في أول جولة رسمية له منذ توليه مهامه في السابع والعشرين من يونيو الماضي ممثلا للجنة الرباعية التي تضم كلا من الولاياتالمتحدة والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة وروسيا, بدأ توني بلير زيارة وصفت بأنها استطلاعية للاستماع والتعلم والتأمل لكل من الأردن, والأراضي الفلسطينية المحتلة واسرائيل بهدف إحياء عملية السلام المتوقفة منذ ست سنوات. وتزامنت زيارة بلير مع وصول وزير الدولة المختص بشئون الشرق الأوسط في الخارجية البريطانية كيم هاولز إلي المنطقة لإجراء مباحثات مع المسئولين في الأردن ومصر وليبيا. ورغم أن بليز وهاولز لم يلتقيا, فإن الأخير امتدح ممثل الرباعية الدولية, واعتبره صاحب تجربة في إحلال السلام بالبوسنة وايرلندا, بيد أنه وصف مهمة بلير في المنطقة بأنها بالغة الصعوبة. وقد بدا ذلك واضحا من استباق اسرائيل وصول بلير إليها, حينما أكدت رفضها تدخله في دفع مفاوضات التسوية الدائمة بين اسرائيل والفلسطينيين إلي الأمام, ورأت اسرائيل أن المهمة الرئيسية التي انتدب لها تنحصر في بناء مؤسسات السلطة الفلسطينية, وحشد المساعدات المالية الدولية لها, مكررة أنها لن تتيح لأي جهة ثالثة التدخل في المفاوضات مع الفلسطينيين. كما رفضت اسرائيل الاستجابة لمطالب بلير برفع الحواجز العسكرية عن الضفة الغربيةالمحتلة. ورغم أن بعض حسني النية اعتبروا أن بلير لديه رغبة للتكفير عن الفوضي التي شارك في إحداثها بالعراق, وإظهار اهتمامه الشديد بالصراع الفلسطيني الاسرائيلي, فإن الواقع الفعلي يؤكد انه من الصعب أن يحقق بلير أي نجاح في هذا الصدد, خصوصا في ظل الأوضاع المأزومة سياسيا علي الساحة الفلسطينية, وعدم استعداده للاختلاف مع اسرائيل التي تمتدحه دائما, وتعتبره صديقا مخلصا لها, فضلا عن عدم استعداده للاختلاف أيضا مع راعيه وتابعه بوش. فمهمة بلير الجديدة تصطدم بصخرة الانحياز الأمريكي لاسرائيل التي تحطمت عليها كل مبادرات السلام وتجمدت محاولات إنعاشها من جانب اللجنة الرباعية التي تحول دورها من مساعدة الفلسطينيين والاسرائيليين علي التفاوض من أجل السلام, إلي دور المحاصر للشعب الفلسطيني المبرر لكل الاعتداءات الاسرائيلية الوحشية, المشجع علي تفتيت الوحدة الوطنية, المتعامل مع جانب فلسطيني ليس لتحقيق السلام وانتشاله من احتضاره, وإنما للقضاء علي الجانب الفلسطيني الآخر. إن نجاح بلير في مهمته رهن بتغيير هذا الدور غير المتوازن للجنة الرباعية التي أوفدته إلي المنطقة بقرار للادارة الأمريكية يمثل المكافأة علي الطاعة العمياء لتبعيته لما يصدر عن هذه الادارة من مخططات تحولت إلي كوارث مثل غزو العراق, وإطلاق يد اسرائيل في تدمير لبنان خلال حرب يوليو من العام الماضي. ومن هنا, فإن فرص بلير في تحقيق تقدم سياسي ملموس تبدو حتي الآن ضعيفة, وذلك في ظل تباين المواقف الفلسطينية من جهة, ونية اسرائيل تهميش دوره في المنطقة والحيلولة دون تدخله في قضايا الحل الدائم وفي المفاوضات مع الفلسطينيين. وحسب مصادر سياسية اسرائيلية, فإن مهمة بلير بالأساس محدودة, وستتركز في مجال بناء المؤسسات الفلسطينية, وتحسين الوضع الاقتصادي, وأن الدور السياسي يبقي بيد الجانب الأمريكي في المنطقة علي الرغم من مطالبة عشرة وزراء خارجية دول من الاتحاد الأوروبي بأن يكون لبلير دور سياسي. ومن ثم, فإن الدور الأساسي في عملية السلام بالمنطقة هو للولايات المتحدة, وهي حقيقة يجب أن نعترف بها, واللجنة الرباعية رغم وجود أطراف مهمة في داخلها كروسيا والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة فإن الموقف الأساسي يبقي للولايات المتحدةالأمريكية.