شهدت المرحلة الانتقالية على مدار عام ونصف عام من قيام ثورة 25 يناير 2011 أحداث سريعة ومُتلاحقة، بدأت بتنحي الرئيس السابق مبارك، وتحمل المجلس العسكري مسئولية إدارة شئون البلاد تحت شعار "الجيش والشعب إيد واحدة"، وإجراء تعديلات دستورية، وحدوث مظاهرات واعتصامات ومجازر دموية، وتشكيل 3 حكومات مُتعاقبة، وإجراء انتخابات برلمانية، وتشكيل المجلس الاستشاري، وكذلك تشكيل اللجنة التأسيسية لإعداد الدستور، ثم تختتم بماراثون الرئاسة الذي فاز فيها الدكتور محمد مرسي رئيس حزب الحرية والعدالة بمنصب "أول رئيس جمهورية مُنتخب بعد الثورة". في الحادي عشر من فبراير2011 تسلم المجلس العسكري السلطة في مصر بكلمات اللواء عمر سليمان من الرئيس السابق مبارك، وإطلاق مُصطلح "المرحلة الانتقالية"على المرحلة الفاصلة بين حُكم مبارك والنظام الديمقراطي الجديد، وقد لوحظ أن هذه المرحلة لم تحدد بفترة زمنية محددة، ولكن في الإعلان الدستوري الأول الصادر فى 30 مارس 2011 بعد استفتاء 19 مارس وطبقًا لهذا الإعلان الدستوري فإن نهاية الفترة الانتقالية كان يُفترض أن تكون آخر سبتمبر 2011، ولكن لظروف المرحلة بقي المجلس في السلطة، وعدل الإعلان الدستوري على أساس أن البرلمان لم يكن قد تم انتخابه، وترك الباب مفتوحًا دون تحديد نهاية المرحلة الانتقالية. خلال هذه المرحلة جرت أحداث وتطورات مُتعددة، ثم حددت تصريحات صادرة من المجلس الأعلى شهر أغسطس 2013 نهاية المرحلة الانتقالية، ولكن مع تدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية وتزايد المواجهات والمظاهرات، وسقوط ضحايا شارع محمد محمود بوسط القاهرة أعلن المجلس العسكري جدولا زمنيا يتضمن تسليم السلطة نهائيًا يوم 30 يونيو 2012. ومثلما كانت الثورة غير متوقعة الحدوث، فإن التغيرات التي شهدتها مصر لم تكن متوقعة أيضًا بهذا الشكل، كذلك كان كل مسئول سواء على مستوى أعضاء المجلس الأعلى للقوات المسلحة، أو أعضاء الوزارة أو حتى على مستوى كافة القوى السياسية لم يكن أحداً منهم يتوقع أن يتحمل مثل هذه المسئولية في يوم ما، ومن ثَم لم يكن أحد منهم مُستعدًا لتولي هذه المسئولية التي هبطت عليه دون استعداد، بالإضافة إلى الظروف غير العادية التي تشهدها البلاد، والتي يُعتبر أداء الحكومة جزء مُساهم في صناعة هذه الظروف، ولذلك كان من أهم سمات تلك المرحلة غموض أسباب حالة الانفلات الأمني التي تشهدها البلاد، وغياب الشفافية والمُصارحة للرأي العام، وغياب الاستراتيجية الواضحة للفترة الانتقالية. ثورة 25 يناير 2011 لا تختلف في أهدافها كثيرًا عن غيرها من الثورات، فقد بدأت شرارتها وتوهجت للمُطالبة بالقضاء علي مظاهر الظلم الاجتماعي، واستشراء الفساد، وتحقيق تغيير جذري يتجاوز مسألة إزاحة نخبة حاكمة وإحلال أخرى محلها، فشأنها شأن غيرها من الثورات الشعبية تمثل حلقة فاصلة في تاريخ الأمم والشعوب بين مراحل وحقب تاريخية سالفة وحقبة كانت سائدة وقت قيام الثورة وبين مرحلة مستقبلية تبنى على فحص تفصيلات تلك الثورة وأحداثها ومبادئها وأهدافها. وقد اتسم المشهد السياسي خلال الفترة الانتقالية بالكثير من الارتباك