انتهت الحرب الباردة التي دارت علي مدي عقود بين الولاياتالمتحدةالأمريكية والاتحاد السوفيتي قبل انقضاء القرن العشرين بسنوات طويلة.. وسقط الدب الروسي بالضربة القاضية الفنية, وتفككت امبراطوريته الي جمهوريات مستقلة واختفت الي الابد حالة القطبية الثنائية لتنفرد واشنطن وحدها كقطب وحيد بالتحكم في مصائر الشعوب. غير ان تداعيات السقوط مازالت تتوالي.. فثمة كيانات داخل روسيا( الوريث الشرعي للاتحاد السوفيتي السابق) مازالت تحتفظ بحيويتها ولم تفقد تماسكها مثل جهاز الاستخبارات السوفيتي المعروف اختصارا بال( كي. جي. بي), وجهاز الأمن الفيدرالي الذي يرمز له بحروف( إف. إس. بي) والتي انتقلت بالتبعية لروسيا. كثيرون هم من يتطلعون بشغف لمعرفة بعض من أسرار هذين الجهازين الرهيبين اللذين لعبا أدوارا خطيرة خلال اكثر من سبعين عاما في الحياة السوفيتية رصدا ومراقبة وقمعا للمواطنين والمعارضين علي وجه الخصوص..وكان يفترض ان تمضي دولتهم وسطوتهم كما انهارت الدولة وتفككت, غير ان الواقع شيء آخر. الواقع الجديد يحكيه الصحفي البريطاني جون كامبفنر في عرض مطول لكتاب صدر مؤخرا يحمل اسم( النبلاء الجدد: استعادة امن الدولة الروسية.. وميراث الاستخبارات الروسية الدائم) لمؤلفيه أندرية سولدا توف وإيدنيا بوروجان. فتحت عنوان( الحرية علي الطريقة الروسية) كتب كامبفنر عرضه في الملحق الثقافي( كلتشر) لصحيفة الصنداي تايمز البريطانية في عددها الأخير يقول فيه: لقد قام صحفيان بفضح الطريقة التي يقوم بها ورثة الكي جي بي بإدارة أعمال وسياسات الدولة بقبضة من جديد. أندريه سولد اتوف وإيدينا بوروجان كشفا الكثير ويسعيان الي وضع نهاية لروسيا اللزجة, فعلي مدي العقد الماضي أمضي مؤسس موقع المعلوماتagenturaru وقته في كشف معلومات عن العالم تسعي الدولة للحفاظ علي سريتها مستهدفا اكثر المؤسسات حساسية في عهد روسيا الحديثة: جهاز الامن الفيدرالي. الأف اس بي, خليفة الكي جي بي. ويعد هذا الكتاب خلاصة عملهما علي الموقع الالكتروني معتمدين علي قدر كبير من البحث فوصفوا كيفية عمل جهاز الاستخبارات الروسية في طليعة الديكتاتورية الشيوعية, ثم كيف ضاعت جهوده بعد سقوط الاتحاد السوفيتي, محافظا علي استقرار الكرملين الرأسمالي الجديد. ففي اوائل التسعينيات, منح انهيار الشيوعية دفعة لحرية التعبير والحريات الشخصية. وبانهيار الاسس والهياكل القديمة كان اجتياز الحدود وتحقق. ويصف سولد اتوف وبوروجان كيف حاول بوريس يلتسين أثناء صحوة ماقبل الانهيار, تفتيت الكيان الامني علي امل اضعافه ويذكر ان احد زعماء الانقلاب غير الناجح ضد ميخائيل جورباتشوف كان فلاديمير كريوشكوف رئيس الكي جي بي, وأن انهيار الاتحاد السوفيتي كان سببه عشرات الآلاف من الاشخاص داخل الكي جي بي ايضا ويعد الكي جي بي بالنسبة للكثير من الناس كعائلة تجارية امتدت لأجيال. وعندما اصبح فلاديمير بوتين رئيسا لروسيا ظهرت فرصة لاعادة بنائه ولو باسم آخر. وقد كان بوتين عضوا في الكي جي بي وعمل جاسوسا للاتحاد في المانياالشرقية ومن خلال مزيج من المكر والقوة العمياء انحاز الرئيس الجديد لقوة الكرملين لكن كبار رجال الاعمال الذين حاولوا تثبيته وتأييده تم تغييبهم وراء الشمس فمثلا عندما بدأ ميخائيل خود وركوفسكي احد اغني رجال الاعمال في تحدي سلطة بوتين السياسية كان مصيره قد آل الي معسكر عمل في سيبيريا ايضا عندما رفض فلاديمير جوسينسكي اسكات