في أقل من ثلاثة أسابيع على مرور الأيام المئة الأولى من عهد الرئيس الفرنسي الجديد نيكولا ساركوزي، يمكن وصف شهر العسل الذي عاشه بأنه عاصف بالإنجازات. وإنجازه الأخير الذي تحقق الأسبوع الحالي، كان حل الخلاف الذي مضى عليه أكثر من 10 سنوات حول القيادة المنقسمة لشركة «ءس » الألمانية الفرنسية المشتركة التي تصنع طائرات «إيرباص» وتدير واحدة من أكبر المجموعات الدفاعية والفضائية الأوروبية. وفي الأسبوع الماضي، وبعد اتصال هاتفي طويل مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين، تمكن ساركوزي من ضمان حصة رئيسية لشركة توتال الفرنسية للطاقة في حقل شتوكمان للغاز في روسيا. وقبل ذلك، لفت ساركوزي انتباه شركائه في الاتحاد الأوروبي إلى أن على المصرف المركزي الأوروبي أن يستجيب أكثر إلى مطالب السياسيين من أجل تحقيق المزيد من النمو وتخفيف البطالة، على رغم الاتفاق الأوروبي الذي ينص على استقلالية المصرف عن الضغوط السياسية. وقبل ذلك، سار ساركوزي على أرض معركة انتصاره الساحق وإطلاق النار على المصابين. هذه هي على الأقل نظرة الفرنسيين الاشتراكيين الذين يشعرون بالإهانة، لأن ساركوزي سلبهم حزبهم وسرق أفضل مواهبهم وعاقبهم في استطلاعات الرأي. لقد أصبح أحد أكثر الوجوه البارزة والشعبية في الحزب الاشتراكي الفرنسي، مؤسس جمعية أطباء بلا حدود الشهيرة برنارد كوشنير، وزيراً لخارجية ساركوزي، كما وافق وزير الثقافة السابق الاشتراكي جاك لانغ على تولي مهمة اللجنة الجديدة التي استحدثها ساركوزي لتحديث الدستور الفرنسي (نسخة حديثة عن اختراع الرئيس الفرنسي الراحل شارل ديغول في العام 1985). ومنح وزير الخارجية الفرنسي السابق الاشتراكي هوبير فيدرين الذي كان الرجل الذي أطلق لقب القوة العظمى لوصف الهيمنة الأميركية في أواخر التسعينات، منصب المستشار الخاص في فريق ساركوزي في قصر الاليزيه. أما أهم مظاهر دهاء ساركوزي السياسية فكانت تدبره أمر إبعاد صاحب الوزن الثقيل في الحزب الاشتراكي الفرنسي وزير المال السابق دومينيك شتراوس عن فرنسا عبر ترشيحه لمنصب رئاسة مؤسسة النقد الدولية في واشنطن. وفي هذه الأثناء، حقق ساركوزي فوزاً آخراً لحزبه في انتخابات الجمعية الوطنية الفرنسية (الهيئة التشريعية الفرنسية) في الشهر الماضي، وأطلق من خلالها حملته الطموحة لقطع الضرائب والإصلاح الجامعي. كما يضغط لتطبيق برنامجه الإصلاحي الاقتصادي والتخفيف من القيود القاسية لبرنامج العمل الأسبوعي الذي طبقته الحكومة الاشتراكية الأخيرة. ساركوزي ماكر. فعوضاً عن تفتيت برنامج الدوام الأسبوعي المقرر ل 35 ساعة والذي يحظى بشعبية وقبول لدى النقابات العمالية وغالبية الفرنسيين استناداً لآخر استطلاعات الرأي، قام بإعطائه مرونة مدهشة. فهو يقترح الإبقاء على أل 35 ساعة عمل أسبوعياً ومتابعة العمال الذين يرغبون بهذا النظام عملهم، لكن الذين يرغبون في العمل الإضافي يمكنهم ذلك ولن تحذف منهم ضرائب الدخل على الساعات الإضافية ولا تحسم من رواتبهم كلفة التأمينات الاجتماعية. ونتيجة ذلك ستكون مكافأة للراغبين والمجتهدين والطموحين، وسيشكّل زيادة واضحة في نسبة الاقتصاد الفرنسي إلى جانب التغيير النفسي المتمثل