الإيجار القديم.. محمود فوزي: الملاك استردوا استثماراتهم.. الشقة كانت تُباع بألف وتُؤجر ب15 جنيهًا    الدولار ب49.86 جنيه.. سعر العملات الأجنبية اليوم الأربعاء 21-5-2025    "سي.إن.إن": إسرائيل تستعد لضرب منشآت نووية إيرانية    بالحفارات والجرافات.. قوات الاحتلال تقتحم مدينة الخليل بالضفة الغربية    وزير دفاع سوريا: قرار الاتحاد الأوروبي برفع العقوبات يصب في مصلحة الشعب    محمد معروف المرشح الأبرز لإدارة نهائي كأس مصر    «غزل المحلة» يعلن مفاوضات الأهلي مع نجم الفريق    واقف على باب بيت وبيقرأ قرآن، نجل سليمان عيد يروي قصة حلم شخصين لا يعرفهما عن والده    ملحن آخر أغنيات السندريلا يفجّر مفاجأة عن زواج سعاد حسني وعبدالحليم حافظ سرا    محافظ الدقهلية يشهد حفل تجهيز 100 عروس وعريس (صور)    طريقة عمل المكرونة بالصلصة، لغداء سريع وخفيف في الحر    محمود فايز ضمن المرشحين للعمل في جهاز ريفيرو مع الأهلي    ننشر أسماء المصابين في حادث تصادم سيارتين بطريق فايد بالإسماعيلية    رياضة ½ الليل| جوميز يشكو الزمالك.. رفض تظلم زيزو.. هدف مرموش الخيالي.. عودة لبيب    أرقام مذهلة ل مانشستر يونايتد أمام توتنهام قبل نهائي الدوري الأوروبي    170 مليون دولار من قادة العالم لدعم ميزانية "الصحة العالمية"    رابط نتيجة الصف الثاني الإعدادي الأزهري 2025 بالاسم ورقم الجلوس فور ظهورها    حالة الطقس ودرجات الحرارة المتوقعة اليوم الأربعاء 21-5-2025    تقدر ب2.5 مليون دولار.. اليوم أولى جلسات الطعن في قضية سرقة مجوهرات زوجة خالد يوسف    رسميًا الآن.. رابط تحميل كراسة شروط حجز شقق الإسكان الاجتماعي الجديدة 2025    هبوط عيار 21 الآن بالمصنعية.. مفاجأة في أسعار الذهب والسبائك اليوم الأربعاء بالصاغة    ترامب: بحث قضية نشر الأسلحة في الفضاء مع فلاديمير بوتين    بعد شهر العسل.. أجواء حافلة بالمشاعر بين أحمد زاهر وابنته ليلى في العرض الخاص ل المشروع X"    «أهدر كرزة مرموش».. تعليق مؤثر من جوارديولا في ليلة رحيل دي بروين    محافظ الغربية يُجري حركة تغييرات محدودة في قيادات المحليات    مجلس الصحفيين يجتمع اليوم لتشكيل اللجان وهيئة المكتب    شاب يقتل والده ويشعل النيران في جثته في بني سويف    6 إصابات في حريق شقة بالإسكندرية (صور)    حدث في منتصف الليل| الرئيس يتلقى اتصالا من رئيس الوزراء الباكستاني.. ومواجهة ساخنة بين مستريح السيارات وضحاياه    52 مليار دولار.. متحدث الحكومة: نسعى للاستفادة من الاستثمارات الصينية الضخمة    ترامب يتهم مساعدي بايدن بالخيانة ويتوعدهم ب«أمر خطير»    إيهود أولمرت يهاجم إسرائيل: حرب غزة الآن بلا هدف    تفسير حلم الذهاب للعمرة مع شخص أعرفه    رئيس الجامعة الفرنسية ل"مصراوي": نقدم منحا دراسية للطلاب المصريين تصل إلى 100% (حوار)    وزير الشؤون النيابية عن الإيجار القديم: سيتم رفع الأجرة السكنية إلى 1000 جنيه حد أدنى في المدن و500 جنيه بالقرى    رابطة الأندية: بيراميدز فرط في فرصة تأجيل مباراته أمام سيراميكا كليوباترا    غرق طفل أثناء الاستحمام بترعة نجع حمادي في المراغة    سعر الفراخ البيضاء والبلدي وكرتونة البيض في الأسواق