تكاد شركة «موبينيل» المصرية ان تكون الداخل الأخير إلى شبكات الخليوي من الجيل الثالث عربياً، بعد أن نالت رخصة عنها في بلاد النيل أخيراً. وعلى رغم النقاش عن جدوى انتشار هذه التقنيات المتطورة في الاتصالات، التي تتميز راهناً بارتفاع تكلفتها، الجميع متفق على أنها تنجح في توسيع جمهورها باضطراد. وقد باتت مألوفة في بلدان الخليج العربي، بعد أن كانت أمراً نادراً قبل فترة ليست بالبعيدة. وتتعلق سرعة انتشار التقنيات بتجاوب الجمهور مع التطور التقني، وليس بالايقاع العلمي لذلك التطور. ومن البديهي أن يتذكر المتابعون المآل السيئ الذي سارت إليه بسرعة تقنية «الواب» WAP، اختصاراً لعبارة Wireless Applications Protocol، والذي بات جزءاً تقنياً ضمن الحزمة التي تعمل بها شبكات الجيل الثالث راهناً. والحال أن تلك الشبكات تميل أكثر للاعتماد على تقنيات مثل «يو تي ام اس» UTMS و «جي بي ار اس» GPRS وغيرهما. وصف موجز لشبكات الجيل الثالث الانترنت كلها معلّقة في الهواء كبساط موجات شفافة، بانتظار ان تراها الأعين على شاشة الهاتف النقال (الخليوي) او بالأحرى هاتف الجيل الثالث من الخليوي Third Generation Cellulars واختصاراً «3 جي»، G3، وذلك نموذج من رؤية وردية لم تعد رهن المستقبل عن هواتف «3 جي». ويرى مريدو «3 جي» شاشات سحرية تفتح في أي مكان، لتلتقط كل ما يتوافر على شبكة الكومبيوتر العالمية، من نصوص وبريد وأفلام وموسيقى وتجارة، إضافة إلى الاتصال الصوتي وإرسال الفاكس وتلقيه والاتصال المرئي وغيرها. هل تبدو صورة ساحرة إلى حد الشك والارتياب؟ وهل تكفي أحلام التقنية، وحتى مشاريعها الرائدة والثورية، لتغيير الواقع ونقل عالم الاتصالات من حال إلى حال؟ هل يكفي عمل الأدمغة واستنباط الحلول الالكترونية لدمج عالم الاتصالات مع المعلوماتية في صورة كلية ونهائية؟ الارجح أن الاعلان الذي يملأ غير مدينة عربية، كما يعرض على بعض فضائيات العرب، يُظهر الخليوي المتطور باعتباره كومبيوتر اللحظة المعاصرة. إنه إعلان يظهر التماهي الكامل بين هذين الحقلين (المعلوماتية والاتصالات) اللذين كانا مستقلين، الى عهد غير بعيد. تلك صورة تستأهل التأمل والنقد. فما تَعِدُ به هو ثورة اتصالات، وبالأحرى تغيير شامل في الصورة العالمية للاتصالات المتطورة. يمكن اختصار فكرة خليويات «3 جي» بأنها نقل الانترنت إلى الهواتف التي تصبح أداة حساب وترفيه وعمل، إضافة إلى كونها وسيلة اتصال. وتبدو «3 جي» وكأنها احدى تلك الانعطافات الكبرى في تاريخ التكنولوجيا، حيث تندفع «امكانية ما» إلى التحقق، وتقدر على انجاز لم تُسبق اليه. وينطبق الوصف على الهاتف، حينما استطاع غراهام بيل نقل الصوت عبر المسافات، ثم التلفزيون اختراع فيلوفر انزوورث الذي حقق الرؤية في كل مكان، و... الانترنت نفسها. الأقرب إذاً ان خلويات «3 جي» هي الادوات الالكترونية لعصر الاتصال المعلوماتي، موضوعة في كل يد وعلى كل نقطة من سطح الكرة الارضية. واستدراكاً، فإن الوصف اعلاه هو وصف حُلْمي في منطوقه وكلماته، ولا يحمل بالضرورة تطباقاً تاماً مع الواقع المعيوش. وتحتاج ادوات الاتصال المعلوماتي إلى تبادل الموجات مع محطات رئيسة، بسرعة تزيد عن مليوني بتة في الثانية الواحدة 2Mbps، لتحقيق بعض تلك الامنيات. وفي حدود أكثر خفضاً، تحتاج أشرطة الميديا إلى سرعة نقل مقدارها 384 كيلوبتة في الثانية، إضافة إلى اعتماد بروتوكولات بث موحدة او متناسقة. وقبل الدخول إلى تفاصيل النقاش التقني عن هواتف «3 جي» وعوائقها، يجدر التعرّض إلى لوجستيك السوق وأوضاعها. ولنا أن نتذكر أن إطلاق «3 جي» عالمياً صادف، في العام 2003، مرور اكثر من سنة على أزمة