سعر الجنيه الاسترليني بالبنوك أمام الجنيه اليوم الجمعة 3-5-2024    الأسهم الأوروبية ترتفع بدعم من الأداء القوي للقطاع المصرفي    شوبير يوجه رسائل للنادي الأهلي قبل مباراة الترجي التونسي    الأرصاد: رياح مثيرة للرمال على هذه المناطق واضطراب الملاحة في البحر المتوسط    حبس 4 أشخاص بتهمة النصب والاستيلاء على أموال مواطنين بالقليوبية    اسلام كمال: الصحافة الورقية لها مصداقية أكثر من السوشيال ميديا    حكم لبس النقاب للمرأة المحرمة.. دار الإفتاء تجيب    تقارير أمريكية تتهم دولة عربية بدعم انتفاضة الجامعات، وسفارتها في واشنطن تنفي    حزب الله يستهدف زبدين ورويسات العلم وشتولا بالأسلحة الصاروخية    مستوطنون يهاجمون بلدة جنوب نابلس والقوات الإسرائيلية تشن حملة مداهمات واعتقالات    اعتصام عشرات الطلاب أمام أكبر جامعة في المكسيك ضد العدوان الإسرائيلي على غزة    حرب غزة.. صحيفة أمريكية: السنوار انتصر حتى لو لم يخرج منها حيا    وزير الدفاع الأمريكي: القوات الروسية لا تستطيع الوصول لقواتنا في النيجر    البابا تواضروس يترأس صلوات «الجمعة العظيمة» من الكاتدرائية    مواعيد مباريات الجمعة 3 مايو 2024 – مباراتان في الدوري.. بداية الجولة بإنجلترا ومحترفان مصريان    خالد الغندور عن أزمة حسام حسن مع صلاح: مفيش لعيب فوق النقد    الكومي: مذكرة لجنة الانضباط تحسم أزمة الشحات والشيبي    تشكيل الهلال المتوقع أمام التعاون| ميتروفيتش يقود الهجوم    تشاهدون اليوم.. زد يستضيف المقاولون العرب وخيتافي يواجه أتلتيك بيلباو    إشادة حزبية وبرلمانية بتأسيس اتحاد القبائل العربية.. سياسيون : خطوة لتوحيدهم خلف الرئيس.. وسيساهم في تعزيز الأمن والاستقرار في سيناء    5 أهداف لصندوق رعاية المسنين وفقا للقانون، تعرف عليها    «التعليم»: امتحانات الثانوية العامة ستكون واضحة.. وتكشف مستويات الطلبة    خريطة التحويلات المرورية بعد غلق شارع يوسف عباس بمدينة نصر    ضبط 300 كجم دقيق مجهولة المصدر في جنوب الأقصر    ننشر أسعار الدواجن اليوم الجمعة 3 مايو 2024    لأول مرة.. فريدة سيف النصر تغني على الهواء    معرض أبو ظبي يناقش "إسهام الأصوات النسائية المصرية في الرواية العربية"    «شقو» يتراجع للمركز الثاني في قائمة الإيرادات.. بطولة عمرو يوسف    استقرار أسعار الحديد والأسمنت اليوم الجمعة.. عز ب 24155 جنيهًا    كيفية إتمام الطواف لمن شك في عدد المرات.. اعرف التصرف الشرعي    حكم وصف الدواء للناس من غير الأطباء.. دار الإفتاء تحذر    الناس لا تجتمع على أحد.. أول تعليق من حسام موافي بعد واقعة تقبيل يد محمد أبو العينين    موضوع خطبة الجمعة اليوم وأسماء المساجد المقرر افتتاحها.. اعرف التفاصيل    «تحويشة عمري».. زوج عروس كفر الشيخ ضحية انقلاب سيارة الزفاف في ترعة ينعيها بكلمات مؤثرة (صورة)    «سباق الحمير.. عادة سنوية لشباب قرية بالفيوم احتفالا ب«مولد دندوت    وزارة التضامن وصندوق مكافحة الإدمان يكرمان مسلسلات بابا جه وكامل العدد    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الجمعة3-5-2024    مواعيد صرف معاش تكافل وكرامة بالزيادة الجديدة لشهر مايو 2024    دراسة أمريكية: بعض المواد الكيميائية يمكن أن تؤدي لزيادة انتشار البدانة    دراسة: الأرز والدقيق يحتويان مستويات عالية من السموم الضارة إذا ساء تخزينهما    أهداف برشلونة في الميركاتو الصيفي    رسالة جديدة من هاني الناظر إلى ابنه في المنام.. ما هي؟    "نلون البيض ونسمع الدنيا ربيع".. أبرز مظاهر احتفال شم النسيم 2024 في مصر    حكم البيع والهبة في مرض الموت؟.. الإفتاء تُجيب    الخضري: البنك الأهلي لم يتعرض للظلم أمام الزمالك.. وإمام عاشور صنع الفارق مع الأهلي    تعيين رئيس جديد لشعبة الاستخبارات العسكرية في إسرائيل    بعد انفراد "فيتو"، التراجع عن قرار وقف صرف السكر الحر على البطاقات التموينية، والتموين تكشف السبب    مصطفى كامل ينشر صورا لعقد قران ابنته فرح: اللهم أنعم عليهما بالذرية الصالحة    نكشف ماذا حدث فى جريمة طفل شبرا الخيمة؟.. لماذا تدخل الإنتربول؟    انقطاع المياه بمدينة طما في سوهاج للقيام بأعمال الصيانة | اليوم    معهد التغذية ينصح بوضع الرنجة والأسماك المملحة في الفريزر قبل الأكل، ما السبب؟    "عيدنا عيدكم".. مبادرة شبابية لتوزيع اللحوم مجاناً على الأقباط بأسيوط    محمد مختار يكتب عن البرادعي .. حامل الحقيبة الذي خدعنا وخدعهم وخدع نفسه !    خبيرة أسرية: ارتداء المرأة للملابس الفضفاضة لا يحميها من التحرش    قفزة كبيرة في الاستثمارات الكويتية بمصر.. 15 مليار دولار تعكس قوة العلاقات الثنائية    سفير الكويت: مصر شهدت قفزة كبيرة في الإصلاحات والقوانين الاقتصادية والبنية التحتية    تعرف على طقس «غسل الأرجل» بالهند    البطريرك يوسف العبسي بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للروم الملكيين الكاثوليك يحتفل برتبة غسل الأرجل    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سناء البيسى: ماذا فعلنا بالثورة‏..‏ وماذا فعلت الثورة بنا؟‏!‏
نشر في أخبار مصر يوم 14 - 05 - 2011

عندما استبد بي الأرق والقلق والإحساس بالخطر من جراء التوتر الساخن بين مسلمين متعصبين وأقباط في حالة ذعر‏، والخوف علي مستقبل مصر الذي هو أهم من ألف كاميليا وعبير والمتطرفين المتخلفين دينيا وإنسانيا‏..‏
رحلت إلي أرض الطمأنينة والنور لألملم شعثي وتستقر كرات دمي الحمراء إلي جوار البيضاء.. غادرت مليونيات بلادي الصاخبة ومحاكماتها الزاعقة بلافتاتها الصارخة وإداناتها الحارقة وبلطجياتها المارقة إلي مليونيات آمنة تطوف في خشوع حول البيت الحرام, فإذا ما ارتفع صوت الآذان تستوي الصفوف في ثوان لتركع وتسجد وتصلي وتسلم وتقرأ الآيات وتدعو السميع العليم أن يستجيب الدعاء.. تركت مليونيات بلدي تخوفا عليها وخوفا منها ورهبة مما اكتشفناه فجأة من أننا نحيا في عين الإعصار الثوري وعلي خط الزلزال, وأننا أمة في خطر عاشت عقودا كاملة من الزيف تآكلت فيها أعمدة البناء, وتشققت السقوف, وتداعت الجدران, وتدربت النوافذ علي التواطئ مع الرياح.. غادرت مليونيات وطني وقد ضاعفت العقود العبثية من حكم صمت القبور عدد من يعيشون تحت خط الفقر وعلي أطرافه, وعدد العاطلين والمحبطين والناقمين واليائسين والباحثين عن فرصة للثأر وتصفية الحسابات, والذين جربوا السجون وخرجوا منها بكسور في العظام وجروح في الروح وجمود في الفكر, والذين يوقظون من الموات مفردات اهترأت لفرط ما استخدمت وانتهكت, والذين علاهم الصدأ وأطفأتهم الأكسدة فانتهت صلاحيتهم.