اليوم الأربعاء 21 مايو 2025    تحول في الحياة المهنية والمالية.. حظ برج الدلو اليوم 21 مايو    لميس الحديدي عن أزمة بوسي شلبي وأبناء محمود عبدالعزيز: هناك من عايش الزيجة 20 سنة    الجمعة 6 يونيو أول أيام العيد فلكيًا.. والإجازة تمتد حتى الاثنين    توقيع عقد تعاون جديد لشركة الأهلي لكرة القدم تحت سفح الأهرامات    إرهاق مزمن وجوع مستمر.. علامات مقاومة الأنسولين عند النساء    بمكونات سهلة وسريعة.. طريقة عمل الباستا فلورا للشيف نادية السيد    تفسير حلم أكل اللحم مع شخص أعرفه    نص محضر أبناء شريف الدجوي ضد بنات عمتهم منى بتهمة الاستيلاء على أموال الأسرة    عضو مجلس يتقدم بطلب لتفعيل مكتب الاتصال الخدمي بنقابة الصحفيين (تفاصيل)    «منصة موحدة وكوتا شبابية».. ندوة حزبية تبحث تمكين الشباب وسط تحديات إقليمية ملتهبة    نائبة تطالب بتوصيل الغاز الطبيعي لمنطقة «بحري البلد» بأسيوط    المجلس الوطنى الفلسطينى يرحب بإعلان بريطانيا فرض عقوبات على مستوطنين    المدرسة الرسمية الدولية بكفر الشيخ تحتفل بتخريج الدفعة الرابعة    هل يجوز الجمع بين الصلوات بسبب ظروف العمل؟.. أمين الفتوى يُجيب    تعرف علي موعد وقفة عرفات وعيد الأضحى المبارك 2025    فيديو- أمين الفتوى: قوامة الرجل مرتبطة بالمسؤولية المالية حتى لو كانت الزوجة أغنى منه    وفد صيني يزور مستشفى قصر العيني للتعاون في مشروعات طبية.. صور    وزير الصحة: ملتزمون بتعزيز التصنيع المحلي للمنتجات الصحية من أجل مستقبل أفضل    «الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية» يوضح مواصفات الحجر الأسود؟    رئيس جامعة أسيوط يتابع امتحانات الفصل الدراسي الثاني ويطمئن على الطلاب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ملفات غائبة .. فى قضايا شائكة
نشر في الأهرام اليومي يوم 14 - 09 - 2014

حين خرج المصريون يحملون تحويشة العمر وأودعوا ستة بلايين جنيه فى البنوك لصالح مشروع قناة السويس الجديد فهذه شهادة تاريخية لشعب عظيم..لقد اودع المصريون هذا المبلغ خلال عشر ساعات فقط..ورغم انقطاع الكهرباء وتوقف المواصلات وخطوط المترو تركوا كل شيء واندفعوا نحو البنوك ليؤكدوا ولاءهم لهذا الوطن..وحين خرج هؤلاء بالملايين يوم 30 يونيه واسقطوا بدعم من جيشهم العظيم حكم الإخوان فقد أكدوا للعالم أنهم شعب لا يقبل الفشل ولا يرضى الاستكانة
..وحين اختاروا عبد الفتاح السيسى رئيسا لهم فقد كان ذلك لرغبتهم في الأمن والاستقرار والحياة الكريمة..وحين خرجوا أفواجا من اجل دستور جديد فقد كان ذلك تأكيدا لحقهم في الحرية والعدالة..ومع هذا كله كان قبول المواطن المصري بقرارات إلغاء الدعم على عدد من السلع الأساسية من اجل دعم الحكومة في مواجهة الظروف الاقتصادية الصعبة..هذه كلها مواقف تحسب للمواطن المصري البسيط الفقير الذي ذهب إلى البنك يودع تحويشة عمره .كما ذهب إلى صندوق الانتخابات ليؤكد حقوقه وخرج في المظاهرات لأنه يرفض الفشل وتحمل الإرهاب ومات في سبيل وطنه إيمانا بأنه ينتمي لوطن عظيم .إذا كان الشعب قد قدم هذا كله وهو على استعداد لأن يقبل المزيد ويقدم الأكثر إلا أن هناك مجموعة تساؤلات ينبغي أن نجد لها إجابة ..
