1- بعد أكثر من خمسة أشهر من تقلده رئاسة الجمهورية، وبعد أحداث جسام حدثت فى مصر فى تلك الشهور كان الدكتور مرسى طرفًا مهمًّا فيها، نحاول قراءة بعض الجوانب الشخصية للدكتور مرسى (المتصلة بوظيفته كرئيس) والتى تؤثر فى قراراته وأفعاله خصوصا أنه حتى الآن يمسك بيده السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية ويتصارع مع السلطة القضائية (أو مع قطاع منها) بشكل مباشر أو غير مباشر، أى أنه بشخصه وشخصيته يؤثر فى حياتنا رضينا ذلك أم لم نرضَ. وأول ملمح فى القراءة هو التناقض الواضح بين صورتين للرئيس حيث يصفه مؤيدوه بالرجل الطيب، الزاهد فى السلطة، المتوضئ، المصلّى، حامل القرآن، «بتاع ربنا»، ويصفه معارضوه بالفرعون الإله. وهذه الازدواجية فى صورة الرئيس تقابلها حاليا حالة استقطاب ثنائية خطيرة فى المجتمع المصرى حيث انقسم إلى تيار إسلام سياسى يؤيد مرسى وتيار مدنى يعارضه.
وقد دخل الدكتور مرسى سباق رئاسة الجمهورية مرشحا احتياطيا عن حزب الحرية والعدالة ليكون بديلا لخيرت الشاطر فى حالة منع الأخير من الترشح، على الرغم من أن شعبيته سواء فى الشارع أو داخل الجماعة لا تصل إلى شعبية الشاطر، كما أن ملكاته الشخصية لم تكن هى الأفضل من بين كوادر الجماعة، ولم تكن ترقى إلى ما يتطلبه المنصب الرئاسى من قدرات وإمكانات (حسب قول كثير من المحللين).
وكان قبل دخوله معترك انتخابات الرئاسة يشغل منصب أستاذ دكتور مهندس بقسم علم المواد بجامعة الزقازيق، ورئيس حزب الحرية والعدالة وعضو سابق بمكتب إرشاد جماعة الإخوان المسلمين وأحد القيادات السياسية بالجماعة. ونائب سابق بمجلس الشعب المصرى دورة 2000- 2005.
وهو رجل تنظيمى عملى أكثر من كونه رجل فكر أو رؤية أو حلم أو خيال سياسى أو إبداع، وهو جندى مخلص للجماعة يقوم بالمهام التى يكلَّف بها بتفانٍ وإخلاص وإنكار شديد للذات (ولذلك تجدهم كثيرا ما يختارونه للمواقع المهمة).
فى رأى مؤيديه: يحترم الضوابط والقوانين (فى الجماعة وخارجها)، والأمثلة على ذلك: حين أُخرج من السجن إبان أحداث الثورة، ظهر على شاشات التليفزيون وأعلن أنه لم يهرب، وطلب من الشرطة أن تأخذه لأقرب سجن لقضاء فترة العقوبة (على الرغم من عدم قناعته باستحقاقه للعقوبة). وبعد الثورة حدثت مشكلة بين ولديه أحمد وعمرو وبين ضابط شرطة (يقال إنه استوقفهما فى كمين مرورى وتفوّه بسبّ الدين)، وتم تحرير محضر لهما واحتُجزا فى القسم للعرض على النيابة، وقد صرح هو وقتها: «إن كان ابنىّ قد أخطآ فى حق الضابط فليأخذ الضابط حقه بالقانون، وإن كان الضابط قد أخطأ فى حقهما فنحن متنازلون عن حقنا». أما فى رأى معارضيه فهو يحاول أن يحصّن نفسه ضد أحكام القضاء ويحاول أن يضع نفسه وقراراته فوق سلطة القضاء على أنها قرارات سيادية.
يميل إلى التعبيرات الناقدة وبصوت عالٍ وانفعالات واضحة، وهو شخص جاد وصارم وملامحه أقرب للملامح الريفية، ويعكس وجهه علامات هى مزيج من المعاناة والحزن والمرارة والغضب والتعب والألم التى تجدها فى وجوه الكثير من الكادحين والمتعبين من المصريين.