تركت مليونيات بلدي التي ثارت علي التوريث, فإذا الوريث ليس جمال مبارك وحده, فنظام التوريث السادي متأصل ومتجزر في خلايا المجتمع, فابن الوزير وزير, وابن السفير في الخارجية سفير, وابن القاضي قاض, وابن ضابط الشرطة ضابط شرطة, وابن العميل يرتشي كوالده, ولا شيء تغير لا في الإعلام ولا القضاء ولا الشرطة ولا الدبلوماسية ولا العملاء, فقط تغيرت بعض الوجوه بحكم الفضيحة العلنية, ولكن المجتمع لم يخط خطوة واحدة للانتقال من مجتمع المكافأة إلي مجتمع الكفاءة.
تركت مصر في حال البين بين.. حال أسئلة ماذا وهل وكيف وأين؟! حال فيما إذا كانت النيابة تسبق الرئاسة أو أن العربة تسبق الحصان أو أن البيضة قبل الفرخة.. حال ماذا فعلنا بالثورة وماذا فعلت الثورة بنا؟ لقد اكتشفنا من جرائها أننا جميعا كنا كومبارس في مسرحية هزلية ما أن رفع عنها الستار حتي انهار الديكور علي الأبطال والجمهور و..الكل مدان الرئيس والوزير والغفير.. الكل لصوص يا مولاي, والمسئول الذي ليس له عيال في حوزته يختان واحد لرجله اليمين والثاني لرجله الشمال.. الثورة المباركة التي يصفها المتخوفون بثورة الجياع وهو وصف ظالم ومهين فمصر أبدا لن تجوع بفضل بذل أبنائها وأخيارها حبا وحضنا ومالا وعطاء ووفاء.. سافرت لأرتاح أياما من القلق والأرق وذهبت أنشد عمرة في الأراضي المقدسة لأدعو السميع العليم لي ولمصر, وسبحان الذي يسمع دعوات عباده وتضرعاتهم ولا يشغله نداء عن نداء, وسبحان من يسمع كل نجوي ولا يخفي عليه شيء في الأرض ولا في السماء, وقد ذكر السميع خمسا وأربعين مرة في القرآن الكريم.. هو السميع البصير, سميع الدعاء, السميع العليم الذي أتي ذكره العليم مائة وأربعا وخمسين مرة في كتابه الكريم منها أنه عليم بذات الصدور, وهو العليم الحليم, وحين يذكر العليم الذي ليس كمثله شيء, يأتي ذكر الرحيم الذي وسعت رحمته كل شيء.
استووا.. أمر الإمام نطيعه فنستوي متراصين وجهتنا درة الكون قبلة الروح قدس الإسلام بيت الرحمن كعبة العابد المستغفر التائب اللائذ المستجير.. نركع خشوعا. نسجد تضرعا. نبتهل قياما ومثولا بين يدي الرحمن نصلي ونسلم علي المصطفي وآل بيته ونتبع بصاحب الدعوة إبراهيم وآله.. لقاء مع الله. وقوف بين يديه. وحدك نعبد. نطوف بالبيت ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.. في حجر إسماعيل نسجد للخالق نترحم علي ابن بار غدت ذكري طاعته عيدا.. نشير من بعد للحجر الأسود, فالزحام محال أن ننال معه حظوة تقبيله.. تائبون وأنت التواب. ساجدون وأنت من تحب الركع السجود.. وزمزم لما شرب له. أندي فمي بشهد الرضاب. أتطهر بماء المعجزة.
