أصبحت الانتخابات القادمة حديث الناس في بلادي البرلمان القادم خطوة هامة على طريق الثورة المصرية من أجل تحقيق مطالب الشعب واستكمال أهداف الثورة. الشعب يريد العدالة الاجتماعية والوظائف وتحسين المرافق والخدمات واحترام حقوق الانسان واستقلال القضاء. والثورة كان هدفها تغيير النظام من نظام الفساد والاستبداد والديكتاتورية إلى النظام الحرية والعدالة والكرامة الانسانية دولة دستورية حقيقية دولة الحق والعدل والقانون. ومن الواضح تماماً أن مطالب الشعب لن تستطيع قوة ما أن تحققها إلا اذا كانت باختيار شعبي صحيح وحر وسليم، وبتأييد شعبي كبير لأنها تحتاج استراتيجيات محددة، وسياسات واضحة، وعمل جادا دؤوبا وصبرا ومثابرة للوصول إلى المطلوب. وهذا لا يمكن انجازه إلا بانتخاب برلمان يعبر عن الارادة الشعبية الحقيقية برلمان يستطيع ويقرر ما يجب بشأن الموازنة العامة والسياسات المالية والنقدية والسياسات الاقتصادية ويراجع التشريعات الحالية وينظر في التشريعات المستقبلية. برلمان يزرع الثقة والأمل في نفوس الشعب المصري، الثقة بالنفس، والأمل في المستقبل. البرلمان اهم من الرئيس، ومن العجيب أن البعض شغل المصريين باسم الرئيس، وتسابق عدد محترم للترشح للرئاسة دون أن يكون هناك أي وضوح رؤية حول شكل وطبيعة النظام السياسي الذي سيقرره المصريون وبات هؤلاء المحتملون يشكلون ضغوطاً دون أن تكون لهم أي شرعية، فهم شخوص فقط أيّاّ كانت مكانتهم السياسية، بينما بدأ المصريون في الانخراط في أحزاب سياسية لها امتدادات جغرافية في معظم المحافظات المصرية، وهذه الأحزاب هي التي ستسعى للفوز في الانتخابات القادمة لتشكيل الحكومة أو تشارك فيها، وفي المقابل زهد كل المرشحين المحتملين للرئاسة في تشكيل احزاب سياسية أو الانضمام لأحزاب قائمة مما يثير الدهشة لأنه في أعرق الديمقراطيات في العالم ينتمي المرشح الرئاسي الى حزب قوي يدعمه ويؤيده ويسانده. إذا كنا نريد نظاماً جديداً ديمقراطيا دستوريا فإن أهم ملامحه هو التوازن بين السلطات، وأن تكون قوة البرلمان دائما أكبر من قوة الرئيس الفرد أو مؤسسة الرئاسة، بل إن البعض ينادي بجمهورية برلمانية كاملة يصبح الرئيس فيها رمزاً للدولة دون سلطات حقيقية، وهو ما أدى بكل المرشحين المحتملين إلى التصريح بأنه إذا وصلت الجمعية التأسيسية لوضع الدستور إلى اختيار النظام البرلماني الكامل فانهم سينسحبون من سباق الرئاسة. الانتخابات البرلمانية ستضع البلاد على الطريق الصحيح، ومن أهم مميزاتها أنها ستجعل القدرة على التصحيح ملك ممثلي الشعب، فالديمقراطية لها أخطاء وبها خسائر، ولكن من أهم مميزاتها قدرتها على معالجة الأخطاء وتقليل الخسائر ثم تعويضها بمكاسب. ومن أهم المكاسب التي سيحققها الشعب أن ينتقل الحوار الساخن بين نخبة احتكرت الحديث في الاعلام والفضائيات بحكم وجودها في العاصمة (القاهرة) وبحكم صلاتها الاعلامية أو قدراتها الكلامية إلى ممثلين حقيقيين للشعب، اختارهم الشعب في حرية، من كل مناطق الجمهورية، ويمثلون كافة الأحزاب السياسية، تحت قبة البرلمان حيث يتم الاستعانة بالخبراء والمتخصصين في كل المجالات، وتجري المناقشات المستفيضة داخل لجان البرلمان بالساعات والأيام ثم يكون التصويت على القرارات الملزمة، وكل ذلك تحت رقابة الشعب نفسه وفي حضور الاعلام الموضوعي. ومن الجدير بالذكر أن