المشاط تدعو الشركات السويسرية للاستفادة من آلية ضمانات الاستثمار الأوروبية لزيادة استثماراتها في مصر    طور سيناء تطلق سوق اليوم الواحد بتخفيضات تصل 25% لتخفيف العبء عن المواطنين    تشغيل كامل لمجمع مواقف بني سويف الجديد أسفل محور عدلي منصور    الأونروا: ننتظر الضوء الأخضر لإدخال شاحنات المساعدات إلى غزة    حصيلة ضحايا الحرب على غزة تتجاوز 203 آلاف شهيد وجريح    ماكرون وزوجته يرفعان دعوى تشهير ضد المؤثرة الأمريكية كانديس أوينز    حماة الوطن يشيد بجهود مصر في إدخال المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة    إيزاك يغيب عن نيوكاسل في معسكره الأسيوي    «صفقة قادمة».. شوبير يشوّق جماهير الأهلي حول المهاجم الجديد    النيابة تطلب التقرير الطبي لإصابة طالبة سقطت من الطابق الرابع في الإسكندرية    الداخلية تضبط طرفي مشاجرة بالأسلحة البيضاء بين سائقي توك توك في العمرانية    بسبب السرعة الزائدة.. مصرع عامل ديلفري إثر انقلاب دراجته النارية بالتجمع الخامس    اليوم.. عروض لفرق الشرقية والموسيقى العربية بالعلمين ضمن صيف بلدنا    إيهاب توفيق والموسيقى العربية في افتتاح صيف الأوبرا 2025 باستاد الإسكندرية    إقبال جماهيري على فعاليات "المواطنة" بالمنيا.. "الثقافة" تُضيء القرى برسائل الوعي والانتماء    «مش زي غيره».. تعليق ناري من الغندور بعد رسالة مصطفي شلبي    الشباب والرياضة تتلقى الاستقالة المسببة من نائب رئيس وأمين صندوق اتحاد تنس الطاولة    البنك المركزي الأوروبي يبقي على معدلات الفائدة دون تغيير    «جمال الدين» يستعرض إمكانات «اقتصادية قناة السويس» أمام مجتمع الأعمال بمقاطعة تشجيانغ    وزير الخارجية والهجرة يلتقي رئيس جمهورية مالي ويسلم رسالة خطية من فخامة رئيس الجمهورية    تحذير من موجة شديدة الحرارة.. بيان هام من الأرصاد يكشف حالة الطقس    المجلس الأعلى للإعلام يوافق على 21 ترخيصًا جديدًا لمواقع إلكترونية    لطلاب الثانوية العامة والأزهرية.. شروط قبول بالأكاديمية العسكرية المصرية (إنفوجراف)    قبل 150 يومًا من انطلاق "كان 2025".. الفراعنة ملوك الأرقام القياسية    عمرو الورداني: نحن لا نسابق أحدًا في الحياة ونسير في طريق الله    بقيمة 227 مليون جنيه.. «صحة المنوفية» تكشف حصاد العلاج على نفقة الدولة خلال 6 أشهر    نتيجة الثانوية الأزهرية بمحافظة كفر الشيخ.. رابط مباشر    انفجار لغم يشعل صراعا بين كمبوديا وتايلاند.. اشتباكات حدودية وغارات جوية    سيدة على مشارف ال80 عاما تغادر محطة الأمية في قطار التضامن «لا أمية مع تكافل»    تقرير جنوب إفريقي: لا نية ل صنداونز لبيع ريبيرو إلى بيراميدز.. والوجهة المفضلة    القليوبية تُطلق حملة مراكز شباب آمنة للوقاية من حوادث الغرق    رئيس الوزراء يتابع جهود منظومة الشكاوى الحكومية خلال النصف الأول من 2025    "مدبولي" يؤكد أهمية بناء الوعي في تشييد حائط صد ضد نمو الشائعات    بيان مشترك: مصر ودول عربية وإسلامية تدين مصادقة الكنيست الإسرائيلي على الإعلان الداعي لفرض السيادة الإسرائيلية على الضفة الغربية