بعد فشل المساعى العربية والدولية لوقف تدهور الاوضاع فى سوريا واستمرار نزيف الدماء الذى أودى بحياة الآلاف من السوريين تأتى خطة مصر التى قدمتها إلى مجلس حقوق الإنسان لحل الأزمة السورية ووضع إطار لها كمحاولة ناجزة تكفل إحراز تقدم فى وقف العنف والقتل والانتهاكات ومنع تكرار السيناريو الليبى بتدويل الأزمة وعسكرة المجتمع السورى. وتؤكد الخطة المصرية لحل الأزمة السورية على أن الخروج من الأزمة يرتكز على التطبيق الفورى والكامل لقرارات الجامعة العربية ذات الصلة ولكافة بنود الخطة العربية التى تظل الإطار الشامل والوحيد لحل الأزمة. كما تؤكد الخطة التى تعد فرصة أخيرة لمنع انزلاق سوريا إلى مستنقع الحرب الأهلية إذا ما تم تسليح الشعب السورى، أن من أولويات الحل رفض التدخل الأجنبى والعسكرى وأن يكون التدخل داعما للخطة العربية والأولوية القصوى للوقف الفورى وغير المشروط للقتل والعنف ضد المدنيين والعمل على إيجاد صيغة لإرسال قوة مراقبة أو حفظ سلام إلى سوريا. وتعنى الخطة ضرورة بدء عملية سياسية لإحداث تغيير سلمى وحقيقى يستجيب للمطالب المشروعة للشعب السورى خاصة بعد النتائج الأخيرة التى أعلنتها السلطات السورية بعد التصويت على التعديلات الدستورية. وتأتى الخطة المصرية فى سياق المساعى الهادفة لإنهاء الأزمة السورية بعيدا عن التجاذبات الدولية والتدخلات الإقليمية التى تبعث بإشارات تزيد من موقف النظام السورى تشددا وتدفع بالأزمة إلى حافة الهاوية بسبب تضارب المواقف بين الفرقاء السوريين وتمسك كل طرف سواء الرسمى أو المعارض بمواقفه الصلبة. وكانت مصر أول دولة عربية تصدر بيانا فى أغسطس الماضى تطالب فيه الحكومة السورية بالتفاوض مع جميع أطياف الشعب، وأنه لا بديل عن المفاوضات ولا يوجد حل أمني، ولا بديل عن الاستجابة للطلبات المشروعة للشعب، وعندما لم تجد استجابة أصدرت بيانا آخر أعربت فيه عن خشيتها من أن يصل وضع سوريا إلى نقطة اللاعودة. كما حذرت مصر من حدوث ذلك وأكدت أكثر من مرة عدم رغبتها فى أي تدويل للأزمة وأي تدخل أجنبى، وضرورة أن يحل الشعب السورى المشكلة بنفسه بعيدا عن أى أجندات خارجية سواء دولية أو إقليمية. وحذرت الخارجية المصرية حينها من انفجار شامل للوضع في سوريا، داعية السلطات السورية إلى الاستجابة لمتطلبات الشعب السوري وحقن الدماء فورا، رافضة استخدام "العنف" بحق المدنيين في البلاد. ومن هذا المنطلق ساهمت مصر فى جهود الجامعة العربية مساهمة فعالة وحرصت على الانضمام للدول الخمسة التى فوضتها الجامعة للعمل فى هذا الملف وساهمت فى كل اجتماعاتها وقراراتها، كما ساهمت مصر بفاعلية فى صدور خطة الجامعة العربية لحل المشكلة السورية وشاركت فى بعثة المراقبين التابعة للجامعة العربية إلى سوريا إلا أنه تم تجميد عمل بعثة المراقبين في سورية في 28 يناير الماضى بقرار الأمين العام للجامعة العربية نبيل العربي الذي برره بتصاعد العنف. وبعد أن قدمت مصر مشروع قرار للجمعية العامة للأمم المتحدة وتمت الموافقة عليه فى فى 17 فبراير الماضى، جاءت الخطوة التى تليها وهى استدعاء السفير المصرى فى دمشق حتى إشعار آخر. ورغم تعثر المحاولات الرامية لحل الأزمة السورية سلميا حتى الآن وسعى بعض الدول والقوى الدولية نحو إذكاء نار العنف وتوسيع نطاق الصراع بين السلطة والمعارضة إلا أن وزير الخارجية المصرى أكد أن "السيناريو الليبي لن يتكرر وأنه لن يكون هناك حل عسكري أو أمني للوضع في سوريا، مبينا ضرورة الحوار بين كل الأطراف، كما دعا إلى وقف فوري ل"نزيف الدم". وأشار فى هذا الصدد إلى أن قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الذى أدان العنف في سوريا وتبنى المبادرة العربية الأخيرة، بأغلبية 137 دولة كان يعبر عن تأييد لكل ما تقوم به الجامعة العربية ولم يكن هناك أى إشارة لتدخل عسكري بل على العكس كان القرار يشير بوضوح فى السطور الأولى لرفض أى تدخل عسكري أجنبى فى سوريا، وهذا هو موقف مصر منذ البداية. وأكد عمرو ان "كل ما فعلته مصر هو خطوات متسقة مع موقفنا الثابت منذ البداية عندما أكدنا أن الوضع المأساوي فى سوريا وسفك الدماء لا يمكن أن يستمر ويجب أن توقف الحكومة استخدام العنف ضد المواطنين والدخول فى مفاوضات بين