صدق أو لا تصدق.. الشباب الكويتي الذي يعين اليوم قد لا يحق له التقاعد قبل ان يبقى في الخدمة 73 عاما! حقيقة صادمة سنتها أقلام مشرعي القانون في البلاد.. ممثلي الشباب والشعب بأكمله.. اعضاء مجلس الامة المؤتمنين على مستقبل الأجيال. كيف حدث ذلك؟ وهل في ما ذكرناه أي مبالغة أو 'فبركة' إعلامية كما سيتهم بعض المقربين من اصحاب القرار او المستفيدين من القانون قلمنا؟ نترك الحكم للقارئ بعد أن يقرأ تفاصيل القصة التالية: فيصل شاب مجتهد عاندته ظروف الحياة ففقد والده قبل بلوغه الثامنة عشرة بأشهر قليلة، ما اجبره على تحمل مسؤولية اسرة كاملة كونه الاكبر بين اشقائه، فما كان منه بعد التخرج من الثانوية مباشرة ومن دون اكمال التعليم الجامعي الا البحث عن عمل شريف يحقق له دخلا جيدا يساهم في تخفيف معاناة اسرته المفجوعة بفقد معيلها. وعلى عكس الكثيرين من نظرائه الشباب، حصل فيصل على فرصة وظيفية لا تفوت خلال مدة قصيرة بفضل نسبته المرتفعة، فشعر بان الدنيا عادت لتبتسم له بعد سلسلة من المصائب والمعضلات. اتم فيصل اجراءات التعيين بسرعة قياسية وحماس لافت، وباشر العمل بعد ايام قليلة بروح يملؤها التفاؤل والامل. ولانه فطن ونظرته للمستقبل بعيدة دائما، فضلا عن عامل الفضول الايجابي، قصد فيصل مبنى المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية للاستفسار عن عدد من النقاط المتعلقة بالنظام الذي سيؤمن له ولابنائه من بعده حياة كريمة. المفاجأة: لم تكن اجابات الموظفة التي تؤدي عملها على اكمل وجه مستغربة او تحمل شيئا غير عادي، فالمبلغ المقتطع من راتبه معقول، والنظام في هيكل المؤسسة يجري وفق قواعد محددة مثل عقارب الساعة، وخلال استماعه الممزوج بابتسامة رضا جاء وقع احدى الجمل عليه كالصاعقة. 'لا يمكنك الاستفادة من نظام التأمينات الاجتماعية قبل ان تبقى في الوظيفة لمدة 73 عاما'، قالتها الموظفة وعلامات الثقة تعلو محياها، فطلب منها تكرار المعلومة ليتأكد من صحة ما سمع، فلما تيقن شعر تماما بما شعر به المحكوم عليه بالسجن المؤبد! كيف؟ ولماذا؟ وما الهدف من بقائي كل هذه المدة؟ سلسلة من الاسئلة التي امطر بها فيصل الموظفة بحثا عن تبرير مقنع، فما كان منها بعد أن 'كسر خاطرها' سوى أن تشرح له نظام التأمينات الاجتماعية في الكويت قائلة: 'نص القانون على ان موعد التقاعد الذي يستحق فيه الموظف الراتب التأميني يجب ان يحقق شرطين، مدة الخدمة والعمر عند التقاعد، وهذا الشرط الأخير ? أي العمر ? يرتفع سنويا اعتبارا من العام بعد المقبل 0102 الى عام ،0202 فيمنع تقاعد من يقل عمره عن 64 عاما اعتبارا من العام بعد المقبل، ويزداد العمر المطلوب سنة واحدة كل عام، حتى يصل العمر المسموح فيه بالتقاعد عام 0202 وما بعد الى 55 سنة، وبالتأكيد فإن تقاعدك لن يتم قبل العام ،0202 لكونك لن تكون قد استوفيت الشرط الأول المتعلق بمدة الخدمة، ولا الشرط الثاني المتعلق بعمر ال 55 عاما، الذي ستبلغه بعد 73 سنة من اليوم'. دهشة: اغلقت الموظفة فمها منهية الحديث، فيما بقي فم فيصل مفتوحا من شدة الاندهاش، هل من المنصف أو من المنطق حتى أن يكون الأمر كذلك؟ ما ذنب الشباب 'المبسوط' بتعيينه الجديد في العجز الاكتواري للمؤسسة أو أي سبب آخر أفرز هذا القانون الغريب؟ وهل دبر هذا القانون بليل أو صيغ بحبر سري حتى لا يعرف عنه الشباب المعنيون الجدد شيئا؟ أسئلة كثيرة دارت في خلد فيصل والتي نقلها الى عمه الكبير في السن عله يجيب عن بعض منها ويشفي غليله. بدأ فيصل نقاشه مع عمه الخبير حول فئة الشباب تحديدا، فتساءل عن اسباب عدم معرفة كثير منهم المدة الواجب قضاؤها في العمل قبل التقاعد، فذكر 'الخبير' أن الشباب مع قوائم البطالة المتزايدة كل يوم تواقون للحصول على الوظيفة، وبالتالي فإن فرحتهم بها تنسيهم الاستفسار عن بعض النقاط المستقبلية المهمة، فضلا عن ان عادة الكويتيين الجديدة هي عدم الانتباه لأي مصيبة الا بعد ان تقع الفأس في الرأس! المجلس: عرج الحديث الى مجلس الأمة ودوره في معالجة هذه القضية، فثار العم المسن في وجه ابن اخيه موبخا، معتبرا ان المجلس هو السبب الرئيسي في المشكلة، لكون الكثير من اعضائه لا ينظرون أبعد من أطراف أنوفهم ولا يهمهم سوى دغددغة مشاعر ناخبيهم بمطالب غير منطقية مثل اسقاط القروض، وبالتالي كان كل همهم خلال مناقشة القانون الاخيرة خفض سن تقاعد المرأة نظريا، ليظهروا بصورة المدافع النصير لها، بينما كان القانون 'ملغوما' لكون الشرط الثاني المتعلق بالعمر لن يتحقق وان انهت مدة الخدمة المطلوبة 'فلا طبنا ولا غدا الشر'. ويواصل العمل الملقب بأبو خالد حديثه: المشكلة ان المتضرر الأكبر من هذه المسألة هو مؤسسة التأمينات الاجتماعية نفسها، فهي ستكون مضطرة في خمسينات القرن الجاري او حتى قبل ذلك لدفع رواتب المتقاعدين شبه كاملة وفق القانون، لأن أيا منهم لن يكون قد تقاعد قبل 13 عاما على الاقل من العمل، حيث متوسط اعمار الموظفين الجدد بحسب احصاءات المؤسسة ذاتها يبلغ ذروته بين 02 ? 42 عاما، والعمر المطلوب للتقاعد هو 55 عاما وما فوق. الاعتصام: أمر مهم آخر لفت إليه النظر أبو خالد بالقول: 'أما البطالة، فإنها وبلا أدنى شك سترتفع كل عام الى معدلات قياسية اكثر من سابقتها، فالمعادلة بسيطة، آلاف الخريجين الباحثين عن فرص عمل سنويا مقابل قلة يسمح لها القانون بالتقاعد، فكيف ستتعامل الحكومات مع هذا الوضع؟'. أخذ الحماس الشاب فيصل وقرر ان يجمع عددا من اصدقائه ليمارسوا السلوك المتبع تلقائيا لدى أي مطالبة خلال السنتين الاخيرتين، أي الاعتصام في ساحة الارادة حتى الصباح، لكن عمه الحكيم نهاه هذه المرة، وأكد له أن 'اللبيب بالإشارة يفهم'، وأن أصحاب القرار في البلادلديهم من البصيرة ما يمكنهم من معرفة المطالبات المحقة وان لم يعل فيها الصوت، والمطالبات 'الفالصو' التي تهدف إلى دغدغة المشاعر فقط، فهل تثبت الأيام ذلك؟