المحتلة    انخفاض أسعار الحديد وارتفاع الأسمنت اليوم بالأسواق (موقع رسمي)    وزير الري يتابع جاهزية المنظومة المائية خلال موسم أقصى الاحتياجات    جهود قطاع أمن المنافذ بالداخلية خلال 24 ساعة لمواجهة جرائم التهريب ومخالفات الإجراءات الجمركية    بنسخ خارجية لمختلف المواد.. ضبط مكتبة بدون ترخيص في الظاهر    الداخلية تواصل حملاتها المكثفة لضبط الأسواق والتصدى الحاسم لمحاولات التلاعب بأسعار الخبز الحر والمدعم لتحقيق أرباح غير مشروعة    "الجبهة الوطنية" يعقد أول لقاء جماهيري بالإسماعيلية لدعم مرشحته داليا سعد في انتخابات الشيوخ    جامعة قناة السويس تُعلن نتائج الفصل الدراسي الثاني وتُقرّ دعمًا للطلاب    «خدمة المجتمع» بجامعة القاهرة يناقش التكامل بين الدور الأكاديمى والمجتمعى والبيئي    شهدت التحول من الوثنية إلى المسيحية.. الكشف عن بقايا المدينة السكنية الرئيسية بالخارجة    3 أفلام ل محمد حفظي ضمن الاختيارات الرسمية للدورة ال 82 لمهرجان فينيسيا (تفاصيل)    نقابة المهن السينمائية تشيد بمسلسل "فات الميعاد"    معسكر كشفي ناجح لطلاب "الإسماعيلية الأهلية" بجامعة قناة السويس    عمرو الورداني: النجاح ليس ورقة نتيجة بل رحلة ممتدة نحو الفلاح الحقيقي    لو لقيت حاجة اقعدها وقت قد ايه لحين التصرف لنفسي فيها؟.. أمين الفتوى يجيب    علي جمعة يوضح معنى قوله تعالى {وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ}    تحليل رقمي.. كيف زاد عدد متابعي وسام أبو علي مليونا رغم حملة إلغاء متابعته؟    713 ألف خدمة طبية قدمتها مبادرة «100 يوم صحة» خلال أسبوعها الأول في القليوبية    قبل اعتماد "جهار".. رئيس "الرقابة الصحية" يتفقد مستشفيي رأس الحكمة والضبعة    "السبكي" يبحث مع "Abbott" نقل أحدث تقنيات علاج أمراض القلب    تفاصيل عملية دهس قرب بيت ليد.. تسعة مصابين واستنفار إسرائيلي واسع    الإسكندرية تحتفل بتاريخها.. في "يوم وداع الملك"    «كتالوج»... الأبوة والأمومة    مدنية الأحكام وتفاعلها مجتمعيًّا وسياسيًّا    أعراض برد الصيف وأسبابه ومخاطره وطرق الوقاية منه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



د. عبد الحميد الأنصاري: مستقبل التطرف الديني بعد "الربيع العربي"
نشر في أخبار مصر يوم 29 - 08 - 2012

قبل عدة أيام، أصدرت وزارة الثقافة في تونس، بياناً تحذر فيه من أن "تواتر الاعتداءات السلفية" على التظاهرات الثقافية في البلاد، ينذر باحتقان مذهبي غريب عن المجتمع التونسي المعروف بوسطيته. ويأتي هذا التحذير إثر إقدام عناصر سلفية على الاعتداء على مهرجان الأقصى بمدينة بنزرت في 16 من الشهر الجاري، حيث هاجم 200 سلفي، مسلحون بالسيوف والهراوات والحجارة، مهرجان "نصرة الأقصى" احتجاجاً على حضور المعتقل اللبناني سمير القنطار المتهم بتأييده نظام الأسد. ومنع سلفيون في 15 أغسطس، فرقة موسيقية إيرانية من تقديم عرض في اختتام المهرجان الدولي للموسيقى الصوفية والروحية بولاية القيروان، بدعوى أن الفرقة شيعية، كما منع سلفيون آخرون بولاية بنرزت، عرضاً مسرحياً بذريعة "استهزائه بالدين".