أولا: أين الحكومة من السادة الهاربين بأموال هذا الشعب وهم يتسكعون في مقاهي أوروبا وينفقون الملايين من الدولارات كل يوم على الليالي الحمراء والخضراء ويسكنون القصور والمنتجعات؟!..لقد قامت ثورة يناير وطالبت باسترجاع أموال الشعب وهرب من هرب وأقام من أقام ولم يستطع المجلس العسكري أن يعيد شيئا من الأموال الهاربة وفشلت جميع الحكومات في استرداد مال الشعب فأين هؤلاء من برامج الحكومة الحالية وما هو السبب في إغلاق هذه الملفات وإذا كنا نتحدث عن المليارات المطلوبة للكهرباء والصرف الصحي والتعليم والصحة فأين هؤلاء من هذه الأموال..إن عشرة أشخاص من الهاربين بالبلايين لديهم ثروات منهوبة يمكن أن تعيد التوازن لميزانية الدولة..ولماذا أغلقت جميع الحكومات هذا الملف..إما أن هؤلاء الهاربين نهبوا أموال الشعب او أنهم أبرياء..والمطلوب ليس نشر الفضائح أو إذاعة التسجيلات ولكن المطلوب هو كشف الحقائق وأين ذهبت أموال هذا الشعب وكيف يمكن استردادها ..
ثانيا : إن ديون مصر تقترب من تريليون و700 مليار جنيه والمطلوب الآن من الحكومة أن تقول لنا ما هي المجالات التي ذهبت إليها هذه الأموال الضخمة؟! ..هل هي البنية الأساسية كما قيل لنا يوما..هل هي الكهرباء المتهالكة . الآن نحتاج إلى تحقيقات قضائية وفنية لأننا امام صفقات مشبوهة.. من الذي استورد هذه الشبكات ما هو عمرها الافتراضي وكيف تهالكت بهذه السرعة أم انها كانت معدات مستهلكة؟!.. وماذا عن المواصلات وعربات السكة الحديد الفاسدة والمخربة وما هي العمولات التي تحصلت عليها؟!..وماذا عن المستشفيات وأجهزتها الفاسدة..وماذا عن الكباري التي تهاوت وسقطت قبل استخدامها..إننا نحلم بالمستقبل الذي نبنيه ولكن ينبغي أن يكون هناك حساب عسير لكل من افسد هذا البلد..إذا كانت وزارة الكهرباء والحكومة تراجع الآن مستوى الأداء فى الشبكات وتقول ان هناك أخطاء وجرائم في الإنشاء فيجب أن نحاسب المجرمين حتى لوا أخرجناهم من قبورهم.
أعود بعد ذلك إلى قضية الديون وهذه الأرقام المخيفة التي تراكمت على الأجيال القادمة..وهنا أتساءل اليست هناك طريقة لمراجعة هذه الأرقام المخيفة.. أليست هناك وسيلة للتفاوض مع الأطراف الدولية في حجم هذه الديون بما تحملته من الفوائد والعمولات والسلع الفاسدة والمعدات المتهالكة والنظام الفاسد الذي فرض على الشعب كل هذه الأعباء . لماذا لا تلجأ مصر إلى المنظمات الاقتصادية الدولية لإعادة النظر في هذه الديون في أصولها وفوائدها والأعباء الضخمة التي يتحملها الشعب في عمليات السداد..إذا كنا أمام ديون لحكومات فاسدة وقروض معدات ومنشآت تهاوت فكيف نسكت على ذلك كله؟! اذا كانت هناك شبكات كهربائية تهاوت قبل عمرها الافتراضي..أو كباري سقطت.. وكلها عبارة عن ديون وعمولات فلماذا لا ترجع الحكومة على هذه العصابات وتطالب بإسقاط الديون بل طلب التعويضات عن هذه الخسائر. ان ملف الديون من الملفات الخطيرة التي ينبغي التفاوض حولها وهناك سوابق دولية في ذلك كما حدث مع البرازيل والأرجنتين واليونان بل أن مصر أسقطت 28مليار دولار في حرب الخليج.
