أثبت المصريون للعالم انهم قادرون على الإنجاز في الوقت الذي يريدون وفي الظروف التي تفرضها الأقدار والمسئولية عليهم.. ولهذا كان مشروع قناة السويس الجديدة.. وينبغي الا نتوقف كثيرا عند الخلافات في الرأي والمواقف، وهل كان المشروع تفريعة أو ترعة أو طشت كما قال مروجو الفتن المهم ان مصر نجحت في إنجاز مشروع كبير وعلى العالم ان يتلقى هذه الرسالة بفهم ووعي وتقدير.. ان كل مصري يؤمن ان قناة السويس مثل النيل تماما هبة من الله وقدر عظيم سطره هذا الشعب في تاريخه القديم والمعاصر وان علينا ان نفخر بهذه المعجزة الإلهية التي جمعت البحرين على أرضنا ووضعت هذه القناة في مكانة فريدة في مسيرة الحضارات.. في عشر سنوات اقترب دخل قناة السويس من 50 مليار دولار وهو رقم يأتي في مقدمة مصادر الدخل في حياة المصريين، وبدلا من ان يضيع منا الوقت في الرد على هذا أو ذاك يجب ان نتوقف عند أولويات كثيرة وتحديات تنتظرنا لكي نكمل مشوار البناء، وهناك أياد كثيرة تريد ان تعطل هذه الإنطلاقة وعلينا ان ننظر للأمام ولا تأخذنا لعبة الصراعات فقد أضاعت علينا وقتا طويلا.. أمامنا مجموعة تحديات يجب ان نستفيد فيها من أخطاء الماضي حتى لا تتكرر تجارب كثيرة فشلت في تحقيق أحلام هذا الشعب. أمامنا خطة استكمال مشروعات تنمية قناة السويس وهي مشروعات ضخمة ينتظرها العالم وهي بداية التحول الحقيقي في مسار التنمية في مصر.. كانت لنا تجارب سابقة في هذه المنطقة بدأت بتحويل بورسعيد إلى منطقة حرة انتاجا وتصديرا وانتهت نهاية مؤسفة كمركز لاستيراد الملابس المستعملة من خرائب أوروبا وشرق آسيا.. وكانت لنا أحلام كبيرة في شرق التفريعة وانتهت بتوزيع الأراضي على خمسة أشخاص فقط وبقى المشروع حبرا على ورق وتحول إلى صفقات لبيع الأراضي.. ولا أحد يعلم كم انفقت الدولة على مشروع توشكى وقد اكل الصدأ الكثير من معداتها.. وقبل هذا كله بقى مشروع تنمية سيناء جريمة بشعة في حق هذا الوطن الذي حرم الشعب من مصادر الثروة في هذه البقعة العزيزة.. هذه نماذج لمشروعات فشلت لأن النوايا لم تكن صادقة والأيادي لم تكن نظيفة. من حقنا ان نطالب بالشفافية فيما تقيمه أجهزة الدولة من المشروعات ومنها قناة السويس وليس ذلك تشكيكا في أحد ولكنه أسلوب جديد في التعامل مع أموال الشعب حتى لا تتكرر كوارث الماضي في ظل مسئولين لم يخافوا الله وفرطوا في كل شىء.. يجب ان تكون هناك ضوابط حقيقية للإنفاق العام بعيدا عن أساليب الماضي حين غابت الشفافية واستباح المسئولون المال العام دون خوف أو رقابة.. لا أحد يعلم كم انفقت الدولة في رمال توشكى أو سيناء.. ولا أحد يعرف قيمة بيع مشروعات الخصخصة في عشرين عاما وأين ذهبت.. ولا أحد يعرف كم استخدمت الحكومة من أموال التأمينات ومعاشات موظفي الدولة ولا أحد يعرف صفقات بيع الأراضي.. لدينا رصيد تاريخي من الفساد، والغريب ان بعض رموزه مازالوا يحومون في الأفق يبحثون عن الفرص الضائعة مثل ذئاب الجبل وهم يطاردون فريسة، رغم ان الفريسة ليس فيها ما يشبع ظمأهم للدماء. هناك توابع لمدارس الفساد مازالت تعمل تحت الأرض.. وعلى سبيل المثال: أين حصيلة أموال بيع أراضي الدولة للمصريين في الخارج وما حصل عليه رجال الأعمال من مساحات هائلة من الأراضي وهل دفعوا ثمنها.. أين حسابات مشروعات الإسكان وتطوير العشوائيات وإنشاء القرى الجديدة وما هي الجهات التي تشرف على ذلك هل هي المحليات أم التعمير والإسكان أم المحافظات.. ان كوارث الماضي تتطلب منا حرصا شديدا في التعامل مع المال العام. مازالت ملفات الفساد تحتاج