والصراعات الكامنة والظاهرة، والتى تصل إلي حد الصدام، مثلما يحدث مع كل أو أغلب دعوات الخروج إلي " المليونيات"، ومع نهايات عام 2011 زادت درجة التراخي في معالجة أزمات المرحلة الانتقالية، ولقد أضحى العنوان الرئيسي لإدارة المرحلة الانتقالية هو التخبط والعشوائية وغياب الشفافية ورفع المصالح الخاصة (فئوية أو حزبية أو مؤسسية) علي المصالح العامة وغياب الإرادة الحقيقية للتغيير والإصلاح، وتسارعت معدلات الأزمات، وإزدادت الأخطاء في التعامل معها، واستمر التراخي في العمل على مواجهة جذورها ومُسبباتها. فالقوى الثورية تعرضت لكثير من الانقسامات والتشويه لكل ما تقوم به من احتجاجات، إذ بات يلصق بها كل ما هو مخالف للقانون، وكل ما يعمل ضد الاستقرار، بل وبالاتهام بالعمالة أحيانًا وتلقي التمويل الأجنبي، والثوار من جانبهم لا يشعرون بالتغيير، فليس هناك من أهداف ثورة 25 يناير ما قد تحقق على أرض الواقع " الحرية - العدالة الاجتماعية - الكرامة الإنسانية ". والشئ نفسه ينطبق علي الهيئات والمجالس التي تشكلت بعد الثورة، بدءً من هيئات " الحوار الوطني " ، إلي " المجلس الاستشاري"، وهو ما أدي إما إلى مُقاطعة القوى الثورية لها، أو إلى رفضها، وبالتالي فقدت مصداقيتها ودورها المُفترض أن تلعبه في دفع الأمور إلي الأمام، وليس العودة بها إلى الوراء، خاصة أن كل من تولوا المناصب القيادية، وعلي مختلف المستويات كان معظمهم من الأجيال القديمة، في تجاهل تام لثورة 25 يناير، التي عبرت - ضمن ما عبرت أو في مُقدمته - عن أزمة جيلية لأجيال جديدة، لم يستطع النظام السابق بأركانه المعروفة " حُكمًا أو معارضة " أن يستوعبها أو يعبر عنها . فالتحديات السياسية أمام الانتقال إلي حُكم مدني لا تزال كثيرة، وفي مُقدمتها الاختلاف حول الخطوات المطلوبة لهذا الانتقال، ليس فقط في المضمون، وإنما حتى في الجدول الزمني ، فبينما ترى بعض القوى، وأولاها " القوى الثورية " ، سرعة هذا الانتقال، والقفز علي المراحل المحددة، وفقًا للخطة الزمنية التي أعلن عنها المجلس العسكري، ترى القوى الإسلامية ضرورة السير في تلك الخطوات، دونما تغيير، أى استكمال الانتخابات البرلمانية، ثم انتخابات الشورى، بعدها اختيار الجمعية التأسيسية للدستور ثم كتابته، والاستفتاء عليه وأخيرًا إجراء الانتخابات الرئاسية ، ورغم ما تبدو عليه هذه الخطة ظاهريًا من سلاسة وسهوله فإنها في الواقع ليست كذلك . وعندما حاول المجلس العسكري تدارك أمر " قضية الدستور أولا " - ولو متأخرًا - بالإعلان عن وثيقة مبادئ أساسية، ليتضمنها الدستور القادم، والمعروفة ب " وثيقة السلمى " تم رفضها، كما أن الاختلاف حول وضعية الجيش، ودوره في البناء السياسي زاد الأمر تعقيدًا، وهو أمر يصعب تجاهله وفقًا لمعطيات الواقع وتوازنات القوى الفعلية ، وما لم يتم الاعتراف من قبل الجميع بأهمية ومحورية تلك القضايا في هذه المرحلة الانتقالية، وما لم يتم التوافق أيضًا على أرضية مُشتركة، وحلول توافقية بشأنها، فستظل التحديات تحيط بهذه المرحلة، وتعرضها لانتكاسات وصعوبات، قد تطيل أمدها، ولا تسرع بالانتقال إلي مرحلة جديدة .