ثالثا : مازلت أرى أن رجال الأعمال لم يكونوا على مستوى المسئولية في هذه اللحظة التاريخية الصعبة لقد تصور الكثيرون منهم ان صندوق “ تحيا مصر” الذى اعلنه الرئيس السيسى صندوق للتبرعات وهذا فهم خاطئ لأن هذا صندوق للواجبات التي تفرضها ثوابت الوطنية والإخلاص لهذا الوطن..إن حجم الأموال التي ذهبت إلى هذا الصندوق لا تتناسب إطلاقا مع ما قدمته مصر وشعبها لرجال الأعمال سواء كان مالا حلالا أم حراما..ليس هذا وقت الإدانة أو الحساب ولكنه وقت المواقف والإرادة وإذا كان الشعب المصري قد دفع ستة بلايين جنيه في يوم واحد فقد كنت أتصور ان يكون صندوق تحيا مصر قد تخطى الرقم الذي طلبه الرئيس السيسى وهو 100 مليار جنيه..ان 100 مليار جنيه تعادل 15 مليار دولار وهو رقم في حسابات عدد قليل من رجال الأعمال وكبار المسئولين المصريين في البنوك الخارجية.. أين صفقات الأراضي وبيع القطاع العام والسياحة في عصرها الذهبي وعمولات الديون واستيراد السلع الغذائية القمح والزيوت وأين تجارة العقارات في ثلاثين عاما أين هذا كله من هذا الرقم الهزيل الذي طلبه رئيس الدولة .. إن الخطأ الفادح أن نجعل من صندوق تحيا مصر صندوقا لجمع التبرعات ونتصور أن من يقدم شيئا فهو متفضل على هذا الشعب لأن المئات من أثرياء مصر لم يكن لديهم شئ على الإطلاق ويجب أن يردوا للشعب حقه فيما جمعوه من الأموال.
رابعا : أمام الحكومة أعباء رهيبة لا تستطيع تحت أي ظرف توفيرها .. ولقد اكتشفنا أننا أمام مؤسسات متهاوية في الوقت الذي صور البعض فيه أننا أمام دولة حديثة بكل ما فيها من المنشآت والمؤسسات والخدمات واكتشفنا ان الكهرباء تحتاج إلى 130 مليار جنيه لاستكمال منشآتها.. فماذا نحتاج أمام 4500 قرية تغطى المجارى فيها 20% فقط ومن أين تأتى 80% وأين مشروعات المجارى والصرف الصحي التي أنفقت عليها الحكومات السابقة آلاف الملايين .. وأين المعونات الخارجية التي قدمتها الدول الأوروبية والعربية .. كم نحتاج الآن لإنشاء المدارس وتجديد المستشفيات والطرق والكباري والمواصلات..إن السيسى يعيد إنشاء دولة جديدة بكل منشآتها بعد ان اكتشفنا إننا نعيش في دولة من العصور الوسطى .. فمن اين يأتى بكل هذه الاموال إذا لم يجد شعبا يسانده ويقف معه.
إذا كنا ننظر للمستقبل ونعيد بناء وطن على اطلال تركتها عصابة فلابد ان يكون هناك حساب عسير لهذه العصابة .. إن مصر لكي تنطلق نحو المستقبل لابد أن تفتح ملفات الماضي لأنها جراح لن تلتئم إلا إذا قامت على علاج سليم حتى لا يفسد الجرح ولا يبرأ المريض.
خامسا : نأتي إلى فريق لا اشك لحظة انه سيقدم لمصر كل ما لديه وقد قدم الكثير وهم المصريون في الخارج .. إن حجم التحويلات المالية التي قام بها المصريون في الخارج تجاوزت رقم 18 مليار دولار سنويا اى ما يزيد على 120 مليار جنيه والمصريون فى الخارج ليسوا فقط أموال يتم تحويلها ولكنها الكفاءات والقدرات المصرية التي كانت دائما تاجا يزين هذا الشعب..نحن أحوج ما نكون إلى هذه القدرات وربما كان إنشاء المجلس العلمي الرئاسي اكبر تأكيد على ذلك لأنه يضم عددا من أبناء مصر في الخارج..والمطلوب الآن أن نفتح لهم المجالات داخل مصر كي يشاركوا بخبراتهم وتميزهم في بناء مصر الحديثة ..