إلى وقفة جادة فمازالت قواعده مثل السوس تنخر في عظام هذا الوطن، والمطلوب ان تتعامل الدولة مع أوكار الفساد بكل الحسم حتى لا يسترد مواقعه مرة أخرى خاصة ان المناخ مازال حتى الآن يسمح بذلك. لقد تحدث الرئيس عبد الفتاح السيسي عن العدالة الاجتماعية والمطلوب من الحكومة ان تترجم ذلك كله إلى سياسات لتوفير قدر من الحياة الكريمة لملايين المهمشين من أبناء هذا الشعب.. هناك ملايين من الشباب المميزين الذين لا يجدون فرصة عمل أمام توريث المناصب في مصر.. لا يعقل وبعد ثورتين ان تبقى قضية توريث المهن إحدى القضايا المطروحة في الشارع المصري ان يحجز كل مسئول مكانه لأبنه قبل ان يحال إلى المعاش. وصلتني رسالة من مواطن تخرج ابنه متفوقا في الجامعة منذ سنوات وكان له ثلاثة أصدقاء تخرجوا بتقديرات عادية، الأول عمل في قطاع البترول حيث يعمل أبوه والثاني في قطاع الكهرباء حيث تعمل أمه والثالث في الضرائب حيث يعمل شقيقه، ويتساءل الرجل أين يذهب ابني إذا كان الأبناء يرثون الآباء في كل قطاعات الدولة وأين يجد الشاب المتفوق مكانه وسط هذه التقسيمات الفئوية والوظيفية والعائلية.. ان غياب العدالة في صفوف الشباب وهم يشاهدون كل يوم من كانوا أقل ثقافة وتميزا يتصدرون الساحة يخلق لنا أجيالا مشوهة أمام الإحباط والشعور بالظلم. من هنا تأتي أهمية وضع قوانين تعيد لهذا المجتمع مواكب العدالة فيه لأن مشاعر الظلم التي تتوحش كل يوم في نفوس شبابنا تترك مساحة كبيرة من الجفاء بين الشباب ووطنه، من حق النبوغ ان يجد مكانه ومن واجب الدولة ان تفتح الأبواب للنابغين من ابنائها بعيدا عن قصص الأصول والتوريث وغير اللائق اجتماعيا وكل هذه المصطلحات التي ارتبطت بعصور من الفساد وغياب العدالة. في حفل افتتاح القناة أكد الرئيس السيسي ان هذه خطوة من ألف خطوة، وهناك شواهد كثيرة للإنصاف تؤكد ان مصر تتغير، ان الطرق الجديدة التي تقام على أطلال شركات النهب والسرقة تؤكد ان هناك متابعة وجدية وحسابا، وهذا أمر مطلوب في كل قطاعات الدولة، ما حدث في قطاع الكهرباء انجاز غير مسبوق، وكذلك يحدث في استصلاح الأراضي وهناك توسعات لزيادة عدد السياح وهذه المشروعات تفتح فرصا جديدة للعمل بين الشباب لأن شبح البطالة يطارد الآباء والآبناء معا. وهنا ينبغي ان نتوقف عند دور رجال الأعمال، لقد وجه الرئيس السيسي كلامه إلى الشعب المصري أكثر من مرة وقد أثبت هذا الشعب اصالته حين دفع 65 مليار جنيه في أسبوع واحد ولكن موقف رجال الأعمال يطرح تساؤلات كثيرة حول مشاركتهم في هذه المرحلة.. أين صفقات الأراضي ومشروعات الإسكان والمصانع التي اشتروها بتراب الفلوس وباعوها بالمليارات، وأين هم في مشروع تنمية قناة السويسوسيناء، وأين هم في مشروعات الطرق والكهرباء والمدارس والاستثمارات بكل أنواعها.. أين أموال رجال الأعمال المصريين التي جمعوها في سنوات النهب العام ومتى يقفون مع هذا الشعب وهو يعيد بناء ما خربته سنوات الفساد؟! لا أتصور ان يظل ملف الأموال الهاربة مغلقا بهذه الصورة وكأن هناك من يتواطأ على هذا الشعب لماذا التأجيل والمماطلة.. لقد تراجعت الحكومة إلى آخر مدى حين أصدرت قانونا للتصالح برد الأموال ولم تتلق مليما واحدا رغم صدور القانون.. لا يعقل ان تطارد الحكومة الموظفين الغلابة في مرتباتهم وتهددهم بالفصل أو المعاش بينما آلاف الملايين الهاربة تنتظر من يطاردها في البنوك الخارجية، انني لا أريد ان أشكك في أحد ولكنني أشعر بأن هناك نوايا مسبقة لإغلاق هذه الملفات وهذه جريمة أخرى.. ان أخطر ما يهدد مصر الأن ان