يتفق المراقبون في الخرطوم ان حالة الشد الاميركية تجاه الخرطوم بدأت منذ قدوم حكومة الرئيس عمر البشير الى السلطة في 30 يونيو العام 1989 عبر انقلاب عسكري اطاح بالنظم الديمقراطي القائم اي الاطاحة بحكومة الصادق المهدي زعيم حزب الامة السوداني ويعللون ذلك ببروز حكومة البشير بوجه إسلامي يطرح فكرة نشر الإسلام ليس في السودان فحسب وانما في المنطقة بأسرها. ويرون ان تلك الحالة المشدودة تجلت في اعقاب محاولة اغتيال الرئيس المصري في اديس ابابا العام 1995 وهي المحاولة التي اشارت اصابع الاتهام حيالها الى الحكومة السودانية فوضعت واشنطن على الاثر الخرطوم على قائمة الدول التي تمارس الارهاب. وعبر حملة اميركية منظمة اصدرت الاممالمتحدة ثلاثة قرارات ضد السودان تمثلت في الحظر الدبلوماسي على المسؤولين السودانيين والحظر الاقتصادي على شركة «سودانير» وهي عقوبات تصب في نطاق الضغوط الدولية على السودان بسبب تلك الواقعة. ودونما المرور عبر جسور الاممالمتحدة فرضت الولاياتالمتحدة في العام 1997 عقوبات اقتصادية على السودان شملت حظر قطع الغيار ومنع الشركات الاميركية من الاستثمار في مجال النفط ومنع التعامل بالدولار في المقاصة العالمية. ولم يقف الامر عند ذلك الحد ففي منتصف يوليو (تموز) 1998 اصدر مجلس النواب قراراً يتهم الحكومة بممارسة الرق واعمال التطهير العرقي في الجنوب ودعا الي فرض حظر الاسلحة على السودان. ثم انتقلت السياسة الاميركية «المعادية» للسودان إلى منحى جديد في ذات العام فأمرت وزارة الدفاع الاميركية (البنتاغون) قواتها بقصف مصنع «الشفاء» للأدوية في الخرطوم بخمسة صواريخ كروز باشتباه ان المصنع فيه بداية لانتاج اسلحة كيماوية . ويلاحظ المراقبون ان الادرة الاميركية التي ظلت تمارس سياسة «العصا» مع الخرطوم اعادت تكييف تلك السياسة بما يسمح بمد «الجزرة» احيانا وذلك في اعقاب تعيين السيناتور جون دانفورث مبعوثا للسلام في السودان في سبتمبر 2001 . وعبر هذا المبعوث دعت الولاياتالمتحدة لأول مرة مجلس الأمن الى رفع مجلس الأمن العقوبات الاقتصادية المفروضة على السودان في العام 96 كمقدمة لوصول دانفورث الى الخرطوم في رحلة استكشاف الهدف منها تحريك عملية السلام المتعثرة بين الحكومة والحركة الشعبية لتحرير السودان. وبعد دخول عملية السلام في السودان مرحلة التفاوض في العام 2000 عبر منظمة «ايقاد» ومراقبة لصيقة من الولاياتالمتحدة والاتحاد الاوروبي زادت واشنطن من جرعة الضغط على الخرطوم فقامت بإيداع قانون سلام السودان في مجلس النواب واجازته في اكتوبر (تشرين الأول) 2002 في المرحلة الثانية 2004 طالب مشروع القانون الادارة الاميركية باستصدار قرارات لادانة حكومة السودان والسعي لمحاسبة المسؤولين عن الفظائع بدارفور ودعوة الدول الاعضاء في الاممالمتحدة الى عدم استيراد النفط السوداني وفرض عقوبات على المسؤولين السودانيين تشمل منع السفر وتجميد الممتلكات وفرض عقوبات استهدافية على المشتركين في تنفيذ وتخطيط الابادة الجماعية وعدم السماح بتولي هؤلاء المسؤولين أية وظائف قيادية في الحكومة السودانية او الحكومة الائتلافية. وطرح مشروع القانون ضرورة تطبيق كل العقوبات الخاصة بمنع السودان من الاستفادة من قروض وتسهيلات المؤسسات المالية الدولية وتخفيض العلاقات الدبلوماسية بجانب وضع خطة لعدم تمكين السودان من الاستفادة من عائدات نفطه. في العامين 2003 و2004 اتسم الضغط الاميركي على السودان بابتعاده عن سياسة العقوبات المباشرة. ويقول المرقبون في هذا الخصوص «ان واشنطن لجأت الى سياسة الضغط على الخرطوم عبر الاممالمتحدة» خاصة بعد توقيع اتفاق السلام بين الحكومة والحركة الشعبية المعروف باتفاق «نيفاشا» والذي انهى الحرب الطويلة