وتواترت هذه الاعتداءات من قبل متشددين آخرين حيث تم إحراق محطات للشرطة ومقاه وحانات في تونس، وقاموا بهجوم على السائحين والطلبة والمسرحيين، وتم حرق "القهوة العالية" بمنطقة سيدي بوسعيد التي تُعدُّ أحد المقاهي العريقة، وتم نهب معارض فنية.
مثل هذه الاعتداءات على حياة الناس والتدخل في خصوصياتهم بقوة السلاح وممارسة العنف باسم الدين وتحت شعار"الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" من قبل جماعة دينية متشددة، أصبح من الظواهر المنتشرة في العديد من دول ما سمي ب"الربيع العربي"، وهي إحدى إفرازاتها الخطرة والمهددة لأمن المجتمعات العربية واستقرارها. لذلك تحركت الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان وبادرت بالتحذير من أن هذه المجموعات السلفية والتي وصفتها بأنها "عنيفة وخارجة عن القانون وفالتة من العقاب"، بل تصول وتنشر الرعب المادي والمعنوي تجاه النساء والمثقفين والصحفيين والمبدعين والنقابيين والسياسيين ومناضلي حقوق الإنسان، وتعتدي على الحريات الأكاديمية وعلى المؤسسات التربوية ودور العبادة، وتوظف الدين في هذه السلوكيات المنحرفة وتكفر المواطنين وتخوّنهم.
إلا أن التساؤلات المحيرة التي تستدعي نقاشاً وجدلاً: كيف أمكن لهذه الجماعات المتشددة أن تبقى حية بأفكارها وطروحاتها في ظل النظام البورقيبي المعروف بعلمانيته المفرطة وبعداوته الشديدة وعنفه المبالغ فيه ضد هذه الأفكار وأصحابها، وذلك على امتداد عقود العهد البورقيبي وخلفائه؟ ورغم أن الأجهزة والسلطات الأمنية لم تتوان عن مطاردة وملاحقة هذه الجماعات والتخلص منها، كيف أمكن لها أن تعود وتنتعش وتنتشر وتمارس نشاطها مرة أخرى بعد سقوط النظام السياسي المعادي لها؟
لا جواب عندي يفسر هذه الظاهرة، غير تأكيد ما سبق أن قرره كافة المعنيين بدراسة وتحليل أفكار وطروحات جماعات العنف الديني، سواء بين المسلمين أو في البلاد غير الإسلامية، وسواء كانوا من المسلمين أو من غيرهم، لقد قالوا جميعاً إن الأفكار لا تواجه إلا بأفكار مضادة لها، تحللها وتبين تفاهتها وعدم صحتها ومن ثم تحصن المجتمعات والناس وتقوي مناعتهم ضدها. أما الحلول والمواجهات الأمنية ضد أصحابها وملاحقتهم والزج بهم في السجون وممارسة التعذيب ضدهم ومنع أفكارهم ومصادرة كتبهم وقمعهم... فهي حلول وقتية مُسكنّة لن تجدي نفعاً على المدى الطويل في حماية المجتمعات من ظواهر العنف والتطرف، لأن الأفكار تبقى فاعلة في أعماق المجتمعات رغم ذهاب أصحابها أو التخلص منهم أو منعهم.
