هذا كله تشعر بحجم المأساه لأن جمهورية الأزهر العريقة فقدت الكثير من بريقها امام الفكر الوافد ومواكب المتطرفين وسوف نحتاج وقتا طويلا لبناء اجيال جديدة تعيد للأزهر الشريف رونقه القديم اعان الله د.الطيب علي مسئولياته الجسام.
في قلب القاهرة يشع نور يملأ المكان انها جمهورية الميدان.. ورغم عمرها القصير الذي لم يتجاوز العام ونصف العام فإنها اصبحت تمثل مكانة خاصة في اعماق المصريين بل انها اصبحت من المعالم التاريخية والحضارية والثورية علي مستوي العالم..إنها جمهورية الثوار.. ورغم انها تعرضت لعدوان شديد الضراوة وواجهت معارك طاحنة كان اشهرها موقعة الجمل التي يدرسهاعلماء الاستراتيجيات العسكرية في العالم فإنها تحولت إلي رمز للحريات.. حاولت جمهوريات كثيرة ان تنال منها وتقدمت مواكب الفلول تحاول تشويه صورتها ولكن هذه المحاولات فشلت وبقيت كيانا حيا في ضمير الناس.. بل في ضمير العالم كله.
في شارع رمسيس تبدو من بعيد الجمهورية القبطية وقد بقيت سنوات طويلة تدور في فلك الكنيسة,حيث الطقوس والتعاليم والصلوات, ولكن شيئا خطيرا حدث اخيرا في مسيرة هذه الجمهورية. لقد ثارت علي نفسها وطقوسها وثوابتها وقررت ان تصبح جزءا فعالا في كيان متكامل ومتوحد مع الوطن ومن يومها خرج شبابها يلتحمون مع رفاقهم من أبناء الوطن الواحد من اجل حياة ومستقبل أفضل. عاد اقباط مصر ينغمسون في قضايا مجتمعهم حتي النخاع.. يتحاورون ويرفضون ويموتون دفاعا عن حريتهم وحقهم في وطن يسكننا ولا نسكن فيه كما قالها كبيرهم قبل ان تصعد روحه للسماء في رحلة أبدية.
من أخطر الجمهوريات في مصر الآن ايضا جمهورية الفضائيات ورغم عمرها القصير فإنها استطاعت في فترة قليلة ان تصبح قوة مؤثرة في مسيرة الأشياء والأحداث.. اصبحت الآن من اكثر جمهوريات مصر دخلا وثراء ابتداء بالإعلانات وانتهاء بمصادر التمويل الغامضة وتحول العاملون فيها إلي قوة فرضت نفسها علي كل الجمهوريات الأخري بل ان الجميع يعمل لها الآن الف حساب.. انها تشعل المعارك بين القوي الأخري.. وتحرض علي الفتن.. وتشتري كل شيء وتبيع ايضا كل شيء.. انها تبيع الألقاب والأدوار والمهام وحتي الضمائر.. وفي جمهورية الفضائيات تجد كل شيء المساجد والكنائس والمشايخ وبيوت التسلية البريئة و ايضاغير البريئة.. وخلف كل شاشة تجد كل الوان التجارة والكل يبيع والغريب انه لا يوجد احد يعرف اسرار هذه الجمهورية حتي الآن.
وسط كل هذه الجمهوريات التي انقسمت علي نفسها واعلنت استقلالها تجد مجموعة من الجزر والشراذم التي تتناثر في اماكن كثيرة حيث لا رابط بينها ولا اتفاق إنها النخبة المصرية لا تستطيع ان تطلق عليها اسم الجمهورية فهي لم تتوحد يوما علي كلمة ولم تتجمع علي هدف ولم تخلص لقضية واحدة طوال تاريخها.. انها مع كل صاحب قرار حتي ولو كان مستبدا.. ومع كل صاحب موقف حتي ولو كان افاقا مغامرا.. وهي تروج كل الأكاذيب وتبرر كل الخطايا والأخطاء وهي قادرة علي ان ترتدي كل الثياب وتستخدم كل الأقنعة ويمكن ان تراها تدعي الفضيلة بينما هي غارقة في كل آثام الرذيلة.. وهذه النخبة هي التي رقصت علي كل الحبال حسب ما جاءت به المصالح والأهواء.. منذ ثورة يناير والنخبة علي خلاف دائم حتي ولو كان بلا اسباب.. لقد ضيعت كل فرص التوافق بين فئات هذا الشعب وحشدت كل اساليبها الشريرة في إفساد العرس علي وطن ثائر جريح.. تقف النخبة الأن علي اطلال احلامها الضائعة امام نفوس ضعيفة باعت نفسها للشيطان..
بين فلول النخبة تجد وجوها كثيرة من كل نوع وفكر واتجاه ولكنها تجتمع حول شيء واحد انها تقدس مصالحها وتجري خلفها في كل وقت وتداعب كل قادم جديد.