أنهل لبن الصخر. أضم كفي علي ندي المستحيل. أبرئ جرحي أبرد قيظي أطفئ ظمئي أحيي مواتي أغسل ذنبي أتمثلك يا أم إسماعيل وأسعي سبعا إلي الصفا وأأوب بمثل هرولتك إلي المروة وعيني علي الكعبة.. أريد احتضانها بجهاتها الأربع.. أبغي حضنها علي باب الملتزم.. الطواف لا ينقطع في بيت الرحمن الرحيم وها نحن قبل رمضان بشهور ولا موضع لقدم في ساحتها ولا في الساحتين العلويتين, وها قد أصبح السعي بين الصفا والمروة أربعة طوابق تغص بالمهرولين علي مدي النهار والليل.. ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار, وادخلنا مع الأبرار يا عزيز يا غفار. اللهم إن هذا البيت بيتك والحرم حرمك, والأمن أمنك, والعبد عبدك.. إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما ومن تطوع خيرا فإن الله شاكر عليم.. اللهم إني أسألك رضاك والجنة وأعوذ بك من سخطك والنار.. رب اغفر وارحم واعف وتكرم وتجاوز عما تعلم وما لا نعلم إنك أنت الله الأعز الأكرم.. الأجناس أخوة.. الطواف تحليق.. السيقان أجنحة.. الورع مقصد والاسترحام رجاء.. لا أنثي ولا ذكر ولا مستكبر ولا من يجر إزاره خيلاء.. البشر واحد والدين واحد وباب التوبة مفتوح للجميع.. الطفل بملابس الإحرام.. شيخ العصا يتوكأ علي دينه.. أجنبي اللسان يقرأ قرآنك.. دموع الابتهال أنهارا في عيون المبتلي بالعذاب, وشريد الدار, وعميق الحزن, ومقطوع الوصال, ووحيد الحال, ومهيض الجناح, وكسير الفؤاد, ومعوق البيان, وشارب المر, وبرئ الذنب.. كلهم ضعفاء قادمون إليك وحدك مخلصين لك الدين.. ارفع الضر عنهم يا نصير الضعفاء.. لبيك اللهم لبيك.. لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك.. و..يهزني في خطبة الجمعة دعاء الخطيب لولي الأمر أن يجعله يحسن في اختيار بطانته.. يا لها من دعوة كريمة توطد دعائم أي حكم شريف.. وكان لآيات من سورة الأنفال أصداء وتداعيات تذكرني بأحكام القضاء في بلدي عند قوله تعالي: إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة ثم يغلبون والذين كفروا إلي جهنم يحشرون ليميز الله الخبيث من الطيب ويجعل الخبيث بعضه علي بعض فيركمه جميعا فيجعله في جهنم أولئك هم الخاسرون ومكثت طويلا أتأمل في قوله تعالي في سورة آل عمران قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك علي كل شيء قدير. ونشارك في صلاة الجنازة علي الطفل والكبير نطلب فيها الرحمة لهم ولنا ولأمواتنا ونسلم تسليمة واحدة علي اليمين.
