من هو السيد بوتين؟ من يذكر هذا السؤال الاكثر ترددا قبل ثمانية اعوام، عندما فوجئ العالم بتسلم ضابط ال«كي جي بي» السابق مقاليد السلطة في بلاد كانت تعصف بها المشكلات الاقتصادية والسياسية، وتقف على حافة التقسيم والانهيار؟ يبدو المشهد الان مختلفا في روسيا اذ استعادت البلاد وحدتها السياسية وتحسنت الاحوال المعيشية وشهدت استقرارا اقتصاديا ونموا مطردا مكنها من استعادة احلام الامبراطورية الغائرة فعادت تلوح بعضلاتها العسكرية النامية بقوة وتتحدث عن فرض معادلات جديدة تمكنها من استعادة دورها ونفوذها على الساحة الدولية. تغيرت احوال روسيا لكن الثابت الوحيد بقي هو ذاته: فلاديمير بوتين. اذ نجح الرئيس الروسي في البقاء في مركز الاضواء، جامعا كل المتناقضات، وهو يستعد الان للخروج من الكرملين ، من دون ان يخرج من الحياة السياسية في روسيا، بل وبشكل يبقى فيه محور الاحداث وبوصلتها الاساسية. يخرج بوتين قريبا من باب الكرملين ليعود من شباك الهيئة الاشتراعية «زعيما للامة» وليس مجرد رمز اصلاحي. فهو يدرك بحسب البعض ان تجارب التاريخ دلت الى ان بلاده تأكل رموزها. وهذا ما اظهره الحديث التلفزيوني المفتوح مع مواطني روسيا قبل يومين. اذ تحدث سيد الكرملين الذي بدأ يحزم حقائبه عن برامج ومشاريع بناء لفترة 15 سنة مقبلة، وشدد على ان الخطط الاستراتيجية للموازنات وضعت في شكل لا يتيح لسلطة جديدة ان تعبث بها، ما دفع كثيرين الى القول انه حزم حقائبه لكنه لا ينوي الرحيل! وكان البعض اعتقد بان بوتين حضر لاحتفال وداعي، فجاء الى الحوار المفتوح مع الشعب ليطلق مرحلة جديدة لا يغامر احد في روسيا اليوم بان يتنبأ بمكان فلاديمير فلاديميروفيتش فيها. لكن الاكيد انها لا تقف عند مواصلة برامج الاصلاح الداخلي، فهو لوح عمليا باطلاق سباق تسلح جديد في حال اصرت واشنطن على خططها لفرض طوق عسكري من حول روسيا، معلنا تصميم سلاح نووي جديد والبدء بانتاج اجيال جديدة من الصواريخ في رسالة مباشرة الى الولاياتالمتحدة بأنه لا يجدر الاستخفاف باعتراض روسيا على الدرع المضاد للصواريخ في أوروبا وليؤكد ان روسيا قوية وقادرة بما يكفي للدفاع عن ثرواتها وسيادتها. وبنفس المقياس يمكن الحديث عن مناورة الكرملين المثيرة خلال زيارة بوتين الاخيرة لطهران، فهو يذهب الى هناك ليوقع اتفاقا يمنع بلدان حوض قزوين من تقديم تسهيلات لشن عمل عسكري ضد اي منها، ويعلن عن مواصلة التعاون مع الايرانيين، ثم يلتقي في اليوم التالي رئيس الوزراء الاسرائيلي ايهود اولمرت ليقول له ان موسكو ملتزمة ضمان امن اسرائيل وتعارض امتلاك ايران السلاح النووي. ويقول خبراء ان هذا النهج «امساك عصا التوازنات من الوسط» هو سلاح بوتين السري، وهو النهج الذي تعهد بوتين بانه سيستمر. والمعروف ان لاعب الجيدو الذي يعرف جيدا كيف ينتظر ليوجه ضربته الحاسمة في اللحظة المناسبة يسير على النهج نفسه في سياسته الداخلية. فهو رفع شعارات الليبراليين وتحدث بحماس عن ترسيخ اقتصاد السوق، لكنه عمل على مركزة القرار السياسي في البلاد كضمانة وحيدة لاستعادة روسيا وحدتها السياسية، وهو اعاد سيطرة الحكومة على الشركات الكبرى التي تتحكم بثروات البلاد. وتحدث عن الديموقراطية لكنه يتهم بانه صاحب القبضة البوليسية على حرية الكلمة والتعبير. و»استعار» شعارات الشيوعيين والقوميين، فعارض دفن جثمان مؤسس الدولة السوفيتية فلاديمير لينين لأنه «رمز بالنسبة لملايين الروس» وردد احاديث كثيرة عن العدالة الاجتماعية وتوزيع الثروات، وايضا ...عن مجد روسيا العظيم وقدرتها على الاعتماد على طاقاتها لبناء دولة كبرى.