في جنوب البلاد وكذلك برز هذا التوجه الاميركي في وقت صعدت فيه الازمة في اقليم دارفور الى السطح بل صارت «الحدث الاول» الذي يشغل وسائل الاعلام العالمية ومنظمات المجتمع المدني والمنظمات الانسانية العالمية. وتوالت قرارات من مجلس الامن بعد توقيع اتفاق السلام تصب معظمها في اتجاه دفع الاتفاق الى الامام من بينها القرار رقم 1547 الذي رحب باتفاق «نيفاشا»، واشاد بما انجز من اعمال لدعم وتيسير محادثات السلام والالتزام بسيادة السودان واستقلاله ووحدته، وطالب القرار الأمين العام بتقديم تقرير للمجلس في موعد لا يتجاوز ثلاثة اشهر ثم القرار رقم 1556 الذي رحب بالدور القيادي الذي يؤديه الاتحاد الافريقي والترحيب بتعيين الأمين العام ممثلا خاصا لشؤون السودان وطالب هذا القرار حكومة السودان بان تفي بجميع التزاماتها بتسهيل اعمال الاغاثة الدولية وايفاد مراقبين دوليين تحت قيادة الاتحاد الافريقي. واتجهت بوصلة القرارات صوب دارفور بدلا عن القضايا المتعلقة بعملية السلام في الجنوب، فضغطت واشنطن على مجلس الامن ليصدر القرار رقم 1556 الذي اعتبر الوضع في السودان يمثل تهديدا للسلم والامن الدوليين وعدم استقرار المنطقة ويذهب بعيدا الى التصرف بموجب الفصل السابع من ميثاق الاممالمتحدة ليطلب من الحكومة تسهيل العمل الانساني بدارفور والدخول في مفاوضات سياسية مع حركتي «تحرير السودان» و«العدل والمساواة» ويؤيد ايفاد مراقبين دوليين الى دارفور ويرحب بارسال المفوض السامي لحقوق الانسان لمراقبين الى دارفور. كما طالب القرار الحكومة باعتقال قادة الجنجويد وتقديمهم الى العدالة وطلب المجلس من الامين العام للامم المتحدة تقديم تقرير شهري لمعرفة مدى التزام الحكومة السودانية واعرب مجلس الامن عن اعتزامه اتخاذ مزيد من الاجراءات ضد حكومة السودان حال عدم التزامها . ولاحقا صدر القرار 1564 ومن ابرز فقراته تكوين لجنة تحقيق دولية في تقارير انتهاكات القانون الدولي الانساني وقانون حقوق الانسان ثم القرار 1574 الذي يدعو الى وقف اطلاق النار ثم القرار 1885 لتمديد بعثة الاممالمتحدة، ثم القرار 1588 لتأكيد استعداده لدعم عملية السلام ثم القرار 1590 لنشر القوات الاممية لمراقبة ودعم اتفاقية السلام ثم القرار 1591 بفرض عقوبات على من يعرقلون السلام في دارفور ومطالبة الحكومة بالكف عن التحليق الجوي في دارفور ثم القرار المثير للجدل 1593 بإحالة جرائم دارفور منذ يوليو 2002 الى محكمة لاهاي ثم القرار 1627 لحث الدول على ارسال قوات تحت مظلة الاممالمتحدة الى السودان ثم القرار 1651 بتمديد ولاية خبراء الاممالمتحدة لمراقبة اوضاع دارفور. وصدر في العام 2006 القرار 1663 ليرحب بموافقة الاتحاد الافريقي من حيث المبدأ على انتقال المهمة وتبعه القرار 1665 بتمديد مهمة الخبراء ثم القرار 1672 بفرض عقوبات على اللواء جعفر محمد الحسن قائد المنطقة الغربية للقوات المسلحة وموسى هلال زعيم قبيلة المحاميد واثنين من قادة الحركات المسلحة: آدم شانت، وجبريل بدري ثم القرار 1667 لتكرار مطالبة تحويل مهمة دارفور والتعبير عن القلق لاستطالة نزاع دارفور ليجيء بعده القرار الاخطر 1706 بنشر قوات دولية في دارفور. وفي العام 2007 يلاحظ المراقبون ان الولاياتالمتحدة بدأت تفقد الكثير من فرص تبني واصدار القرارات من داخل مجلس الامن الدولي في سياق اتجاهها الضاغط على الخرطوم فيما يتعلق بملف دارفور آخرها فشلها في تمرير مشروع قرار اميركي بريطاني في مجلس الامن ينص على فرض عقوبات اقتصادية جديدة على السودان بسبب رفضها نشر القوات الدولية في دافور نتيجة لبروز الصين ودول اخرى في مجلس الامن ترفض بشدة فرض العقوبات على الخرطوم، وتفضل في المقابل حل ازمة القوات الدولية عبر الحوار.