وأطير إلي المدينة المنورة أصلي وأسلم فأشرف الخلق جميعا يرد السلام يا سلام ما من أحد يسلم علي إلا رد الله علي روحي حتي أرد عليه السلام, وأمكث ساعات لا ينفد فيها الصبر فالخاتمة آمنة حتي يؤذن للنساء بدخول الروضة الشريفة لأركع في قطعة من الجنة ما بين قبر الرسول صلي الله عليه وسلم ومنبره, وأصلي وأسلم وفي العيون مثوي أشرف الخلق والأنبياء يصلون بين يدي الله تعالي حتي ينفخ في الصور.. اللهم آت سيدنا محمد الوسيلة والفضيلة وابعثه مقاما محمودا الذي وعدته.. الأنبياء يصلون ويحجون ويلبون, وقد سئل كيف يصلون ويلبون وهم أموات في الدار الآخرة وليست دار عمل, فأتي الجواب أنهم كالشهداء والشهداء عند ربهم يرزقون.. وأترحم علي شهداء الثورة وأغبطهم علي منزلتهم عند ربهم.. يا عاطر القول يا من في قوله ذكر إن الزمان سيأتي بزمان يصبح المسلم اللائذ بدينه فيه كمن يقبض يده علي جمرة من نار.. هل هذا زماننا الآن يا رسول الله الذي أصبح فيه الخوف جدارا أسود.. الذي يرفض فيه حكام متمترسون في السلطة الرحيل مضحين بآلاف القتلي قرابين للبقاء علي عروشهم بينما شعوبهم تطالبهم بالرحيل.. زمان قد تبرأ فيه الذين اتبعوا من الذين اتبعوا.. زمان الفتنة التي استيقظت.. زمان أصبح الإسلام فيه في مصر هو أن تقتل قبطيا أو تهدم كنيسة أو تغزو الصناديق.. زمان التطهر بالعنف وليس التطهر من العنف!
ربطت حزام الأمان عائدة إلي الوطن, لكن فرحة العودة إليه كانت مسكونة بالغصات بعدما قرأت عناوين جرائدنا في بطن الطائرة.. صحف مسيلة للدموع وأحكام بالقطاعي علي من ربضوا دهرا في مناصب دولة الحكم المترهلة يرتعون وينهبون ويكنزون في عزبة السيد العجوز الذي اشتري دماغه ناشدا الاستقرار.. بينما وطن تركته يثقب الأنفاق في قلب جلمود صخر الجبال كما السكين في الزبد ليصنع شبكات للمواصلات تسهل الأمر علي حجاج بيت الله الحرام, وخادم الحرمين الشريفين يوافق علي خطة للتعليم بعيدة المدي والطموح تستغرق25 عاما لمعالجة التحديات الحالية والمستقبلية, وبدايتها إعادة هيكلة أقسام كليات الفنون لتضم أقساما للفن التشكيلي والنحت والجرافيك, مع البدء في تعليم اللغة الإنجليزية من الصف الرابع الابتدائي بنين وبنات لتغدو مادة أساسية مع العمل الجدي لتدريسها في مرحلة أكثر تبكيرا ليتقنها النشء السعودي في أمة تعيش النور والأمان والمستقبل.. هذا في الوقت الذي يستقبلني فيه وطني مدججا بالحزن ليتركني أتساءل كيف تحول الحلم الثوري فيه إلي كابوس طائفي.. مصر أمة في خطر تلك كانت العبارة المخيفة التي علق بها وزير العدل المستشار عبدالعزيز الجندي بنبرات متهدجة علي الصدامات الدامية بين المسيحيين والمسلمين في حي إمبابة, حيث مات نحو12 شخصا وجرح المئات وأحرقت كنيستان, وكانت من قبلها قضية كنيسة أطفيح وأحداث محافظ قنا, وقبلها تفجير كنيسة القديسين في الإسكندرية.. وكل قصص الصدامات الطائفية التي وقعت سواء قبل أو بعد25 يناير تدور حول حالات شخصية وقصص تبدو في أكثرها وهمية ومجرد شائعات, وحتي لو كانت حقيقية فإن مكانها محكمة الأحوال الشخصية كقضايا فردية, هذا لو كان العقل الجماعي للوطن لم يصبه فيروس الطائفية والخطاب المتطرف, ومهما تكن مخططات إثارة الفتنة أو الفوضي ماهرة فإنها في النهاية تستغل حالة قائمة لا يمكن دفن الرؤوس إزاءها في الرمال, وهذه