الذكاء العاطفي هو الاستخدام الفطري والتلقائي للعواطف والأحاسيس الإنسانية إلى الدرجة التي تمكننا من ترشيد تفكيرنا وتهذيب سلوكنا وتعظيم محصلة تفاعلنا مع الآخرين والأحداث والمواقف التي تواجهنا على مدار حياتنا، ويقوم الذكاء العاطفي على أربعة مرتكزات هي: 1- القدرة على قراءة العواطف، وترشيد الانفعالات، وتقييمها بطريقة موضوعية، والتعبير عنها بصراحة وانسيابية. 2- القدرة على إطلاق المشاعر حسبما يقتضي الموقف، وبطريقة تساعد على فهم الإنسان لذاته ولمن حوله، وتفعيل علاقاته معهم . 3- القدرة على سبر غور الآخرين وتوقع ما يريدون قوله، واستيعاب المعلومات في سياقها وخارج سياقها ثم استخدام هذه المعلومات لدعم العلاقات وزيادة فاعليتها. 4- القدرة على تنظيم وإدارة النفس وتنميتها عاطفيا وفكرياً وانفعالياً. ولا نبالغ إذا قلنا بأن الذكاء العاطفي -ومكانه نفس الإنسان-أهم للنجاح في عالم الأعمال من الذكاء العلمي أو الرياضي الذي مكانه العقل، وفي هذا يقول احد فلاسفة التربية ''يبدو وكأن الذكاء الطبيعي هو الذي يمكن الإنسان من النجاح في الحياة بدون استخدام ذكائه، رغم تمتعه بهذا الذكاء. وللذكاء العاطفي يعزى الفضل في نجاح كثير من الناس رغم تمتعهم بحظ قليل من التعليم، بينما لم يحقق كثير من المتعلمين النجاح النسبي المنتظر ممن هم في مستواهم العلمي، رغم الألقاب العلمية البراقة والشهادات الكثيرة التي يعلقونها على الجدران . ويعتبر الذكاء العاطفي مرتكزاً أساسياً لنجاح الإنسان لأنه يتعلق بمعرفة الإنسان لذاته وصفاته، ومعرفته للآخرين وصفاتهم، وإدراكه لواقعه وواقع الآخرين، وفي هذا قال فيلسوف الصين الشهير لوتسي ''معرفة الذات حكمة، والتحكم بالآخرين قوة، والتحكم بالنفس قيادة'' ومن هنا كان الذكاء العاطفي مدخلاً للنجاح. دخل مصطلح الذكاء العاطفي لغتنا المعاصرة لأول مرة عام 1990 على يد العالم الأمريكي بيتر سالوفي، ولهذا الذكاء مستويان هما : -المستوى الشخصي في إطار الذات. -المستوى التفاعلي في إطار العلاقات ورغم تبادل التأثير بين هذين المستويين، إلا أن الذكاء العاطفي على المستوى الشخصي هو الأصل ويؤدي غيابه إلى ضعف الذكاء العاطفي على مستوى العلاقات الإنسانية، ويتسبب أيضاً في التقليل من فعالية الذكاء الفكري لأطراف هذه العلاقات، ورغم ذلك فما زال كثيرون يعتقدون بأن التعبير عن العواطف في أماكن العمل من السلوكيات السلبية التي على العاملين أن يتجنبوها، إلا أن التجارب أثبتت خطأ هذا الاعتقاد لأن التحلي بهذه المهارات الطبيعية ومساعدة الآخرين على بناء قواعد ذكائهم النفسي هو الطريق الوحيد إلى بناء علاقات ذكية، وبالتالي منظمات قوية، وشركات ذات قدرة تنافسية. كما أن الذكاء العاطفي هو السلم الأساسي للارتقاء بالبعد الاجتماعي في رأس المال البشري، والذي يعتبر ضرورياً في تفعيل وتعظيم البعد الفكري، ومن هنا برزت الدعوات إلى جعل القرن الحادي والعشرين قرن المؤسسات والمنظمات الذكية عاطفياً Emotionally Intelligent Organizations . وهذا ينطبق على المؤسسات الخدمية والصناعية كما ينطبق على