قناته التليفزيونية المستقلة, تم الاستيلاء علي القناة وطرده الي خارج البلاد وكان المسئولون في الكي جي بي القديم يسعون الي القوة والثراء السريع فمثلا ايجور سيشين احد البارزين في المخابرات العسكرية اصبح نائبا لرئيس الوزراء ورئيسا لشركة روسنيفت احدي كبريات شركات البترول الروسية. وهكذا تولت تقسيمات اصول الدولة بين المسئولين. في عهد بوتين عاد ال( إف إس بي) وال0 الكي جي بي) الي حيث يجب ان يكونا في مقدمة الحياة الروسية) وكانت مسيرات المعارضة دائما ماتتحطم بعنف. فتم اعادة بنائه بعيدا عن المعارضين المتعبين وطبقا لأكاديمية العلوم الروسية فإن75% من السياسيين الكبار في روسيا لديهم خلفية عن خدمات الامن وأن رجال الكي جي بي السابقين يديرون اكبر27 شركة وهم في ارتباطات شخصية مع بوتين. هؤلاء الذين اختاروا طريقا مختلفا قد صاروا من المشكوك بهم هناك سلسلة من القوانين تزيد من قوة جهاز الامن الفيدرالي بزيادة لاتقاس تضييق الخناق علي السلوك المعادي للدولة كما صنفت افعال المعارضة علي انها اشكال من الخيانة والتطرف وجرائم يعاقب عليها بالحبس لمدة تصل الي عشرين عاما من جماعات حقوق الانسان الي حملات الحفاظ علي البيئة الي الجمعية الخيرية لازالة الألغام فأي شخص ليس تحت سيطرة الكرملين المباشرة يعد مخربا كذلك اي شخص يحصل علي دعم من الغرب خاصة بريطانيا يعد عميلا للمخابرات الاجنبية. .. وتحت ستار محاربة الاسلام الراديكالي, تم سن قوانين جديدة لتأييد ال( إف. إس. بي). كما يوضح الكتاب بعض الأدوات التي تستخدمها اجهزة الامن فهناك نطاق يسمي بي تي كيه علي اتصال مع قاعدة بيانات اكسبرس وماجيسترال للحصول علي معلومات عن جميع تذاكر الطيران من لدي المطارات في روسيا من خلال نظام يعرف ب فيديو لوك. فأصبح هناك مؤخرا عدد كبير من الاشخاص يشكون من ان الطبقة المتوسطة قد وقعت تحت تأثير الاستهلاك وان الأغلبية خدعتها الدعاية. وقد قام التليفزيون بدور كبير في ذلك عندما عين بوتين مسئولا كبيرا في ال إف. إس. بي) كنائب لمدير التليفزيون الرئيسي وشركة الراديو حيث كانت احدي مهامه الاقناع بان البرامج الشعبية قد انشئت لتحسين سمعة الاجهزة الامنية كذلك ففي احد الافلام قامت حسناء برتبة عقيد في الاف اس بي بإنقاذ سبعة عواصم في العالم. كما تم إنتاج فيلم وثائقي اسمه( الجواسيس) يحكي فضيحة المطرب الجاسوس الذي كان يعمل لحساب السفارة البريطانية( وهنا يستدرك محرر الصنداي تايمز علي المؤلفين ويكشف انهما لم يوليا الاهتمام الكافي لاغتيال عميل ال( كي جي بي) السابق في لندن. وتعكس الصحافة الروسية حالة الديمقراطية بها فبوتين يستخدم تعبير( الصحافة الحثالة) لوصف المهنة كذلك هناك اغلبية من الصحفيين محاصرون ويعملون تحت الضغط لكن هناك صفوة منهم يرفضون ذلك فقد سجلت روسيا عام1992 كاسوأ دولة في حماية حرية التعبير. كذلك سولدا توف وبوروجان قد نالا نصيبهما من التهديد. بالرغم من ذلك فإن الصحف الروسية مازالت تعرض وجهات نظرهما كخبراء للأمن حتي وان لم يجرؤا علي اصدار تقارير جديدة منها كما ان موقعهم الالكتروني قد ضرب في اوائل هذا العام, لذلك وقاموا بنقله الي امريكا. ومع كل الفرص الضائعة خلال العشرين سنة الماضية لم تستطع روسيا العودة الي الاتحاد السوفيتي السابق. بعد كل ذلك فان هذا الكتاب نشر بواسطة صحفيين عنيدين استمرا في النضال لتجارتهم هناك وهذا يعد لافتا للنظر في حد ذاته.