رغم قبول السودان بقرار مجلس الأمن رقم »1769« القاضي بنشر أكبر قوة سلام دولية في دارفور الا ان القرار لايزال يتضمن الكثير من النقاط المثيرة للقلق بالنسبة لمستقبل دارفور والمنطقة بأكملها، حول هذه القضية عقد المركز القومي لدراسات الشرق الأوسط ورشة عمل حول القرار وتأثيراته علي التسوية في دارفور. ورأس الورشة السفير أحمد حجاج الأمين العام للجمعية الأفريقية والمبعوث الخاص لرئيس الجمهورية في دارفور. في البداية أوضح د. محمد شفيق رئيس المركز أن تفاعلات الأزمة في دارفور لازالت تتداعي والدور الخارجي خاصة الأمريكي يمثل أحد أهم عناصر هذه الأزمة، وأشار الي ضرورة متابعة وتحليل أدوار بعض القوي الاقليمية التي تزايد حضورها داخل ملف الأزمة، حيث ان لكل منها أجندته الخاصة التي قد لا تتوافق مع مصلحة السودان. وأضاف ان السودان يواجه ضغوطاً اقليمية ودولية تهدد أمنه القومي وتستهدف تحقيق مصالح تتجاوز في جوهرها أزمة، وهو ما يطرح العديد من المخاطر علي الأمن القومي العربي. وأكد د. أحمد ابراهيم محمود الخبير بمعهد الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام ان القرار لا يزال يتضمن بعض التعقيدات التي تتراوح بين خلافات في تفسير بعض المواد وتباعد مواقف بعض الأطراف فمثلاً يدور الخلاف بين المسئولين الغربيين والحكومة السودانية في تفسير مهام القوة الدولية فيما يتعلق بحماية المدنيين في دارفور، حيث يري الغرب ان القوة مسئولة عن حماية المدنيين وان قائد القوة لديه تفويض لاتخاذ الاجراءات المناسبة في حالة تعرض هؤلاء المدنيين لأي انتهاك بينما تري الحكومة السودانية ان لها المسئولية المطلقة في هذا الصدد، مما يثير مخاوف حول امكانية حدوث تصعيد في حالة انتهاك لحقوق المدنيين. ويضيف كذلك فان الادارة الأمريكية غير راضية عن التعديلات التي تضمنها القرار والتي تعد استجابة لمطالب الحكومة السودانية، وهو ما دعا واشنطن الي الاعراب عن خيبة أملها ازاء القرار ولم تشارك في رعايته بل ان كونداليزا رايس وزيرة الخارجية الأمريكية وزلماي خليل زادة السفير الأمريكي لدي الأممالمتحدة، هدد بأن السودان قد يواجه عقوبات فردية وجماعية شديدة اذا لم تلتزم بتنفيذ القرار. وقد يدفع ذلك إدارة الرئيس الأمريكي جورج بوش الي المبالغة في رد الفعل في حالة حدوث أي شيء تعتبره انتهاكاً للقرار. ويوضح د. أحمد ان المسئولين السودانيين يخشون من أن يلجأ الغرب الي تعديل مهمة القوة الدولية حتي تشمل أموراً تتحفظ عليها الحكومة السودانية وأهمها ملاحقة المجرمين مما قد يطال المسئولين داخل الحكومة السودانية. ويوضح د. أحمد ان القرار »1769« يعد بديلاً عن قرار مجلس الأمن رقم »1706« القاضي بنشر قوات دولية في السودان وأن تكون الولاية للأمم المتحدة علي الاقليم وليس للاتحاد الأفريقي، وهو القرار الذي رفضه السودان لما رآه من انه انتهاك لسيادته مشيراً الي أن القرار »1769« أخذ في الاعتبار مطالب الحكومة السودانية. وتحدث د. أحمد عن أوجه الخلاف بين القرار مشيراً الي أن القرار »1706« أسند الولاية بالكامل الي