سوق «نازداك» لأسهم التكنولوجيا العالية. وفي تلك السنة، التي رافقتها أيضاً أحداث الارهاب في 11/9/2001، تغيّرت صورة «نازداك» من قاطرة تجر اقتصاد اميركا والعالم، إلى سوق متقلصة تعاني ازمة بنيوية. وقد استطاعت سوق «نازداك» أن تتعافى من تلك الإصابة، لكنها ما برحت تجرجر أقدامها تحت سقف 2500 نقطة، بعد أن كانت، في غرّة العام 2000، تقارب الستة آلاف نقطة. ونالت شركات الاتصالات والاجهزة الخلوية نصيبها من المعاناة التي لم تقتصر على المال، بل طاولت «الصورة الكبيرة» لعلاقة التقنية مع السوق. ولذا، فليس من الغريب أن تنهال راهناً، في غير دولة عربية، اسئلة مقلقة مثل: هل هناك سوق حقيقية وجمهور لخلويات «3 جي»؟ أين هي مؤشرات رغبة الجمهور وتطلبه على أدوات الاتصال المعلوماتي وخدماتها؟ هل نجحت تجربة هواتف «أي مود» I-mode في اليابان بسبب «ظروف خاصة» ام انها قابلة للتعميم؟ هل أن نجاح شبكات الجيل الثالث في أوروبا وأميركا يمثّل معطى غربياً لا تستطيع مجاراته سوى النخبة المتماهية مع الغرب في العالم العربي، وبمعنى أنها تمتلك من الموارد المالية ما يمكنها من الاستمرار في ذلك التماهي؟ بروفايل لجمهور «3 جي» في لغة الارقام، فإن النمو الأبرز في الاتصال لخدمات غير صوتية، قد سُجّل في الرسائل القصيرة للخليوي، التي عرفت رواجاً انفجارياً دولياً وعربياً. ويتضاعف جمهور هذه الرسائل في وتيرة مدوّخة. وفي مقابل الحماسة لتسجيل براءات اختراع تقنيات «3 جي»، التي تتوزع على أوروبا (59 في المئة) وآسيا (22 في المئة) وأميركا الشمالية (19 في المئة)، لم يسجل اي طلب على المعلومات الالكترونية خارج اطار شبكة الانترنت (...). ويُذكر أن تقريراً صدر أخيراً عن احدى هيئات الأممالمتحدة أشار الى ضعف الطلب على المعلومات في العالم العربي، أسوة بآسيا وأفريقيا، مشيراً إلى أن الطلب الفعلي على المعلومات يأتي من الغرب والدول الصناعية الكبرى. وتمتاز خدمة الرسائل القصيرة بأنها رخيصة، وتوفر اتصالاً «صامتاً» وخاصاً، ما يلبى احتياج جمهور واسع من المراهقين والشباب. فمن سيكون جمهور «3 جي» عربياً؟ وما هي سماته و «بروفايله»؟ وما هي الخدمات التي تلح في مطالب لا تكف؟ وخلال الفترة التي سبقت الانتشار العربي لشبكات «3 جي»، بدا للبعض وكأن الانتشار القوي للانترنت ربما كان عائقاً امام الجيل الثالث، وخصوصاً التوسع في الخدمات المعتمدة على بروتوكول «الصوت عبر الانترنت». لا تتوقف الشبكة الدولية عن التطور وتدخل قطاعات واسعة من الاعمال والخدمات. وتحتضن الانترنت شبكات متفرعة منها، إضافة إلى جمهور واسع ومتحرك. وبمعنى ما، صاغت تجربة انترنت «قواعد اللعبة» في مجال تقديم خدمات المعلومات والأعمال والترفيه. وبالنظر إلى تقدمها التقني والاجتماعي، صارت قواعد اللعبة مرتفعة المستوى، فهل تصمد شبكات «3 جي» أمام هذه المنافسة، التي يزيدها حدّة انتشار تقنيات مثل «واي ماكس» مثلاً؟ وفي التقاصيل التقنية، أن المعلومات الرقمية في شبكة الانترنت تسير عبر حزم محدّدة، وينظمها بروتوكول «تي سي بي/أي بي» TCP/IP لنقل الملفات الرقمية، اي نقل المحتويات كافة، وتعمل الانترنت عبر لغات الكترونية متوافق عليها مثل «اتش تي ام ال» HTML و «اكس ام ال» XML وغيرهما. والقول بوضع الانترنت في الهواتف الخليوية يعني تقليد الصورة السابقة ونقلها إلى الخليويات التي تعمل على موجات لها ذبذبات محددة. وتعريفاً، فإن الخليوي العادي هو راديو شخصي يتصل مع محطة تبث اليه وتتلقى منه. والفارق البارز بين الراديو والخليوي هو في «تلقي» المحطة بث الجهاز الشخصي. وحاول مهندسو شركات الخليوي «نقل» الانترنت عبر اساليب تقنية متنوعة.