الحالة تراث نما واستفحل علي مدي ثلاثة عقود ماضية من الخلافات والاحتكاكات الطائفية, وما زاد الطين بلة فيها هو تغاضي الدولة عن تطبيق القانون الحازم علي الجميع واللجوء لمصالحات شكلية وتسييس المؤسسات الدينية, والهلال مع الصليب, وجارتي المسيحية بتساعدني في الكعك, وزميلي المسيحي بيفطر معانا في رمضان, وقلت لأم ماتيلدا كل سنة وأنت طيبة في عيد السعف.. وأبدا لم تكن ثورة25 يناير هي التي فتحت الباب علي مصراعيه لصراع الطائفية, فالصراع قائم منذ فترة وإن ظل طويلا تحت السطح, والحل في مواجهته بحزم ومحاصرته بقانون وإلقاء الضوء علي روح التسامح في الإسلام, حيث جاء في القرآن الكريم: لكم دينكم ولي دين وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر ولا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي وجاء في وصيته تعالي للمؤمنين بأهل الكتاب ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن وفي وصيته للمؤمنين باتخاذ العدل يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنآن قوم علي ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوي واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون, والإسلام في لغة القرآن ليس اسما لدين خاص وإنما هو اسم للدين المشترك الذي هتف به كل الأنبياء وانتسب إليه كل أتباع الأنبياء, فالدين عند الله الإسلام.
هكذا نري نوحا يقول لقومه: أمرت أن أكون من المسلمين.
ويعقوب يوصي بنيه: فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون.
وأبناء يعقوب يجيبون أباهم: قالوا نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق إلها واحدا ونحن له مسلمون..
وموسي يقول لقومه: يا قوم إن كنتم آمنتم بالله فعليه توكلوا إن كنتم مسلمين..
والحواريون يقولون لعيسي: آمنا بالله وأشهد بأنا مسلمون, بل إن فريقا من أهل الكتاب ممن سمعوا القرآن قالوا آمنا به إنه الحق من ربنا إنا كنا من قبله مسلمين.
مصر.. مصر السلام وأرض السلام وليست أرض البلطجية والسيوف والمولوتوف وطلقات الرصاص وإشعال النيران والتكفير وسب الأديان.. وإذا ما كان الإخوة المسيحيون يعتزون بأن الله هو رب السلام فقد جاء الإسلام بخطوة أكبر إذ جعل السلام من أسماء الله الحسني.. الملك القدوس السلام.. وجعل القرآن الهداية للسلام, وأكد سبحانه أن الله يدعو إلي دار السلام, وذكر في آياته دعواهم فيها سبحانك اللهم وتحيتهم فيها سلام ويعد المتقين بالجنة ادخلوها بسلام آمنين وفي كتابه الكريم عن المسيح قال: وسلام عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيا, وقال الرسول صلي الله عليه وسلم: إن الله جعل السلام تحية لأمتنا وأمانا لأهل ذمتنا.. ولقد وضع الرسول صلي الله عليه وسلم دعائم مبادئ الإخاء بين المسلمين والنصاري عندما زاره وفد نصاري نجران في مسجده بالمدينة وأتي وقت صلاتهم فدعاهم الرسول ليصلوا طبقا لشرائعهم داخل مسجده ذاته.. مسجد النبوة.. فصلوا فيه صلاتهم لعيد الفصح, وأعطاهم عهده لنصاري نجران وعموم المتدينين بالنصرانية, وجاء في العهد بعد بسم الله الرحمن الرحيم: هذا كتاب كتبه محمد بن عبدالله بن عبدالمطلب, رسول الله إلي الناس كافة, بشيرا ونذيرا, ومؤتمنا علي وديعة الله في خلقه, ولئلا يكون للناس علي الله حجة بعد الرسل والبيان وكان عزيزا حكيما..