الإدارات الحكومية والشركات لخاصة. فقد أصبح الذكاء ألمعلوماتي والإحصائي والإلكتروني في متناول الجميع، ولم يعد ميزة تنافسية كبيرة كما كان في الماضي، فاليوم يدير المديرون مؤسسات عالمية ضخمة حول العالم ويحققون نتائج باهرة من خلال موظفين وعاملين لا يرونهم ولا يعرفونهم، وفي بيئات العمل الإلكترونية التي فرضها الاقتصاد الشبكي أصبح اختيار الأذكياء عاطفياً واجتماعياً هو الميزة التنافسية الوحيدة في عالم الإنترنت لأسواق الافتراضية ، فكلما صار العالم أكثر تفاعلاً وأصبحت الأسواق أكثر تعقيداً وتشابكاً، صارت البساطة والفطرة والسلوك الإنساني مدخلاً للنجاح المهني والتفوق الاقتصادي. فالذكاء العقلي أكثر ميلاً ليكون تعميرياً فعالاً Effective رغم تجاهلنا له، الأول يقوم على الحساب ويؤدي إلى النجاح الرقمي وأحياناً إلى النجاح الملوث، والثاني يقوم على الحدس والفطرة ويؤدي إلى النجاح النظيف . متطلبات الذكاء العاطفي على المستوى الشخصي: هنالك ثلاثة متطلبات للذكاء العاطفي على المستوى الشخصي يمكن تلخيصها على النحو التالي: 1-إدراك الذات من البديهي أن يفشل الإنسان في إدارة عواطفه واستثمار طاقاته الكامنة إذا جهل نفسه، ولم يدرك منظومة عواطفه وآلية استجابتها لمختلف المواقف والظروف والآثار الفكرية والفسيولوجية والسلوكية التي تترتب على هذه الاستجابة ورغم أن إدارة العواطف من الفعاليات المطلوبة، سواء كانت هذه العواطف سلبية أو إيجابية، إلا أن العواطف السلبية التي تنتج عن الضغوط أو تتسبب فيها تحتاج إلى اهتمام خاص. يعني هذا أن الإدراك الذاتي هو اللبنة الأولى في بناء الذكاء العاطفي، وهناك أدوات للارتقاء بمستوى الإدراك الذاتي منها : * اختيار موضوعية تقييم الإنسان لنفسه وللآخرين والظروف التي تواجهه. * معرفة الإنسان لحواسه لأنها المسئولة عن إمداده بالمعلومات عن العالم المحيط به. * معرفة الإنسان بحقيقة مشاعره وعدم تجاهلها أو إنكارها أو إخفائها. * معرفة الإنسان بحقيقة نواياه والأنماط السلوكية التي تسيطر على ردود أفعاله تحت مختلف الظروف والمواقف. إن إدراك الإنسان للأسس التي يستخدمها في تقييم المعلومات التي يتلقها من حواسه هي التي تمكنه من معرفة الكيفية التي تؤثر بها أفكاره ومعتقداته على مشاعره، وبالتالي على أفعاله وردود أفعاله، ومعرفة الإنسان لذاته ضرورية إذا ما أراد أن يغير من تفكيره، حتى يحسن استقبال المعلومات المستقاة من حواسه ويصبح رد فعله إيجابياً أو مناسباً على أقل تقدير . ( إن ردود أفعالك ليست نتيجة لأفعال الآخرين، ولكنها نتيجة تقييمك لأفعالهم) تقوم بعض المرشحات الذهنية بتشويه الصورة الحقيقية للأحداث التي تدركها الحواس وتشويه المواقف والآخرين، ومن المهم إذن أن يتم الاتصال بهذه الحواس من ناحية والتخلص من هذه لمرشحات من ناحية أخرى، لكي يتم التعامل مع المعلومات التي تنقلها هذه الحواس بطريقة مجردة وخالصة من أية أحكام جاهزة، ويمكن تحقيق هذا الاتصال من خلال تنشيط الإنسان لحواراته الداخلية مع نفسه ليستفيد من رؤية الآخرين لنفس الأحداث والمواقف