نقلا عن : الاهرام 24/04/07 تحيي مصر في هذا العام ذكري مرور25 عاما علي إتمام الانسحاب الاسرائيلي من شبه جزيرة سيناء وهي مناسبة جديرة بالاحتفاء لأننا نقف فيها بالإجلال والتعظيم أمام شهداء مصر البواسل الذين جادوا بأرواحهم فداء للوطن وخضبت دماؤهم الطاهرة الذكية رمال سيناء بعد ان عبروا أكبر مانع مائي في تاريخ الحروب الحديثة في السادس من أكتوبر1973. وكانت صيحتهم الهادرة الله أكبر قضاء مبرما علي الاسطورة الوهمية للجيش الذي لا يقهر وعودة للروح الي الشعب المصري بعد سنوات قاسية أعاد فيها بناء قواته المسلحة وتنظيم صفوفه ثم أطلق شرارة حرب أكتوبر المجيدة التي اعاد النصر فيها الامور الي نصابها وفتح أبواب تحرير سيناء علي مصاريعها حتي جاءت معاهدة السلام التي حددت الجدول الزمني للانسحاب الاسرائيلي الكامل من شبه جزيرة سيناء. وعندما بدأ العد التنازلي انتظارا للموعد المضروب لإتمام الانسحاب في25 أبريل1982 عمدت اسرائيل الي اثارة مشكلة علامة الحدود في طابا نهاية أكتوبر1981 مستهدفة الحصول علي مغنم إقليمي ثمين في وادي طابا يرسي سابقة قد تستند إليها في اي مفاوضات سلام مقبلة وهو ما دفعها الي سحب موافقتها علي مواقع عدد من علامات الحدود علي خط الحدود الدولية بين مصر وإقليم فلسطين تحت الانتداب. وكان هذا الموقف الإسرائيلي تعبيرا واضحا عن رغبة في توسيع رقعة الخلاف وافتعال أزمة سياسية تعوق إتمام الانسحاب في موعده المحدد وقد تعزز محاولتها الحصول علي مغنم إقليمي ومن هنا كانت بدايات معركة طابا.لقد كتب الكثير عن الإدارة القومية الحازمة لأزمة طابا التي قادها السيد رئيس الجمهورية قيادة مباشرة وتابع عن كثب مجريات سيرها يوما بيوم والتي قدمت نموذجا رائعا لإدارة الأزمات إدارة رشيدة اتسمت بالصلابة والثقة بالنفس وبالحق معا. ولكن ثمة من الصفحات والوقائع في هذه الازمة لايزال بعد بحاجة الي ضوء يكشف للأجيال الصاعدة قيما ومباديء يجمل ان يتمثلوا ما كان وراءها من استقامة في القصد وثبات علي المبدأ واستمساك بالحق. وأتوقف اليوم امام صفحتين من هذه الصفحات المشرقة للإدارة المصرية لأزمة طابا إتفاق25 أبريل1982 ومحاولة التوفيق بين الطرفين إبان نظر النزاع امام هيئة التحكيم وقبل صدور الحكم. 1 اتفاق25 أبريل1982: قد لا يذكر كثير من المصريين أنه حتي عندما أرخي الليل سدوله علي القاهرة مساء الخامس والعشرين من أبريل1982 كانت هناك شكوك كبيرة في إمكان إتمام الانسحاب في موعده المحدد عندما ينتصف الليل فقد تذرعت إسرائيل بعدم الاتفاق علي مواقع بعض علامات الحدود لمحاولة التحلل من الالتزام الواضح الذي تلقيه عليها معاهدة السلام وطفقت وكالات الأنباء العالمية تطير الانباء والتصريحات والتوقعات بانهيار وشيك لعملية الانسحاب الإسرائيلي من شبه جزيرة سيناء. وكانت قد بدأت عند الظهر من ذلك اليوم في وزارة الخارجية المصرية مفاوضات مصرية إسرائيلية بمشاركة امريكية ظلت مستمرة مابين الثانية عشرة ظهرا والحادية عشرة مساء, اي علي مدي إحدي عشرة ساعة كاملة أعلن عندها وقبل ساعة واحدة من الموعد المحدد لإتمام الانسحاب طبقا للمعاهدة عن توصل الأطراف الي أبرام اتفاق25 أبريل1982. إن أهمية إتفاق25 أبريل1982 لا تكمن فقط في تمهيد السبيل أمام إتمام الانسحاب في موعده المحدد ولكنها كانت وستظل تعبيرا عن حرص مصري علي اقتضاء الحق كاملا وعدم التفريط في حبة رمل واحدة من تراب الوطن والثبات علي المبدأ حيث حرص المفاوض المصري في هذه المفاوضات علي التمسك بثوابته المعلنة منذ بداية الأزمة وكان له ما أراد وحاول الجانب الإسرائيلي مستميتا ولكنه ارتد خالي الوفاض وكان من أهم ما تضمنه اتفاق25 ابريل الذي مهد الطريق الي إتمام الانسحاب في موعده المحدد ثم الي التحكيم الدولي: أ يتم الإنسحاب الإسرائيلي إلي ما وراء النقاط