وسط هذه الجمهوريات تشاهد إقطاعيات صغيرة تعبث بها الأقدار والأحلام والرؤي.. تجد شوارد الصحفيين والكتاب واتحاداتهم وتجد ما بقي من عبق القضاة وبريقهم وتجد مواكب المهنيين وفيهم الصالح والطالح وهنا ايضا تبدو آخر جمهوريات مصر التي أعلنت العصيان علي الجميع بشرف ونبل وشهامة.. انهم شباب الثوار الذين فتحوا امامنا بعد ليل طويل ابواب الأمل والطهر والكرامة.. هؤلاء الذين انتفضوا يوم25 يناير معلنين الرفض والعصيان علي دولة القمع والظلم والطغيان.. تعرضت هذه الدولة البريئة لكل الوان التشويه والاضطهاد وتسللت بين صفوفها وجوه غريبة لا أحد يعلم من أين جاءت وكيف وصلت؟ بعضها من فلول الماضي البغيض والبعض الآخر جاء متخفيا وراء صفقات خارجية.. ولكن مواكب شباب الثورة مازالت صامدة وتستمد كل يوم إيمانا جديدا بقدرتها علي التغيير والمواجهة
امام الجمهوريات المصرية المتناثرة التي اعلنت انفصالها علي مليون كيلو متر مربع هي مساحة جسد هذا الوطن المتعب تدور معركة طاحنة حول المستقبل يشاهد فيها المصريون البسطاء كل اساليب الدمار النفسي والمعنوي ولا أحد يعلم حجم الدمار الذي ستتركه هذه المعارك وماذا سيبقي لهم بعد هذا الدمار؟!.. ويكفي ان تشاهد المعارك التي دارت بين النخبة حول تشكيل لجنة الدستور لكي تدرك حجم الدمار البشري والفكري الذي تركه النظام المخلوع..
فئات متصارعة من كل إتجاه.. ومؤسسات ضائعة بلا هدف وشعب يبحث عن مستقبل يليق بوطن عظيم.. هل يهدأ الغبار.. وهل تتشابك الأيدي مرة أخري لكي نخرج من هذا النفق المظلم ؟.. ومن يوحد مرة أخري كل هذه الجمهوريات التي اعلنت إنفصالها عن الوطن الأم ؟.. ومن يلم شمل المصريين من هذا الشتات مرة أخري؟.
.. ويبقي الشعر
كم عشت أسأل: أين وجه بلادي
أين النخيل وأين دفء الوادي
لاشيء يبدو في السماء أمامنا
غير الظلام وصورة الجلاد
هو لا يغيب عن العيون كأنه
قدر.. كيوم البعث والميلاد
قد عشت أصرخ بينكم وأنادي
أبني قصورا من تلال رماد
أهفو لأرض لا تساوم فرحتي
لا تستبيح كرامتي.. وعنادي
أشتاق أطفالا كحبات الندي
يتراقصون مع الصباح النادي
أهفو لأيام تواري سحرها
صخب الجياد.. وفرحة الأعياد
اشتقت يوما أن تعود بلادي
غابت وغبنا.. وانتهت ببعادي
في كل نجم ضل حلم ضائع
وسحابة لبست ثياب حداد
وعلي المدي أسراب طير راحل
نسي الغناء فصار سرب جراد
هذي بلاد تاجرت في عرضها
وتفرقت شيعا بكل مزاد
لم يبق من صخب الجياد سوي الأسي
تاريخ هذي الأرض بعض جياد
في كل ركن من ربوع بلادي
تبدو أمامي صورة الجلاد
لمحوه من زمن يضاجع أرضها
حملت سفاحا فاستباح الوادي
لم يبق غير صراخ أمس راحل
ومقابر سئمت من الأجداد
وعصابة سرقت نزيف عيوننا
بالقهر والتدليس.. والأحقاد
ما عاد فيها ضوء نجم شارد
ما عاد فيها صوت طير شاد
تمضي بنا الأحزان ساخرة بنا
وتزورنا دوما بلا ميعاد
شيء تكسر في عيوني بعدما
ضاق الزمان بثورتي وعنادي
أحببتها حتي الثمالة بينما
باعت صباها الغض للأوغاد
لم يبق فيها غير صبح كاذب
وصراخ أرض في لظي استعباد
لا تسألوني عن دموع بلادي
عن حزنها في لحظة استشهادي
في كل شبر من ثراها صرخة
كانت تهرول خلفنا وتنادي
الأفق يصغر.. والسماء كئيبة
خلف الغيوم أري جبال سواد
تتلاطم الأمواج فوق رؤوسنا
والريح تلقي للصخور عتادي
نامت علي الأفق البعيد ملامح
وتجمدت بين الصقيع أياد
ورفعت كفي قد يراني عابر
فرأيت أمي في ثياب حداد
أجسادنا كانت تعانق بعضها
كوداع أحباب بلا ميعاد
البحر لم يرحم براءة عمرنا
تتزاحم الأجساد.. في الأجساد
حتي الشهادة راوغتني لحظة
واستيقظت فجرا أضاء فؤادي
هذا قميصي فيه وجه بنيتي
ودعاء أمي.. كيسملح زادي
ردوا إلي أمي القميص فقد رأت
مالا أري من غربتي ومرادي
وطن بخيل باعني في غفلة
حين اشترته عصابة الإفساد
شاهدت من خلف الحدود مواكبا
للجوع تصرخ في حمي الأسياد
كانت حشود الموت تمرح حولنا
والعمر يبكي.. والحنين ينادي
ما بين عمر فر مني هاربا
وحكاية يزهو بها أولادي
عن عاشق هجر البلاد وأهلها
ومضي وراء المال والأمجاد
كل الحكاية أنها ضاقت بنا
واستسلمت للص والقواد!
في لحظة سكن الوجود تناثرت
حولي مرايا الموت والميلاد
قد كان آخر ما لمحت علي المدي
والنبض يخبو.. صورة الجلاد
قد كان يضحك والعصابة حوله
وعلي امتداد النهر يبكي الوادي
وصرخت.. والكلمات تهرب من فمي:
هذي بلاد.. لم تعد كبلادي
من قصيدة هذي بلاد.. لم تعد كبلادي سنة2007
[email protected]
المزيد من مقالات فاروق جويدة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.