والأفعال. وتأتي استجابة الإنسان الأولية للمواقف في شكل مشاعر تقود إلى سلوك ورغم أن المشاعر تفاعل داخلي إلا أن لها مدلولات ومردودات بدنية وسلوكية، ومعرفة الإنسان لهذه الدلالات هي التي تمكنه من إعادة التفكير في المواقف حتى تجيء استجابته إيجابية أو متناسبة مع المؤثر الأصلي لهذه الاستجابة على أقل تقدير، وهذا هو التعبير الحقيقي عن التوازن النفسي والشجاعة السلوكية وهي من أقوى دلالات الذكاء العاطفي. واختصاراً نقول: إن الفهم الجيد لعواطف النفس ومشاعر الآخرين هو الذي يقود الإنسان إلى موضوعية التفكير ورشد القرارات وسلامة العلاقات ومن هنا تتضح ضرورة التكامل بين الذكاء العاطفي والذكاء العقلي. 2-إدارة العواطف بعد التزود بالمعلومات الخاصة عن الذات من خلال الإدراك العالي لها يصبح من السهل على الإنسان استخدام هذه المعلومات في ضبط حركة عواطفه وإدارتها بالشكل الذي يجعل محصلة تفاعله مع العالم المحيط به إيجابياً ونافعاً وهنالك أربعة عوامل أساسية تؤثر في منظومة العواطف سلباً أو إيجاباً وهي : * الأفكار. * التغيرات الفسيولوجية المصاحبة للأفكار والمشاعر. * النوايا والأفعال. * المكون البيئي لعواطف الإنسان (تأثير البيئة). وباستثناء العامل الأخير الذي يعتبر برمجة ذهنية لتجارب الماضي فإن الإنسان دون غيره من المخلوقات يستطيع التحكم في هذه العوامل وبالتالي يصبح مسئولا عن إدارة عواطفه وعلى الإنسان إذن أن يتحمل وحده مسئولية عواطفه لأنها استجابة طبيعية لأفكاره والتغيرات الفسيولوجية والسلوكية التي تستتبع هذه الأفكار . خطوات إدارة العواطف : أ-صد الأفكار السلبية : الأفكار تأتي وليدة المواقف أو الأحداث، فإما أن تكون سريعة لا تحكمها ضوابط وتسمى أفكار آلية، أو ذاتية فطرية ناجمة عن الحوار الداخلي الذي يديره الإنسان مع نفسه، والأفكار الآلية غالباً ما تكون معيبة وتتسبب في تصعيد المشاعر السلبية الحادة ولذلك فإن إيقاف سلسلة هذه الهواجس والأفكار يعتبر الخطوة الأولى على طريق إدارة العواطف، والبديل هو أن يحاور الإنسان نفسه بموضوعية حتى يصل إلى أفكار فعالة تتناسب مع حقيقة وحجم الموقف أو الحدث. ب-الاسترخاء الذهني والعضلي: هنالك بعض التغيرات الفسيولوجية (مثل زيادة ضربات القلب أو ارتفاع ضغط الدم) تجيء مواكبة للتفكير في موقف ما وتعتبر مؤشراً لما سوف تكون عليه الاستجابة العاطفية، وتعوق مثل هذه التغيرات من قدرة الإنسان على التفكير، لذلك فإن ضبط الإنسان لمستوى تغيراته الفسيولوجية من خلال تمارين الاسترخاء الذهني والعضلي هو الخطوة الثانية على طريق إدارة العواطف. ج-التخلص من الأنماط السلوكية الضارة: رغم أن السلوك قد تحركه بعض المشاعر إلا انه قد يلعب دوراً في تصعيد مشاعر الإنسان أو الحد منها، لذلك فإن معرفة الإنسان بأنماطه السلوكية والتي قد تتكرر في ردود أفعاله، والعمل على التخلص من الضار منها هو الخطوة الثالثة على طريق إدارة العواطف. تساعد إدارة العواطف الإنسان على التفكير الموضوعي الفعال الذي يساعد بدوره على حل المشاكل المواكبة لحركة تفاعله مع نفسه والآخرين ومع البيئة الحاضنة لهذا التفاعل. لأنه بدون حل هذه المشكلات يظل الموقف ضاغطاً على مشاعر الإنسان ، فيبدأ الإنسان بإدارة ضغوطه بدلاً من إدارة عواطفه ومستقبله، لأن إدارة الإنسان لعواطفه تساوي إدارته لمستقبله. 