بأهمية الحوافز المقدمة. ويجب التذكّر أن نسبة الإنتاجية في فرنسا أعلى منها في الولاياتالمتحدة لأن الكلفة العالية للعمالة شجّعت أرباب العمل على الاستثمار أكثر في أنظمة الإنتاجية الرأسمالية عوضاً عن العمالة المستعبدة إلى حد ما. ومع هذا النوع من الاستثمار والعمل الجاد وساعات العمل الطويلة، تبدو المعجزة الاقتصادية الفرنسية ممكنة. غير أن هناك دائماً كلمة «لكن» في هذه الرؤية المستقبلية، وهذه المرة تبدو هذه ال زلكنس في أكثر من مكان. الأول هو في ألمانيا، حيث تحافظ الغيرة على استقلالية المصرف المركزي الأوروبي، وتراقب عن كثب الطريقة التي بدأت فيها الفوارق تتسع بين سندات «اليوروبوند» التي تصدرها ألمانيا وتلك التي تصدرها فرنسا. وهذا يعني أن الأسواق بدأت بوضع عوامل خطر على سياسات ساركوزي. وهناك مشكلة أخرى مع ألمانيا وهي المستشارة أنجيلا ميركل التي أصبحت الزعيم الفعلي للاتحاد الأوروبي خلال الأشهر القليلة الماضية عندما تولت بفعالية الرئاسة الدورية للاتحاد، وقمة الدول الثماني الكبار، وآخر قمة أوروبية التي صدرت عنها النسخة المعدلة من الدستور الأوروبي. وتمثل ميركل أكبر دولة أوروبية يبلغ عدد سكانها 18 مليون نسمة، وأكبر اقتصاد في أوروبا حيث يبلغ الناتج القومي 2, 5 تريليونات دولار. ولن تكون ميركل لمّاحة إذا لم تنظر بريبة إلى رهان ساركوزي ليكون القوة الجديدة المسيرة لأوروبا. إنه يمثل ثالث أكبر دولة في أوروبا من حيث عدد السكان وثالث أكبر اقتصاد فيها وبفارق واضح عن بريطانيا. وبريطانيا التي توقّع التقرير السنوي لمؤسسة النقد الدولية خلال الأسبوع الحالي أن تحقق نمواً بنسبة 3% خلال العام الحالي، أسرع من الولاياتالمتحدة واليابان ومنطقة اليورو، تخضع أيضاً للإدارة الجديدة للسكوتلندي القاسي غوردون براون، الذي يشعر ببرودة تجاه أوروبا، وببرودة أكبر تجاه التجار الشعبيين ومحبي الظهور الإعلامي مثل ساركوزي (أو سلف براون رئيس الوزراء السابق توني بلير). وبراون معجب بميركل كشريكة تامة يعتمد عليها. ولكل من ميركل وبراون شكوكهما تجاه ساركوزي المسرحي. لن تفعل ميركل أي شيء يضعف أو يعطل المحور الفرنسي الألماني الذي قاد تقليديا المشروع الأوروبي لكنها سترغب بالتأكيد في تأسيس محور ألماني بريطاني قوي أيضاً. وتعرف ميركل كما يعرف براون، إلى جانب المفوضية الأوروبية المرعوبة بأن الاتفاق الشخصي بين ساركوزي وبوتين حول حقل غاز شتوكمان سيغرق على الأرجح أي آمال لقيام سياسة قوية وموحدة لأوروبا في حقل الطاقة، بوجه القيادة الروسية التي ترى في احتياطاتها الإستراتيجية في مجال الطاقة، سلاحاً جيوسياسياً. ويفهم ساركوزي من دون شك الحاجة الملحة لمغازلة ميركل وطمأنتها، والحاجة لانتزاع إعجاب براون من خلال الإنجازات القوية. لقد انتهى الوقت الذي كان فيه المحور الفرنسي الألماني كافياً لقيادة أوروبا التي كانا خلالها القوتين الاقتصاديتين المهيمنتين. إن مصداقية أوروبا بحاجة لالتزام بريطاني صلب والتزام من قبل الاتحاد الأوروبي ككل في المسألة الأهم وهي مسألة الطاقة والاستقلالية عن المصرف المركزي. وقد تدفع فرنسا وأوروبا على الأرجح ثمناً قاسياً لنظريات ساركوزي الاقتصادية القومية.