أشباح الماضي مازالت تستخدم نفوذها لوقف المسيرة وإرباك المشهد وهناك مؤشرات كثيرة تؤكد ذلك، يأتي في مقدمتها عدم الجدية في استرداد أموال هذا الشعب. ينبغي أٍلا تسرف الحكومة في إصدار القوانين والتشريعات الجديدة خاصة في أمور كثيرة تتسم بالحساسية وكان منها قانون التصالح في الكسب غير المشروع وقانون الخدمة المدنية، نحن أمام برلمان جديد سوف يتولى مسئولية التشريعات قبل نهاية هذا العام وعلى الحكومة ان تنتظر لأن هذا السيل من القوانين والتشريعات يتسم أولا بالسرعة والغموض ويفتح أبوابا كثيرة للشك في النوايا، وقبل هذا كله لابد ان تحترم الحكومة إرادة الشعب حين يأتي ببرلمان جديد وان بعض القوانين يتم إعداده بسرعة رهيبة بينما تنام قوانين أخرى في مكاتب المسئولين ومنها قانون تنظيم الصحافة والإعلام. هذه التساؤلات والخواطر دارت في رأسي بعد أيام قليلة من افتتاح قناة السويس الجديدة وهو بكل المقاييس بداية صحوة مصرية حقيقية وينبغي ان نحافظ على هذا الإنجاز لكي ننطلق منه إلى آفاق أوسع في بناء مصر الجديدة. لابد ان نعترف بأن مصر تغيرت وان هناك رئيسا مهموما بقضايا وطنه وهو لا يسكن برجا عاجيا بعيدا عن الناس، ولكن على الجانب الآخر هناك تراث عقيم من الفساد وذئاب كثيرة تعوي وتدور حول الوليمة.. وهناك أيضا عالم ينتظر ويتساءل وماذا بعد قناة السويس. ..ويبقى الشعر لا تَذكُرى الأمْسَ إنّى عِشْتُ أخفِيه إنْ يَغفِر القَلْبُ.. جُرحِى مَنْ يُدَاويهِ قَلْبِى وعينَاكِ والأيَّامُ بَينَهُمَا دَربٌ طويلٌ تعبْنَا مِنَ مَآسِيهِ إنْ يَخفِق القَلبُ كَيْفَ العُمْرُ نُرجعُهُ كُلُّ الَّذى مَاتَ فينَا.. كَيْفَ نُحْييهِ الشَّوقُ دَرْبٌ طويلٌ عشْتُ أسْلُكُهُ ثُمَّ انْتَهَى الدَّربُ وارْتَاحَتْ أغَانِيه جئْنَا إلَى الدَّرْبِ والأفْرَاحُ تَحْمِلُنَا واليَوْمَ عُدْنَا بنَهر الدَّمْع ِ نَرْثِيه مَازلتُ أعْرفُ أنَّ الشَّوْقَ مَعْصِيتى وَالعشْقُ واللّه ذنْبٌ لسْتُ أخْفِيه قَلْبِى الَّذِى لَمْ يَزَلْ طِفْلا ً يُعَاتبُنى كَيْفَ انْقَضَى العِيدُ.. وانْفَضَّتْ لَيَالِيهِ يَا فَرْحة ً لَمْ تَزَلْ كالطَّيفِ تُسْكرنِى كَيْفَ انْتَهَى الحُلمُ بالأحْزَان ِ والتِّيهِ حَتَّى إذا ما انْقَضَى كالعِيدِ سَامرُنَا عُدْنَا إلَى الحُزْن ِ يُدْمينَا.. ونُدْمِيهِ مَا زَالَ ثَوْبُ المُنَى بِالضَّوْءِ يَخْدَعُنِى قَدْ يُصْبحُ الكَهْلُ طِفْلا ً فِى أمَانِيهِ أشْتَاقُ فِى اللَّيل ِ عطْرًا مِنْكِ يَبْعَثُنِى ولْتَسْألِى العِطْرَ كَيْفَ البُعْد يُشْقِيهِ ولتسْألِى اللَّيْلَ هَلْ نَامَتْ جَوانِحُهُ مَا عَادَ يَغْفُو وَدَمْعِى فِى مآقِيهِ يَا فَارسَ العِشْق ِهَلْ فِى الحُبِّ مَغْفِرَة ٌ حَطَّمتَ صَرْحَ الهَوَى والآنَ تَبْكِيهِ الحُبُّ كالعُمْر يَسْرى فِى جَوانِحِنَا حَتَّى إذَا مَا مَضَى.. لا شَىْءَ يُبْقِيهِ عاتَبْتُ قَلْبِى كَثيرًا كَيْفَ تَذكُرهَا وعُمْرُكَ الغَضُّ بيْنَ اليَأس ِ تُلْقِيهِ فِى كُلِّ يَوْم ٍ تُعيدُ الأمْسَ فى ملَل ِ قَدْ يَبْرأ الجُرْحُ.. والتذكارُ يُحْييهِ إنْ تُرجعِى العُمْرَ هَذا القَلْبُ أعْرفُهُ مَازلتِ والله نبْضًا حائِرًا فيهِ.. أشْتاقُ ذنْبى ففِى عَيْنيكِ مَغْفِرتِى يَا ذنْبَ عُمْرى.. ويَا أنْقَى ليَاليهِ مَاذا يُفيدُ الأسَى أدْمَنْتُ مَعْصِيَتِى لا الصَّفْحُ يُجْدِى.. وَلا الغُفْرَانُ أبْغِيهِ إنِّى أرَى العُمْرَ فى عَيْنَيكِ مَغْفِرَة ً قَدْ ضَلَّ قلْبِى فَقُولِى.. كَيْفَ أهْدِيهِ ؟! قصيدة "لأن الشوق معصيتي" سنة 1989 نقلا عن جريدة الأهرام