الأممالمتحدة واستبعد الاتحاد الأفريقي، كما قضي القرار »1706« بتوسيع شديد في المهام الموكلة الي بعثة الأممالمتحدة وأهمها اعادة هيكلة مرفق الشرطة واقامة جهاز قضائي مستقل وحماية حقوق الانسان للشعب السوداني، بينما لم يشر القرار المعدل الي كل هذه المهام. كما تضمن القرار فقرة تشير الي انهاء عملية التدخل في دارفور في حالة تحسن الاوضاع بصورة ملموسة ووفقاً لتوصيات الأمين العام للأمم المتحدة ورئيس الاتحاد الأفريقي. ويري د. إبراهيم نصر الدين الأستاذ بمعهد البحوث والدراسات الافريقية ان قرار »1706« لم يسقط قانونياً لأن مجلس الأمن لم يصدر قراراً بالغائه، ولازال يمثل رؤية الولاياتالمتحدة وبعض القوي الغربية في التعامل مع السودان. وقد يخرج القرار من الأدراج عقب وصول القوات الي السودان، حيث ستفرض واقعاً جديداً علي الأرض، ولن تستطيع السودان ان ترفض هذه القوات. خاصة أن الولاياتالمتحدة هي الممول الرئيسي لها وتستطيع تقويتها او اضعافها وقد ينتهي الأمر باستقلال إقليم دارفور أو تفكك السودان بالكامل أو اسقاط الحكومة السودانية وجميعها عوامل متداخلة. ويوضح د. أيمن سلامة الأستاذ في القانون الدولي بأكاديمية السادات ان القرار رقم »1769« لم يشترط موافقة الدولة المضيفة علي نشر القوات، مما يعني أن الحكومة السودانية لا تستطيع طرد القوات أو التحفظ علي مشاركة قوات من دول محددة فيها كذلك يستطيع مجلس الأمن تعديل تفويض القوات وفقاً لتطور الأوضاع في اقليم دارفور. وتطرقت الورشة الي دور الدول المجاورة في أزمة دارفور وخاصة ليبيا وتشاد وتنزانيا. وأوضح د. ابراهيم نصر الدين ان دولتين علي الأقل من دول الجوار وهما ليبيا وتشاد قد ساهمتا بشكل أساسي فيما جري في دارفور من خلال تزويد المتمردين بالسلاح خاصة في عهد الرئيس السوداني جعفر النميري. وأشار الي ان ليبيا ساعدت الحركة الشعبية لتحرير السودان وأهل دارفور بمعدات عسكرية متقدمة مما أدي الي تحول المنطقة الي سوق سلاح وتدريب، ليس للحركات السودانية فقط ولكن للحركات التشادية ايضاً فمعظم الحركات التي أسقطت نظام الحكم التشادي انطلقت من دارفور ويوضح أ. هاني رسلان الخبير بمركز الدراسات السياسية والاستراتيجية في الأهرام ان الاستراتيجية الأمريكية تجاه دارفور تمثل جزءاً من الاستراتيجية الأمريكية تجاه السودان، واختلفت هذه الاستراتيجية مع مجئ الادارة الجمهورية للرئيس الأمريكي جورج بوش الي الحكم واختلفت مع ادارة الرئيس الديمقراطي بيل كلينتون التي اعتمدت علي الضغط علي السودان من الخارج من دول الجوار والاعتماد علي المقاومة المسلحة من الداخل وتبين فشل هذه الاستراتيجية وعندما جاء »بوش« طلب من مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية اعداد دراسة حول الاستراتيجية الأمريكية تجاه دارفور، وخرجت الدراسة بعدة توصيات أهمها تحول السودان الي دولة واحدة بنظامين وهو ما حدث بتقسيمه الي الشمال والجنوب. ويوضح ان الهدف النهائي هو تجزئة السودان وضمه الي مشروع القرن الافريقي الكبير بضمه مع أوغنداً وكينيا وتنزانيا وعزل مصر عن الجنوب.