سألت الشاعر الغنائى الكبير مأمون الشناوى لو تصورنا أن أم كلثوم غنت «الربيع» بلحن فريد فما هو النجاح الذى من المتوقع أن تحققه؟ أجابنى: حدث تفاعل سحرى بين صوت فريد وهذا اللحن، وبالطبع أم كلثوم صوت لا يضاهيه ولا يقترب منه أحد إلا أنك لا تضمن أبدا أن يتكرر السحر مرة أخرى بين موسيقى فريد وصوت أم كلثوم!! سألته لماذا لم تغنِّ أم كلثوم لفريد؟ ولماذا لم تحاول إقناعها وأنت صاحب القسط الأكبر فى كتابة روائع فريد التى كانت «الربيع» واحدة من معالمها؟ أجابنى: السبب الحقيقى الذى لم تعلنه مباشرة أم كلثوم وقالته لى أنها لم تكن تحب المذاق الموسيقى لألحان فريد، سواء تلك التى لحنها لنفسه أو غناها الآخرون له. انتهت كلمات مأمون الشناوى رغم أن فريد الأطرش -الذى نحيى ذكراه رقم 38 غدا- كان لديه تفسير آخر لحالة التمنع «الكلثومى»، وهو أنها كانت تشعر بالغيرة من شقيقته أسمهان، ورغم رحيلها عام 1944 فإنها لم تنس أبدا أنه شقيق غريمتها الأولى وأول مطربة تهدد عرشها. الحقيقة أن فريد عمليا لم يتوقف عن طرق بابها وحتى رحيله، مثلا قدم لها قصيدة «وردة من دمنا» بعد هزيمة 67 وبعد عدة بروفات تراجعت وغناها بصوته، وبعد ذلك كرر المحاولة فى «كلمة عتاب» من كلمات أحمد شفيق كامل ووافقت أم كلثوم على الكلمات وأبدت سعادتها باللحن ورحل فريد فى 26 ديسمبر 1974 ورحلت بعده أم كلثوم بأقل من 40 يوما ولم يتحقق اللقاء، بل إن اللحن لم يكن فريد قد وضع له المقدمة بعد، ولهذا غنته وردة بعد أن استعان بليغ حمدى بأشهر مقاطع من موسيقى لأغنيات فريد، ومزج بينها فأصبحت هى مقدمة «كلمة عتاب». كانت هذه هى أكبر عقدة عاشها فريد، أما الثانية فإنها لقاؤه المستحيل مع عبد الحليم. وكان هناك أكثر من مشروع غنائى، اتفق مع الشاعر عبد العزيز سلام ولحن «يا وحشنى رد عليا إزيك سلامات» وأعلن عبد الحليم إعجابه باللحن، بل وغنى على عود فريد المذهب أكثر من مرة، ثم فجأة اختفى وتهرب وأراد فريد أن يلقنه درسا فمنح هذه الأغنية إلى منافسه الأول فى تلك السنوات منتصف الستينيات محرم فؤاد. ثم كانت أهم معركة بين الاثنين فى عام 1969 عندما جاء فريد من لبنان بعد ابتعاده عن مصر عدة سنوات وغنى «سنة وسنتين وانت يا قلبى تقول أنا فين» التى كتبها مأمون الشناوى وأراد فريد أن يغنى فى ليلة الربيع، وهو نفس موعد غناء عبد الحليم حافظ، كان التليفزيون يقدم دائما حفل عبد الحليم مساء يوم الأحد على الهواء مباشرة ولم تكن الدولة تملك وقتها سوى قناتين فقط، الأولى والثانية، وإمكانيات الدولة إعلاميا لم تكن تسمح سوى بوحدة واحدة للبث المباشر على الهواء. كيف يتم إذن حل هذا المأزق؟ لم يستطع ولا حتى وزير الإعلام د.عبد القادر حاتم إصدار قرار، فكان ينبغى أن تتدخل السلطة السياسية العليا. أصدر عبد الناصر أوامره بأن يذاع حفل فريد الأطرش على الهواء مباشرة ويسجل حفل عبد الحليم ليذاع فى ثانى يوم، ومنح جمال عبد الناصر وسام الفنون والعلوم من الطبقة الأولى لفريد وهو نفس الوسام الذى حصلت عليه من قبل أم كلثوم وعبد الوهاب، وهو ما لم يحظ به عبد الحليم حافظ.
العلاقة الساخنة بينهما كانت تشهد تراشقات فى الصحافة، ولم يحسم الأمر سوى هذا التسجيل الوحيد الذى جمع بين فريد وعبد الحليم عام 1970 للتليفزيون اللبنانى ويومها عاتبه فريد قائلا: إنت قلت إنى قدّ والدك، ورد عليه عبد الحليم بلاش يا سيدى ما تزعلش إنت قدّ جدى.. وقررا تكليل هذا اللقاء التليفزيونى بأغنية مشتركة وتم تكليف محمد حمزة بكتابة الأغنية، وكالعادة تهرب عبد الحليم فى اللحظات الأخيرة. نعم، لم تتحقق أمنية فريد بالتلحين لأم كلثوم وعبد الحليم حافظ، وخسرت المكتبة العربية ولا شك مذاقا إبداعيا له سحره، ولكن مكانة فريد ظلت كما هى، فلقد أمسك بالمجد من أطرافه، حتى لو لم يكن من بين ما أمسك به ألحان لأم كلثوم وعبد الحليم حافظ!!