3-حفز الذات التحفيز الذاتي هو أحد متطلبات الذكاء العاطفي كما أنه أحد نتائجه، فالإنسان الذي يتمتع بهذا المكون يبادر إلى تحمل المسؤولية تجاه ما يلقى على عاقه من مهام، فيتمسك بأهدافه ويعمل جاهداً لإنجازها فلا تقعده العقبات أو العثرات عن تحقيق أهدافه. التحفيز الذاتي هو الذي يجعل العاملين منتجين ومبتكرين دون الحاجة إلى إشراف إداري مباشر دائم، ورغم أن الذات هي المصدر الأساسي للتحفيز، إلا أن هناك عوامل أخرى تلعب دوراً مساعداً في التحفيز الذاتي مثل البيئة المحيطة ، والأصدقاء، والعائلة، وزملاء العمل، والمديرين والملهم العاطفي الذي قد يكون شخصية حقيقية (حية أو ميتة) أو شخصية خيالية . وتنطلق طاقة التحفيز حينما تتفاعل مصادر التحفيز مع منظومة عواطف الإنسان لتنمو بعض المشاعر المعروفة مثل مشاعر الثقة والتفاؤل والأمل والحماس والإقدام والإصرار . يبدأ التحفيز الذاتي حينما يتحول الإنسان إلى مفكر إيجابي يستخدم حواراً داخلياً مشجعاً وصوراً ذهنية محفزة، كما يقوم على نقد ذاته نقداً إيجابياً بناء، وذلك يتطلب تركيزاً ذهنياً ومقدرة على صياغة الأهداف واستشرافها، قبل تحقيقها، ويحتاج تحقيق الأهداف إلى جهد تدفعه بعض التغيرات الفسيولوجية، والإنسان الذكي عاطفياً هو القادر على تفعيل وتعبئة مثل هذه التغيرات، خاصة إذا أصابه بعض الاسترخاء فيحول التغيرات إلى طاقات. هذه الحركة التي تعبئ هذه الطاقة وذلك من خلال سرعة التنفس وضخ مزيد من الأكسجين في الخلايا، وفي بعض الأحيان قد يكون العكس هو المطلوب إذا كان الإنسان في حالة غضب أو إرهاق بدني يتطلب قدراً من الراحة للوصول إلى مستوى فسيولوجي مناسب لبلوغ ذروة الإنجاز ، وحينما يصل الإنسان إلى المستوى الفسيولوجي المناسب للإنجاز يمكنه تقسيم أي مهمة كبيرة إلى مجموعة مهام صغيرة ثم يراقب سلوكه أثناء تأدية هذه المهام لتعديله إذا تطلب الأمر ذلك. وكما سبق ذكره هنالك مصادر تحفيز يستخدمها الإنسان في رفع درجة حفزه لذاته، ولا يعنى هذا أن الإنسان الذكي عاطفياً لا يسقط أحياناً في مصيدة مثبطات الهمم إذا ما أصابته بعض الكوارث أوالكبوات، الإنسان الذكي عاطفياً هو القادر على الخروج من هذه المصيدة لتفجير طاقة تحفيز جادة تمكنه من التعامل مع الكوارث وتضعه على طريق التقدم والتميز مرة أخرى، وهنالك سبع مراحل يمر بها الإنسان في حالة تعرضه لهذه المثبطات وهي : * مرحلة عدم تصديق ما حدث . * مرحلة الغضب مما حدث. * مرحلة العيش في ماضي ما قبل وقوع الحدث. * مرحلة الحزن على ما حدث. * مرحلة القبول بالواقع الجديد وإن كان غير مرغوب. * مرحلة الأمل في الإصلاح. * مرحلة النشاط الإيجابي لتغيير الواقع غير المرغوب فيه. إن دراية الإنسان بهذه المراحل وقدرته على قراءة مؤشر التحفيز أثناء مروره بها هو الذي يؤهله بالطبع لحسن إدارة عواطفه وسرعة تخطي الصعاب .