للسيد ابن الحارث بن كعب, ولأهل ملته, ولجميع من ينتحل دعوة النصرانية في شرق الأرض وغربها, قريبها وبعيدها, فصيحها وأعجمها, معروفها ومجهولها, كتابا لهم عهدا مرعيا, وسجلا منشورا, سنة منه وعدلا, وذمة محفوظة, من رعاها كان بالإسلام متمسكا, ولما فيه من الخير مستأهلا, ومن ضيعها ونكث العهد الذي فيها, وخالفه إلي غيره, وتعدي فيه ما أقرت, كان لعهد الله ناكثا, ولميثاقه ناقضا, وبذمته مستهينا, وللعنته مستوجبا, سلطانا كان أو غيره, بإعطاء العهد علي نفسي, بما أعطيهم عهد الله وميثاقه, وذمة أنبيائه وأصفيائه, وأوليائه من المؤمنين والمسلمين, في الأولين والآخرين: أن أحمي جانبهم, وكنائسهم وبيعهم وبيوت صلواتهم, ومواضع الرهبان, ومواطن السياح, حيث كانوا من جبل أو واد, أو مغار, أو عمران أو سهل, أو رمل, وأن أحرس دينهم وملتهم أينما كانوا, من بر أو بحر, شرقا وغربا, بما أحفظ به نفسي وخاصتي, وأهل الإسلام من ملتي, وأن أدخلهم في ذمتي وميثاقي وأماني, من كل أذي ومكروه أو مؤونة, أو تبعة, وأن أكون من ورائهم, ذابا عنهم كل عدو, يريدني وإياهم بسوء, بنفسي, وأعواني, وأتباعي, وأهل ملتي. ولا نغير أسقفا عن أسقفيته, ولا راهبا عن رهبانيته, ولا سائحا عن سياحته, ولا هدم بيت من بيوت بيعهم, ولا إدخال شيء من بنائهم في شيء من أبنية المساجد, ولا منازل المسلمين, فمن فعل ذلك فقد نكث عهد الله وخالف رسوله, وحاد عن ذمة الله, وأن لا يحمل الرهبان والأساقفة, ولا من تعبد منهم, أو لبس الصوف, أو توحد في الجبال والمواضع المعتزلة عن الأمصار شيئا من الجزية أو الخراج, ولا يجبر أحد ممن كان علي ملة النصرانية كرها علي الإسلام, ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن, ويخفض لهم جناح الرحمة ويكف عنهم أذي المكروه حيث كانوا, وأين كانوا من البلاد.. وإن أجرم أحد النصاري, أو جني جناية, فعلي المسلمين نصره, والمنع والذود عنه, والدخول في الصلح بينه وبين من جني عليه.. ولا يرفضوا, ولا يخذلوا, ولا يتركوا هملا, لأني أعطيتهم عهد الله علي أن لهم ما للمسلمين, وعليهم ما علي المسلمين, حتي يكونوا للمسلمين شركاء فيما لهم, وفيما عليهم.. ولا يحملوا من النكاح شططا لا يريدونه, ولا يكره أهل البنت علي تزويج المسلمين, ولا يضاروا في ذلك إن منعوا خاطبا وأبوا تزويجا, لأن ذلك لا يكون إلا بطيبة قلوبهم, ومسامحة أهوائهم, إن أحبوه ورضوا به. إذا صارت النصرانية عند المسلم, فعليه أن يرضي بنصرانيتها, ويتبع هواها في الاقتداء برؤسائها, والأخذ بمعالم دينها, ولا يمنعها من ذلك, فمن خالف وأكرهها علي شيء من أمر دينها, فقد خالف عهد الله وعصي ميثاق رسوله, وهو عند الله من الكاذبين.
ولهم إن احتاجوا في مرمة بيعهم وصوامعهم, أو شيء من مصالح أمورهم ودينهم, إلي رفد من المسلمين وتقوية لهم علي مرمتها, أن يرفدوا علي ذلك ويعاونوا, ولا يكون ذلك دينا عليهم, بل تقوية لهم علي مصلحة دينهم, ووفاء بعهد رسول الله موهبة لهم, ومنة لله ورسوله عليهم.
