لا يوجد خلاف أساسي بين معظم الأحزاب والقوى السياسية على أن يكون للقوات المسلحة وضع خاص في الدستور والنظام السياسي الجديدين لسبب بسيط هو أن دورها يختلف عن أية مؤسسة أخرى لارتباطه المباشر بأمن مصر القومي، ولكن هذا التوافق الواسع يقوم على أن تكون القوات المسلحة إحدى مؤسسات الدولة الدستورية، وليست فوق هذه المؤسسات. وكان هذا هو جوهر النقاش الذي أثير عندما أعاد نائب رئيس الوزراء السابق د. علي السلمي طرح وثيقة (إعلان المبادئ الأساسية لدستور الدولة المصرية الحديثة) في أول نوفمبر الماضي متضمنا مادتين جديدتين لم تطرحا للنقاش من قبل، وهما المادتان التاسعة والعاشرة اللتان اعترضت معظم أطراف الساحة السياسية عليهما. فقد صيغت المادة التاسعة بطريقة تضع القوات المسلحة في وضع يعتبر غير طبيعي في أية دولة حديثة، وليس في الوضع الخاص الذي لا يمكن أن يرفضه كل من يحرص على أمن البلاد القومي. وعقد عدد كبير من الأحزاب والقوى السياسية وبعض ائتلافات الشباب اجتماعين موسعين شارك فيهما ستة من المرشحين المحتملين للرئاسة في يومي7 و13 نوفمبر. وانتهى الاجتماع الثاني بإصدار بيان قدم تصورا بديلا لما ورد في الوثيقة المذكورة، وأكد خصوصية وضع القوات المسلحة وجاء فيه (سوف تظل القوات المسلحة بكل تاريخها الوطني في عقل وقلب كل مصري يدافع عنها كما تدافع هي عن الوطن. ولذا يؤكد الحاضرون أن للقوات المسلحة مكانتها الخاصة، وشئونها التفصيلية المتصلة بالأمن القومي، والتي يجب أن تراعى عند إعداد الدستور لوضعها في المكانة اللائقة بها، وبما يحقق خصوصيتها الفنية، ومراعاة هذه الخصوصية عند مناقشة الميزانية الخاصة بها). وشكل المجتمعون لجنة متابعة عقدت اجتماعا بحضور د. أسامة ياسين ومصطفى النجار وحاتم عزام وكاتب السطور لمناقشة الموضوع مع د. السلمي وفريقه يوم 15 نوفمبر الماضي. وقدموا تصورا بديلا للمادتين التاسعة والعاشرة في الوثيقة استنادا على نص البيان الصادر في 13 نوفمبر وعلى الاتجاه العام في أوساط الأحزاب والقوى والشخصيات التي شاركت في الاجتماع الذي أصدره. ولا يزال هذا التصور هو الأساس الذي ينطلق منه موقف كثير من الأحزاب والقوى السياسية بما في ذلك التحالف الديمقراطي الذي يضم أحزاب الحرية والعدالة وغد الثورة، والكرامة، والعمل، والحضارة، والإصلاح والنهضة، والجيل، والإصلاح، ومصر العربي الاشتراكي. وهذا التصور هو الذي عبر عنه بعض رموز التحالف الديمقراطي أخيرا في إجاباتهم عن أسئلة صحفية أو خلال مقابلات إعلامية. ولأنه تصور بعيد تماما عما ورد في الوثيقة التي أثارت توترا شديدا لفترة طويلة، فقد كان مثيرا للدهشة قول د. السلمي تعليقا عليها إنها تمثل تغيرا في موقف أصحابها، وقبولا بما جاء في تلك الوثيقة. ولذلك ينبغي توضيح الفرق بين هذا الموقف وما جاء في الوثيقة لتوثيق ما حدث في لحظة دقيقة من أجل التاريخ قبل كل شئ. ويتمثل هذا الفرق في ثلاثة عناصر رئيسية تظهر واضحة لدى مقارنة نص المادة التاسعة في الوثيقة والنص البديل المقترح الذي قدم يوم 15 نوفمبر، أولها أن الوثيقة أعطت المجلس الأعلى للقوات المسلحة حق الموافقة مسبقا علي أي تشريعات تتعلق بهذه القوات، وكان الاقتراح البديل هو أن يؤخذ رأي المجلس في هذه التشريعات، بدلا من موافقته. وثانيها أن الوثيقة نصت على أن ترد ميزانية القوات المسلحة رقما واحدا في الموازنة العامة للدولة، وبالتالي منعت اطلاع مؤسسات الدولة الدستورية عليها بما في ذلك رئيس الجمهورية والبرلمان، وكان الاقتراح البديل هو أن يكون هناك وضع خاص لميزانية القوات المسلحة، بمعنى أنها لا تطرح على الملأ، ولكنها تناقش في إطار ضيق يتم التفاهم عليه لاحقا (لجنة الدفاع والأمن القومي بالبرلمان في جلسة سرية مثلا، أو مجلس الدفاع الوطني الذي يضم والحال هكذا ممثلين للمؤسسات الدستورية إلى جانب القادة العسكريين). أما العنصر الثالث فهو أن الوثيقة منحت القوات المسلحة سلطة في مجال لا علاقة لها به وهو حماية الشرعية الدستورية، برغم أن د. السلمي يعرف تماما أن هذه الصيغة رفضت بالاجتماع عندما طرحت خلال إعداد وثيقة التحالف الديمقراطي عندما كان هو أحد ممثلي حزب الوفد في اجتماعات هذا التحالف حتى يونيو الماضي. وهو يذكر أيضا أن زميله في حزب الوفد د. أشرف بلبع كان هو أول من اعترض على ذلك وأيده د. السيد البدوي رئيس حزب الوفد ورؤساء وممثلو مختلف الأحزاب. ولذلك كان طبيعيا عدم قبول هذه الصيغة عندما أدرجت في وثيقة المبادئ الدستورية في نوفمبر الماضي. فقد نصت الوثيقة في الفقرة الأولى من المادة التاسعة على أن مهام القوات المسلحة هي حماية الشرعية الدستورية إلى جانب (حماية البلاد وسلامة أراضيها وأمنها والحفاظ على وحدتها). ومضت الفقرة الثانية في هذه المادة كالتالي: (ويختص المجلس الأعلى للقوات المسلحة دون غيره بالنظر في كل ما يتعلق بالشئون الخاصة بالقوات المسلحة ومناقشة بنود ميزانيتها على أن يتم إدراجها رقما واحدا في موازنة الدولة، كما يختص دون غيره بالموافقة علي أي تشريع يتعلق بالقوات المسلحة قبل إصداره). أما الصيغة البديلة المقترحة التي طرحت في 15 نوفمبر تأسيسا على بيان الاجتماع الموسع للأحزاب والقوى السياسية وعدد من المرشحين المحتملين للرئاسة، والتي لا تزال مطروحة، فقد استبعدت النص على حماية الشرعية الدستورية، وتضمنت أن (للقوات المسلحة مكانتها الخاصة وشئونها التفصيلية المتصلة بالأمن القومي والتي يجب أن تراعى عند مناقشة أمورها الفنية وميزانيتها. والقوات المسلحة كباقي مؤسسات الدولة تلتزم بالضوابط الدستورية والتشريعية، ويكون لها مجلس أعلى يختص بالنظر في شئونها، ويؤخذ رأيه في التشريعات الخاصة بها قبل إصدارها)، والفرق بين هذا النص وما ورد في وثيقة المبادئ الدستورية واضح لا يحتاج إلى مزيد من التوضيح. نقلا عن جريدة الأهرام