بقلم : أ. د. محمد عبدالستار عثمان يدير المجلس العسكري المرحلة الانتقالية برؤية هادئة، تقوم في الاساس علي اعتبار أن دوره في المرحلة الانتقالية يهدف، الي نقل السلطة الي المؤسسات المنتخبة انتخابا نزيها علي ان تتولي هذه المؤسسات استكمال البناء الديمقراطي وإحداث التغيير الشامل لتحقيق أهداف الثورة. ويواجه هذا الاداء باولويات مهمة تتطلبها المرحلة الانتقالية تطرحها الظروف الحالية بالحاح علي المجلس العسكري حتي يكون الانتقال صحيحا والتغيير الشامل منطقيا في بنائه الذي يستدعي أولا هدم النظام السابق واجراء التطهير ثم التأسيس للبناء الجديد علي أسس سليمة. وهذه الاوليات تتطلب النظر بعين الاعتبار والضرورة والاهمية ومن اهمها قضية استقلالية القضاء فليس هناك شك في أن القضاء يحتاج الي استكمال استقلاله وهذا الاستقلال مطلب اساسي للقضاة أنفسهم منذ زمن بعيد، وغياب هذا الاستقلال كان سببا في مفاسد كثيرة تصيب العدالة في مقتل، كما أن مصر في أشد حالات الضرورة اليه في هذه المرحلة الانتقالية بكل ملابساتها وتداعياتها وظروفها التي تستوجب بالضرورة تحقيق هذا الاستقلال، ومن المهم أن يدرس المجلس العسكري قانون السلطة القضائية الذي يحقق استقلاله ويصدره في أقرب وقت ممكن لأن اصدار هذا القانون يساعد كثيرا في انجاز المرحلة الانتقالية بصورة ايجابية ويجنب سلبيات كثيرة تتسبب في عرقلة اجراءاتها. والأولوية التالية هو أن هناك كثيرا من القوانين الفاسدة والمفسدة وضعها النظام السابق لتمكينه من السيطرة علي الحكم وتجريف ثروات البلاد ودحر خصومه، وتحتاج المرحلة الانتقالية اصدار مراسيم بقوانين تعالج هذه المساويء وتساعد علي تحقيق العدالة الناجزة للمحاكمات الحالية للفاسدين وبصيغة تناسب روح الثورة، وتبعد عن السلوك التقليدي المعتمد علي احترام القوانين الفاسدة وتطبيقها في ظروف مختلفة ومجتمع مختلف وثقافة مختلفة عما كان عليه الحال قبل ثورة 25 يناير. ومن الملاحظ أن المجلس العسكري لا يريد التوغل في احداث التغيير في القوانين واصلاحها لأن ذلك من مهام المجالس التشريعية (الشعب والشوري) التي يسند اليها احداث هذا التغيير بعد انتخابها كرؤية المجلس، وهذا صحيح لكن بعضا من هذه القوانين مطلوب الآن وبإلحاح وبضرورة تتطلبها الظروف التي نعايشها في المرحلة الانتقالية لتحقيق العدالة وتهيئة اسباب التطهير والإعداد للبناء الجديد الصحيح وليس هناك غضاضة في أن يصدر المجلس العسكري مراسيمه بالقوانين المطلوبة بعد دراستها ويعمل بها في المرحلة الانتقالية ولا غضاضة في أن تعرض بعد ذلك علي المجالس التشريعية لاجراء ما تراه من تعديل اذا كان الامر يتطلب ذلك أو تقر اقرارا تشريعيا كما هي اذا لم تكن هناك حاجة لذلك. وما ينطبق علي القضاء والقانون يتسع نطاقه ليشمل قرارات مهمة تستوجبها المرحلة الانتقالية في إطار الرؤية والروح الثورية الداعية الي التطهير والتغيير ويشمل هذا التوجه الهرم كله من رأسه الي قاعدته مرورا بتشكيل الوزارة التي لم يشعر المجتمع بانها وزارة ثورية بالمعني الكامل ويشعر بخلل في تشكيلها وتعارض واضح في عناصرها، وعدم وضوح في مهامها بل ومسماها، فهل هي وزارة تسيير أعمال أو وزارة إنقاذ وطني في المرحلة الانتقالية، وبغض النظر عن هذه المسميات فان الوزارة تبدو في ثوب تقليدي يخطط وينفذ وعندما يوجه النقد وفق هذا تعود الي حجة كونها وزارة انتقالية، وينعكس هذا كله بوضوح في سياسات الوزارة القائمة وعدم قوة قرارتها ووضوح أهدافها وهذا لايستقيم وأهمية تشكيل وزارة تقوم بالمرحلة الانتقالية لإحداث التطهير والتغيير ومن المسلم به أن فاقد الشيء لا يعطيه. وبنفس القدريجب التعامل مع تعيين المحافظين واصلاح المؤسسات الاخري والنظم الادارية كالحكم المحلي والجامعات والنقابات، وغيرها بما يتوافق والمرحلة الانتقالية الساعية الي التطهير والتغيير في اطار اهداف الثورة (عيش - حرية - عدالة اجتماعية). والبناء السياسي يتطلب هو الآخر رؤية واضحة تساعد علي تحقيقه وفق الرؤية الصحيحة المستفيدة من تجارب الأمم والشعوب التي مرت بنفس الظروف ووفق تكييف ذلك مع ظروف المجتمع المصري بكل مكوناته السياسية والدينية والاجتماعية والثقافية وبشرط اساسي وهو التمسك بقوة التيار الرئيسي لقوي المجتمع بعيدا عن الاسباب التي تؤدي الي الاستقطاب والتشرذم الذي يصيب الوحدةالعضوية للثورة في مقتل ومن اهمها اثارة قضايا تستنزف مجهودا كبيرا في مناقشتها والتعامل فيها تسبب فيها ما حدث حول الاستفتاء، وإصدار الاعلان الدستوري بشكله الحالي، وما أعقبه من جدل حول قضية الدستور، وقانون مباشرة الحقوق السياسية وقانون مجلسي الشعب الشوري، واجراء استطلاع الرأي علي المرشحين للرئاسة الذين أعلنوا نيتهم للترشح والذين تبني الاستطلاع نواياهم للترشح رغم عدم اعلانهم له بعيدا عن ظرف اجراءات هذه الانتخابات التي لم يحدد موعدها ولم تكتمل الصورة بشأنها. ويتطلب تحقيق هذا معالجة مستنيرة لدور الاعلام، ومعايير واضحة لاداء القوي السياسية يحفظ لمصر أمنها ووحدتها في المقام الأول وتوجه كل الجهود لبناء مصر الحديثة متجنبين التقليد السائد قبل ثورة 25 يناير ومتمسكين بتحقيق التغيير الذي قامت من اجله هذه الثورة، ويتطلب التغيير من الجانب الآخر جهدا مهما من جانب المجتمع بكل مؤسساته وأحزابه ونقاباته في أن ينهض بتقديم رؤية استراتيجية لاحداث التغيير تحت مظلة قانونية جديدة تناسبها وتتوافق مع أهدافها وبذلك ينتهي التقليد ويتحقق التغيير السبيل الوحيد لنهضة مصر. نائب رئيس جامعة سوهاج السابق وأستاذ الآثار الإسلامية بكلية الآداب