إنني اقدر كثيرا جهد الحكومة في مواجهة المشاكل والأزمات واقدر إصرار الرئيس عبد الفتاح السيسى أن يحمل مصر إلى المستقبل من خلال الفكر الواعي والجهد الخلاق والإيمان بهذا الوطن ولكن لا ينبغي أبدا أن نفرط فى حق هذا الشعب في استرداد حقوقه ابتداء بأمواله الهاربة وانتهاء بالديون الثقيلة التي ستكون عبئا على أجيال قادمة..إن بناء قناة السويس الجديدة وموقف الشعب العظيم مع قيادته لا يتعارض أبدا مع حقه فى استرداد أمواله الهاربة أو البحث عن طريق عادل لإسقاط جزء من ديونه التي تراكمت في عهود الفوضى والفساد وهنا يحب فتح هذه الملفات وهذا لا يتعارض مع النظر نحو المستقبل..إن إغلاق هذه الملفات أو تجاهلها يضع علامات استفهام كثيرة النظام الجديد في حل منها وينبغي إلا يتحمل مسئوليتها..حين يقال إن شبكات الكهرباء تهالكت قبل عمرها الافتراضي فيجب أن يكون السؤال وأين المسئولون عنها..وحين يقال إن صندوق تحيا مصر لم يحقق المطلوب منه فيجب ان يكون السؤال لسنا أمام تبرعات للوطن ولكنه واجبات ومطالب ومسئولية..وحين يقدم الفقراء ستة بلايين جنيه في أول يوم نفتح بيع شهادات قناة السويس فيجب أن نسأل الأغنياء..أين انتم .
إن الوطن ليس فندقا نعيش فيه ثم نأخذ اشياءنا ونرحل..
شهادة ولاء وصدق قدمها المصريون لمصر الغالية .. 37 مليار جنيه فى أسبوع واحد لقناة السويس الجديدة .. هل هناك حب أكثر من هذا؟!.

..ويبقى الشعر
وقلنَا كثيرًا
وكانَ المسَاء حزينًا حزينًا
وَطافتْ عَلى الصَّمْت كلُّ الحكايَا
سنونٌ تخفَّتْ وَرَاءَ السَّنينَ
وَمَازالَ قلبىَ طفَلا ً بريئًا
يُحدِّقُ فيك ِ.. وَيَحْبُو إليْك
كأنّى عَلى الأمْس ماتتْ خُطايَا
تغيَّرتِ الأرْضُ فى كلِّ شىْءٍ
وَمَا زلت أنْت
نقوشًا على العُمْر
وشْمًا على القلْبِ
ضوءًا على العيْن
مَا زلتِ أنتِ بَكارة َعُمْرى .. شَذا منْ صبَايَا
رأينَا الليَالى علَى رَاحَتينَا
رمادًا منَ الشَّوْق طيْفًا بَعيدا
يثورُ وَيَهْدَأ.. بَيْنَ الحنايَا
فعطرُكِ هذا الذى كانَ يَأتِى .. وَيَسْرقُ نوْمى
وشعرُك هَذا الذى كان يَهْفو .. ويسْفكُ دَمِّى
وَصَوتُكِ هذا الذى كانَ يَخْبُو..فأشْقى بهمِّى
وقلنا كثيرًا ..
وأحْسَسْتُ أن الزَّمَانَ الذى ضَاعَ منَّا
تَجَمّع فِى العَيْن حَبَّاتِ دَمْع ٍ..
وأصْبَحَ نهْرًا منَ الحزْن يجْرى
يسُدُّ الطريقْ ..
وأنَّ الدُّمُوعَ التى فى المآقِى
غدتْ فى عُيُونكِ أطيافَ ضوْءٍ
وصارتْ بقلبى .. بقايَا حَريقْ
أكادُ أعانقُ عَيْنيكِ شوْقًا .. وأنتِ أمَامى
وبيْنى وَبيَنك دَرْبٌ طويلٌ
وخلفَ المسَافاتِ .. جرْحٌ عميقْ
وأحْسَسْتُ أنى لأول يَوْم ٍ رجعْتُ ..
أردِّدُ بَعْض الحُروف
وَعَادَ لسَانىَ يَحْبُو قليلا ً.. وينطقُ شيئًا
فمنذ ُ سنينَ .. نسيتُ الكلامْ
وقلنَا كثيرًا ..