ولهم أن لا يلزم أحد منهم بأن يكون في الحرب بين المسلمين وعدوهم, رسولا, أو دليلا, أو عونا, أو عينا, ولا شيئا مما يساس به الحرب, فمن فعل ذلك بأحد منهم, كان ظالما لله ولرسوله عاصيا, ومن ذمته متخليا, ولا يسعه في إيمانه إلا الوفاء بهذه الشرائط التي شرطها محمد بن عبدالله رسول الله لأهل ملة النصرانية.. واشترط عليهم أمورا ألا يكون أحد منهم عينا ولا رقيبا لأحد من أهل الحرب علي أحد من المسلمين في سره وعلانيته, ولا يأوي منازلهم عدوا للمسلمين, ولا ينزلوا أوطانهم ولا ضياعهم ولا في شيء من مساكن عبادتهم ولا غيرهم من أهل الملة, ولا يرفدوا أحدا من أهل الحرب علي المسلمين بتقويته بسلاح ولا خيل ولا رجال ولا غيرها, ولا يصانعوهم, وأن يقروا من نزل عليهم من المسلمين ثلاثة أيام بلياليها في أنفسهم ودوابهم, يبذلون لهم القري الذي منه يأكلون, ولا يكلفوا بغير ذلك, وإن احتيج إلي إخفاء أحد من المسلمين عندهم في منازلهم ومواطن عباداتهم أن يؤوهم ويرفدوهم ويواسوهم في عيشهم ما كانوا مجتمعين, وأن يكتموا عليهم, ولا يظهروا العدو علي عوراتهم ولا يخلوا شيئا من الواجب عليهم.. ومن نكث شيئا من هذه الشرائط وتعداها إلي غيرها فقد برئ من ذمة الله وذمة رسوله وعليهم العهود والمواثيق التي أخذت عن الرهبان وأخذتها, وما أخذ كل نبي علي أمته من الأمان والوفاء لهم وحفظهم به, ولا ينقض ذلك ولا يتغير حتي قيام الساعة..
وشهد علي هذا الكتاب الذي كتبه محمد بن عبدالله بينه وبين النصاري: عتيق بن أبي قحافة, وعمر بن الخطاب, وعثمان بن عفان, وعلي بن أبي طالب, وأبي ذر, وأبوالدرداء, وأبوهريرة, وعبدالله بن مسعود, والعباس بن عبدالمطلب, والفضل بن العباس, والزبير بن العوام, وطلحة بن عبيدالله, وسعد بن معاذ, وسعد بن عبادة, وثمامة بن قيس, وزيد بن ثابت, وولده عبدالله, وحرقوص بن زهير, وزيد بن أرقم, وأسامة بن زيد, وعمار بن مظعون, ومصعب بن جبير, وأبوالغالية, وعبدالله بن عمرو بن العاص, وأبوحذيفة, وخوات بن جبير, وهاشم بن عتبة, وعبدالله بن خفاف, وكعب بن مالك, وحسان بن ثابت, وجعفر بن أبي طالب.
مصر.. التي قال المسيح لأبنائها: الله محبة.. وأتي من بعده محمد آخر الأنبياء يقول: أفضل الأعمال الحب في الله.. وقال المسيح: اغفر لهم يا أبتاه لأنهم لا يعلمون ما يفعلون, وقال محمد: اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون... وقال المسيح: سلاما أترك لكم وقال محمد: لا تؤمنوا حتي تحابوا.. ألا أدلكم علي شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟.. أفشوا السلام بينكم.
وليس هناك ما يطفئ ناري علي وطني من شر الفتنة الطائفية إلا قوله تعالي: كلما أشعلوا نارا للحرب أطفأها الله..
* نقلا عن صحيفة الاهرام المصرية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.