وهذا ما يفسر عودة الأفكار المتشددة والطروحات الأصولية واستحواذها على عقول ونفوس بعض الجماهير العربية في بلاد "الربيع العربي" بعد سقوط الأنظمة السياسية التي طالما مارست أساليب قمعية ووحشية تجاه أصحاب الأفكار الدينية المتشددة وتيار الإسلام السياسي على وجه الخصوص، بل إن تلك الوحشية والأساليب القمعية أكسبت هذه الجماعات شعبية باعتبارها ضحايا للنظم القمعية السابقة، وصور أصحاب تلك الأفكار أنفسهم كأبطال ومجاهدين ضحّوا بأرواحهم في سبيل مقاومة النظم القمعية وبالتالي فهم يستحقون من الجماهير اليوم أن تؤيدهم وتدعمهم وتفوضهم مقاليد السلطة والحكم، مكافأةً وتقديراً لنضالهم وكفاحهم وصبرهم الطويل على الظلم والتعذيب، وثباتهم على الحق واستمرارهم في مقاومة الأنظمة الظالمة!
وذلك ما يفسر اكتساح تيارات الإسلام السياسي والإسلام السلفي الانتخابات العامة في معظم بلاد "الربيع العربي". ولطالما تساءلنا وتساءل الباحثون: كيف أمكن لأفكار الخوارج القدامى والقائمة على "تكفير المجتمع واستحلال دماء المسلمين الأبرياء" أن تعود من جديد بعد أكثر من 14 قرناً لتستحوذ على نفوس وعقول بعض شباب المسلمين في العديد من الدول العربية والإسلامية والغربية؟!
لأن المعالجات، ومن البداية، كانت خاطئة وتعتمد أساليب الوقاية الوقتية ولا تتعرض لبنية الفكر المتطرف وتحللها إلى عناصرها الأولية وتردها إلى جذورها البعيدة والغائرة في العمق المجتمعي المعقد لتكشفها للنور ولتبين عدم منطقيتها ولا إنسانيتها بل ومناقضتها التامة لكافة مبادئ وتعاليم وقيم ديننا العظيم ومخالفتها لتعاليم وهدي نبينا صاحب الخلق العظيم عليه الصلاة والسلام، بقيت أفكار التطرف في بنية مجتمعاتنا وفي الأعماق الغائرة وفي اللاوعي الجمعي حتى إذا جاءت الظروف السياسية المناسبة خرجت من الأعماق إلى الأسطح وتصدرت المشهد العام، ونشطت في تنفيذ ما تعتقده أمراً بمعروف ونهياً عن منكر.
التطرف الديني المؤدي إلى ممارسة العنف تحت غطاء الدين، موروث ثقافي سلبي ورثناه ضمن المواريث المتنقلة إلينا عبر التاريخ، وكان التطرف موجوداً على مر التاريخ في المجتمعات العربية، لكنه كان هامشياً لا تأثير له في المجرى الثقافي والاجتماعي والسياسي العام، وبعد الصدمة الحضارية بالغرب وحضور الأجنبي وانتشار مظاهر الحياة الحديثة وتغير السلوكيات، أصبح له أنصار وأتباع وجماعات وخطباء يحرضون ويكفرون ويهاجمون كافة مظاهر الحياة المعاصرة ويرفضون كافة النظم القائمة باعتبارها بدعة مستوردة. وبعد قيام ثورات "الربيع العربي" وسقوط الأنظمة السياسية القائمة في بعض الدول العربية، استغلت بعض هذه الجماعات ظروف الفوضى السائدة للتدخل في حريات الناس.
واليوم في مصر، هناك تنافس بين جماعة "الإخوان المسلمين" والسلفيين من أجل السيطرة على مساجد مصر، وما هو حاصل في مصر حاصل في بقية دول "الربيع العربي"، لذلك يتوقع بعض المحللين أن يكون الصراع القادم صراعاً سياسياً ودينياً بين السلفيين و"الإخوان"، فالسلفيون تحد سياسي كبير فإما أن يتم ترويضهم وإجراء تسويات معهم، وإما أن يحصل الصدام العنيف معهم كما حصل بين "حماس" وحليفاتها بعد انفرادها بالسلطة في غزة.
نقلا عن صحيفة الاتحاد


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.