من الأهمية بمكان أن يكون هناك توازن وكوابح للرغبات الشعبية العارمة التي يمثلها الأعضاء المنتخبون والذين سيعودون الى الشعب في اقرب انتخابات دورية، لذلك كان من أهم ملامح الديمقراطيات العريقة وجود مجلس أعلى تشترط موافقته على القرارات الخطيرة قبل انفاذها، أو وجود رئيس قوي منتخب من الشعب مباشرة له صلاحيات وقف القوانين أو القرارات لحين مراجعتها مرة أخرى قبل إقرارها نهائياً بأغلبية أكبر مما يتيح المراجعة الأمينة لأي قرارات قد تأتي لموافقة هوى الأغلبية أو لصالحها، ومن الكوابح أيضا أن تكون التعددية الحزبية حقيقية وليست صورية وأن يتم التوافق السياسي بين الكتل السياسية على القرارات والتشريعات الهامة والخطيرة أو يكون التصويت بأغلبية الثلثين على تلك القرارات. ولأن البرلمان القادم هو برلمان الثورة الذي سيتحمل مسئولية تاريخية كان لابد أن يتم انتخابه وفق ضوابط ومعايير وتفاهمات سياسية تاريخية أهمها: نزاهة الانتخابات وحياد الادارة : وهنا يمثل الاشراف القضائي أحد أهم ضمانات النزاهة، والرقابة الاعلامية كذلك ودور مؤسسات المجتمع الأهلي بالذات في كشف أي تلاعب أو تزوير لإرادة الشعب. التحالفات السياسية التي تعبر عن التوافق الوطني العام وتضمن تمثيل كل أو معظم التيارات السياسية الرئيسية والأحزاب القوية داخل البرلمان، ليكون صوتها مسموعاً ورأيها محترماً في كل المداولات التي ستجري حول السياسات والقرارات والتشريعات. التحالفات الانتخابية التي تتم بين الأحزاب السياسية من أجل ضم قوة بعضها إلى البعض لتقليل حجم الأصوات الضائعة حتى في ظل نظام القوائم النسبية، ولتشكيل برلمان قوي به تناغم وتكامل ويستطيع الحسم في الأمور الهامة والخطيرة. لذلك حرص الاخوان المسلمون وحزب الحرية والعدالة منذ بداية الثورة على التأكيد على استراتيجية ثابتة لم تتغير حتى يومنا هذا . أهم ملامح تلك الاستراتيجية هي: أولا: أن البرلمان هو الخطوة الأهم والأجدر بالاعتبار لتمثيل الارادة الشعبية، وأن الرئيس يأتي في مرحلة لاحقة. ثانيا: أن حصول حزب واحد على أغلبية مطلقة في البرلمان القادم سيؤدي إلى حالة استقطاب تضع البلاد في مأزق، ذلك فإن التحالف الديمقراطي من أجل مصر خطوة هامة لتقوية النسيج الوطني العام الذي يمثل عموم الشعب المصري الذي ظهر في ميادين الثورة متسامحاً متعايشاً متحداً. ثالثا: أن القوات المسلحة درع الوطن الذي يحميه من العدو الخارجي، وأنه لا يجب أن تنشغل بادارة الشأن العام الداخلي وعلينا جميعا الحفاظ على تماسكها وقوتها وقدرتها والابتعاد بها عن التجاذب السياسي والمماحكات التي تجعلها في مرمى السهام من الساسة بالداخل والضغوط من الخارج، وأن نساعدها للخروج بالبلاد من عنق الزجاجة في أقرب وقت ممكن. ولأن عدد الأحزاب السياسية المصرية أصبح يصعب عده، سواء التي تم الترخيص لها أو تلك التي تحت التأسيس، فإن التحالفات الانتخابية ستشهد ميلاداً صعباً لأن كل حزب يريد إثبات وجوده ويراهن على شعبيته ولأن نظام الانتخاب بالقائمة يضع عقبات وصعوبات أمام الأحزاب وأعضائها، وستشهد الأيام القادمة خاصة بعد فتح باب الترشيح مداولات شاقة لبناء تلك التحالفات الانتخابية، وهذا حديث آخر. إلا أن التحالفات السياسة ستبقى وستقوى لحاجة البلاد إليها والمصالح الوطنية العليا فوق المصالح الحزبية الضيقة. نقلا عن جريدة الأخبار