وأحْسَسْتُ أنك حينَ ذهَبْتِ
أخْذتِ من العُمْر كلَّ البريقْ
فلمْ يبقَ فى العُمْر غيْرُ الصَّدَأ
وأنَّ دَمِى تاهَ بَيْنَ العُروق ..
وخاصَمَ نَبْضِى..
ومَاذا سَيْفْعَلُ نبضُ غريقْ ؟
وأحسسْتُ أنكِ يوْم ارتحَلتِ
أخذت مَفاتيح قلْبى
فمَا عَادَ يهْفو لطيفٍ سواكِ
ومًا عادً يسمعٌ إلا ندَاك
وأنَّك حينَ ارتَحَلْت
سَرَقْت تعاويذ عُمْرى
فصَارَ مُبَاحًا .. وَصَارَ مشاعًا
وأنىَ بعدَك بعتُ الليَالى
وفى كلِّ يَوْم ٍ يدورُ المزادْ
أبيعُ الحنينَ .. أبيعُ السنينَ
وأرجعُ وحْدى .. وبعضى رمادْ
وأنى أصْبحتُ طفْلا صغيرًا
تشرَّد عُمْرًا
وَصارَ لقيطًا على كلِّ بَيْتٍ
وَصارَ مشاعًا على كلِّ صَدْر
وَصارَ خطيئة عُمْر جَبَانْ
وأحْسستُ أنِّى تعلمْتُ بَعْدكِ
زيفَ الحديثِ .. وزيْفَ المشَاعرْ
تساوَتْ على العيْن كلُّ الوُجُوه
وكلُّ العُيُون .. وكلُّ الضفائرْ
تسَاوَى على العين لونُ الوفاءِ ..
وزيفُ النقاءِ ..
ودمُّ الضحايَا .. ودمُّ السَّجائرْ
تساوتْ على القلبِ كل الحكايَا
وقلنا كثيرًا
وعدتُ أفتشُ فى مُقلتيْكِ
وألقِى رحَالى على شاطئيك
وأبحرتُ .. أبحرْتُ فى مقلتيك
لعلى أرَى خلف هَذى الشواطِىء
وَجْهى القديمَ الذى ضاعَ منِّى ..
وفتشتُ عنْهُ السنينَ الطوالْ
لقدْ ضاعَ منى منذ ارتحَلتِ
رأيتكِ وَجْهى الذى ضاعَ يومًا
بنفس الملامح .. نفس البراءِة
نفْس البكارة ِ.. نفس ِالسؤالْ
وقلنا كثيرًا .. وعنْدَ الصَّبَاح
رأيتُكِ فى الضوْءِ ذرَّات شوق ٍ
أبتْ أنْ تضيعْ
لمحتكِ فى الصبح أيام طهر ٍ
تراجَعَ فيها نداء الخطايَا ..
وزهرة ُعمر أبتْ أن تزفَّ لغيْر الرَّبيعْ
فمَا زلتِ أنتِ الزمانَ الجميلْ
وكانَ الودَاعُ هو المستحيلْ
فيا شهْرَزادُ التى فارقْتنى
وألقتْ على الصُّبح بَعْض الرَّمادْ
ترى هل قنعْتِ بطيفِ الحكايَا ؟
ترَى هلْ سَئمتِ الحديثَ المعَادْ ؟
وقلنا كثيرًا .. وعندَ الصَّبَاح
رجعتُ وَحيدا ألملمُ بعْضى
وأجمعُ وجْهًا تناثر منِّى
وفوقَ المقاعِدِ تجْرى دمَايَا
وعدْتُ أسائلُ عنكِ المقاهِى
وأسألُ رُواد هذا المكانْ
فيصفع وجهى حزن كئيب ..
ولم يبق فى الصمت إلا ندايا
فما زال عطرك فى كل شىء
وما زال وجهك خلف الجدار
وبين المقاعد .. فوق المرايا
ترى كان حلما ؟
على كل ركن تئن البقايا
فما كنت أنت سوى شهرزاد
وما كان عمرى .. غير الحكايا
قصيدة "ما بعد الليلة الأخيرة " سنة 1990

لمزيد من مقالات فاروق جويدة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.