التي حددتها مصر في خط الحدود. ب يتقدم الوجود المصري إلي حيث المواضع التي تدعي إسرائيل أنها علامات للحدود. ج يتم وضع المساحات بين العلامات المدعي بها من جانب الطرفين تحت سيطرة القوات المتعددة الجنسيات. د أن تتخذ الإجراءات اللازمة لتسوية الخلاف بين الطرفين طبقا للوسائل التي حددتها معاهدة السلام لتسوية النزاعات التي يمكن أن تنشأ بين أطرافها بالوسائل السلمية ومن بينها الوساطة والتوفيق والتحكيم والقضاء الدولي. وهكذا إستطاعت مصر أن تفرض وجهة نظرها في الإلتزام الصارم بموجبات التطبيق الدقيق لمعاهدة السلام وإحترام والقانون بإتمام الإنسحاب في موعده المحدد وتسوية أية منازعات من خلال الإحتكام إلي الوسائل التي حددتها معاهدة السلام لتسوية المنازعات بالوسائل السلمية. وكان أبرز ما أسفرت عنه هذه الأزمة في ذلك اليوم هو أن الحكومة المصرية كانت فوق ما تصورته إسرائيل لهفة مصرية علي إتمام الإنسحاب في موعده وقد فوتت مصر بهذا الثبات علي إسرائيل محاولتها حمل الحكومة المصرية علي القبول بمواضع العلامات التي قدمتها لها كما فوتت مصر من ناحية أخري علي إسرائيل محاولتها الإتفاق علي أداة سياسية لتسوية النزاع وتجنب الإحتكام إلي الوسائل القانونية لحسم الخلاف وهو موقف مصري ظل ثابتا منذ بداية الأزمة وحتي النهاية. 2 محاولات التسوية الودية: إذا كان الموقف المصري قد ظل ثابتا علي وجوب الإحتكام إلي أداة قانونية لحسم الخلاف علي مواضع عدد محدود من علامات الحدود علي خط الحدود الدولي المعترف به دوليا بين مصر وإقليم فلسطين تحت الإنتداب وكان هذا الموقف يجد سنده القانوني في معاهدة السلام التي تضمنت تعدادا لوسائل تسوية المنازعات التي كان من بينها التحكيم والقضاء الدولي إضافة إلي غيرها من السوائل فإن إسرائيل ومنذ إندلاع الأزمة كانت لا تفتأ تشير إلي تفضيلها للوسائل السياسية لتسوية هذا الخلاف وكانت تلقي في هذا الموقف مساندة أمريكية واضحة علي أساس أن التسوية السياسية هي الأكثر توافقا مع السلام الذي ينبغي أن يسود العلاقات بين الطرفين. ولكن الذي لا يعرفه الكثيرون أنه بعد إنتهاء المرافعات الكتابية والشفهية وعقب قرار هيئة التحكيم حجز الدعوي للمداولات توطئة لإصدار الحكم في الموعد المحدد تقدمت الولاياتالمتحدةالأمريكية للطرفين بمشروع لتسوية ودية للنزاع وكان هذا المشروع يتضمن عددا من النقاط أهمها: 1 إعتراف إسرائيل بمواضع نقاط الحدود المقدمة من الجانب المصري. 2 إعتراف إسرائيل بالسيادة المصرية علي طابا. 3 أن تقوم مصر بتأجير الأرض المقام عليها الفندق في أرض طابا المصرية لإسرائيل لمدة99 عاما. 4 أن يتقدم الطرفان إلي هيئة التحكيم بهذا الإتفاق حال الموافقة عليه كي يتم إنهاء إجراءات التحكيم. وعلي الرغم مما بدأ من إغراء في العرض الأمريكي للتسوية الودية في وقت لم تكن هيئة التحكيم قد شرعت في إجراء مداولاتها بعد وفي وقت كانت إسرائيل تشن فيه حملة إعلامية ضارية كادت أن تزرع بذور الشك فيما يمكن أن يصدر عن هيئة التحكيم فإن اللجنة القومية للدفاع في قضية طابا في إجتماعها برئاسة السيد رئيس الجمهورية بادرت إلي رفض هذا العرض رفضا قاطعا مؤثرة ترك الأمر لهيئة التحكيم ولموجبات حكم القانون الذي رأته مساندا ومؤيدا للحق المصري وهي ثقة مصرية لم يخيبها حكم التحكيم الذي صدر بعد بضعة أسابيع كاشفا عن الحق المصري في طابا وليعلن عودة آخر جزء عزيز من أرض سيناء إلي أحضان الوطن بحكم القانون وبإصرار وثبات الدولة المصرية علي المبدأ والوفاء لما أعلنه رئيس الجمهورية منذ إندلاع الأزمة من عدم التفريط في حبة رمل واحدة من تراب الوطن. وبعد فقد تكون هذه الصفحات مجرد هوامش علي متون سطرتها بطولات وتضحيات ودماء شهداء أبرار, لتصبح جزءا من تاريخ وطن عظيم. ولكن هذه الهوامش جديرة بأن تسلط عليها الأضواء الأن.