الحكومة وجميع أطياف المعارضة وتشكيل حكومة وحدة وطنية طبقا لقرار الجامعة العربية.. وهذا كان على طول الخط هو الموقف المصري". وأوضح أن موقف مصر مبني على 3 عناصر وهي التطبيق الفوري والكامل لكافة بنود خطة العمل العربية، والتأكيد على أولوية الحل العربي ورفض التدخل العسكري في سوريا، وضرورة إحداث تغيير سلمي وحقيقي يستجيب لطموحات الشعب السوري، ويحافظ على وحدة سوريا وسلامتها الإقليمية. واتساقا مع الموقف الرسمى المصرى المعلن تقدمت لجنة الشئون العربية بمجلس الشعب بمبادرتها لحل الأزمة فى سوريا وعرضتها على وزير الخارجية محمد عمرو للاتفاق على بنود وآليات تنفيذ تلك المبادرة التى تهدف إلى الخروج من النفق المظلم للوضع فى سوريا. وكشف الدكتور محمد السعيد إدريس، رئيس لجنة الشئون العربية بمجلس الشعب، فى تصريحات أنه يجرى الإعداد حاليا لمبادرة مصرية جديدة بشأن سوريا، تتولى لجنة الشئون العربية بالتنسيق مع لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشعب صياغتها والتفاهم بشأنها مع وزارة الخارجية، بحيث يبدأ التحرك بشانها فورا. وأشار إدريس إلى أن هذه المبادرة يجب أن تتضمن حوارا مصريا برؤية مصرية مع كل من الأطراف المعنية بهذه الأزمة، وبخاصة روسيا والصين وإيران وتركيا والخروج مع هذه الدول من خلال الحوار بأجندة لإنقاذ سوريا، تقوم على وقف العنف والإعداد لمرحلة الانتقال السلمى للسلطة. وأكد أن بديل الرفض لهذه المبادرة هو "العسكرة"..مشيرا إلى أنه إذا فشلت هذه المبادرة فلن يكون بوسع أى طرف أن يدافع عن عدم تسليح الثورة ودخول قوات والتحول إلى حرب داخل سوريا يضيع فيها كل شىء. وتشهد عدة مدن سورية تظاهرات، مناهضة للسلطات، ترافقت مع سقوط شهداء من المدنيين والجيش وقوى الأمن، حيث تقدر الأممالمتحدة عدد ضحايا الاحتجاجات في سوريا بأكثر من 5000 شخصا، فيما تقول مصادر رسمية سورية أن عدد ضحايا الجيش والأمن تجاوز 2000 شخص، وتحمل "جماعات مسلحة" مسؤولية ذلك. وتتهم السلطات السورية "جماعات مسلحة" مدعومة وممولة من الخارج بالقيام بأعمال قتل وعنف وتخريب في البلاد، بهدف بث الذعر والفوضى بين المواطنين وزعزعة امن واستقرار الوطن. وكانت الجامعة العربية قد قامت باجراءات عديدة لحل الأزمة السورية، حيث قدمت بنود خطة، وافقت عليها السلطات السورية، وتضمنت سحب المظاهر المسلحة وإطلاق حوار سياسي والإفراج عن المعتقلين وإرسال مراقبين إلى البلاد، ثم قررت فرض عقوبات على سوريا وتعليق عضويتها في الجامعة، بسبب تصاعد أعمال "العنف" في البلاد وعدم التزام دمشق ببنود الخطة. كما دعت الجامعة العربية مؤخرا، مجلس الأمن الدولي إلى إرسال قوات حفظ سلام عربية أممية إلى سورية وإنهاء مهمة بعثة المراقبين العرب في البلاد ووقف التعامل الدبلوماسي مع ممثلي السلطات السورية، وتشديد فرض العقوبات على سوريا، فضلا عن دعم المعارضة السورية وفتح قنوات اتصال معها وتوفير كل أشكال الدعم السياسي والمادي لها. وسوف ينتج تقديم مصر لخطة حل النزاع فى سوريا لمجلس حقوق الانسان الذى يأتى مواكبا لتحرك برلمان الثورة المصرية فى مسعى للتنسيق مع وزارة الخارجية لحل الأزمة، ومبادرة مصرية متكاملة ربما تكون المحاولة الأخيرة لمنع إنزلاق سوريا إلى مستنقع حرب شاملة مما يمهد الطريق لتدخل دولى على غرار ما جرى فى ليبيا. ورغم الموقف الروسى-الصينى حيال الوضع فى سوريا واستخدام حق النقض "الفيتو" مرتين لمنع تصعيد الأزمة وإعطاء الضوء الأخضر لتدخل عسكرى دولى، إلا أن المبادرة المصرية النابعة من حرص الشقيقة الكبرى على استقرار سوريا سيكون لها بالغ الأثر فى منع إنزلاق القوى الدولية والإقليمية إلى تجاذبات حادة لن تحل الأزمة، وربما تزيدها إشتعالا يكرس مأساة السوريين. وفيما تسعى روسيا من خلال موقفها المتشدد الذى يزيد الأوضاع اشتعالا إلى استعادة نفوذها فى الشرق الأوسط كشريك دولى وتنفيذ الرؤية الروسية لإقامة نظام عالمى متعدد الأقطاب يتيح لها أن تكون شريكا فى كعكة الشرق الأوسط.. فإن مصر الرائدة تسعى لإطفاء نيران الفتنة بين الفرقاء السوريين دون سعى وراء مكاسب نوعية على أى صعيد إيمانا منها بأنه يمكن وقف نزيف الدم داخل سوريا بعد أن عانى الشعب السورى لفترة طويلة.