شعبيته ليست واسعة خارج نطاق الإخوان المسلمين وليست لديه كاريزما شخصية، ولا يهتم بمهارات وفنون التواصل، إذ ربما يشغله الإنجاز التنظيمى عن رضا البشر وعن العلاقات الإنسانية، أو هو ينشغل بالفكرة عن المشاعر، وهو حين يتكلم لا تشعر أنه ينظر إليك أو إلى أحد بل ينظر فى الفراغ، وأنه يتحدث إلى الناس ولا يتحدث معهم. وقد عاش سنوات طويلة من حياته فى الظل بعيدا عن الأضواء يمارس أعمالا تنظيمية سرية فى جماعة الإخوان، وفجأة وفى وقت قصير وجد نفسه على قمة السلطة فى مصر وتحت الأضواء الكاشفة، وقد يفسر هذا بعض الارتباك الذى شهدناه فى طريقة حكمه وفى كلامه وتصرفاته وقراراته، إذ هو خرج من السباحة فى الترعة الصغيرة إلى السباحة فى البحر المفتوح، وخرج من الأفق المحدود إلى السماوات الممتدة بلا نهاية.
مساحة الجبهة أضيق من مساحة الأنف، ومساحة منطقة الفم أوسع من الاثنين، والفك السفلى عريض والفم متسع. وهذا يعكس سمات عملية مادية أقرب للتنفيذ منها إلى الفكر أو التخطيط أو الإبداع. ويعكس أيضا قوة الحجة اللفظية والتصميم على الرأى، والمثابرة والجَلَد. ويندر أن تراه مبتسما خصوصا فى اللقاءات العامة. وفى أوقات النقاش الحاد تكون ملامح الوجه غاضبة وعصبية وحركات الذراعين كثيرة ومتوترة وتعكس غضبا داخليا.
وفى أغلب الأحيان يستخدم طبقات صوت عالية وعريضة تعبّر عن غضبه وانتقاده وتأزمه الداخلى ومعاناته الطويلة فى الحياة، فقد عاش حياة عائلية فقيرة وخشنة وقاسية وعاش بعد ذلك حياة عامة مهددة بالسجن والتشريد والمتابعة والترقب والترصد من قوى الأمن فى نظام مبارك.
وفى غالبية خطبه يقترب من الاستمالات العاطفية بقدر ما يبتعد عن الاستمالات العقلانية المنطقية، فخطاباته فى أغلبها ارتجالية ومليئة بالعبارات الإنشائية، وبها الكثير من الحشو الذى يمكن الاستغناء عنه، وفقيرة من ناحية الأرقام والإحصائيات الدقيقة. ويرى مؤيدوه أن خطابه بسيطا ويصل إلى طبقات الشعب الفقيرة بسهولة، أما معارضوه فيرون أن خطاباته تخلو من العناصر الثلاثة للخطاب الناجح وهى: المصداقية والجاذبية والسلطة المعنوية، وأنه يخطب لمن يعرف ولاءهم وانتماءاتهم ليصفقوا له عند كل مقطع. وبالنسبة إلى أى خطاب ناجح لا بد أن يكون له ثلاثة عناصر: 1- بداية: ويجب أن تكون قوية وجذابة ومثيرة لاهتمام السامع حتى يتابع الخطاب. 2- وسط: وفيه يصول ويجول ليؤكد فكرته ويوضحها. 3- نهاية: ويجب أن تلخّص المطلوب بشكل جذاب ومحدد وأن يحدث التأثير المطلوب فى وعى المتلقى وسلوكه. وفى خطابات مرسى تضيع هذه الخصائص، حيث يسير خطابه على نمط واحد، يغلب عليه عدم الدقة والحماس الشديد.
وهو يتوجه بخطابه فى الأغلب إلى مؤيديه، فيقول «أيها الأحباب»، وهى كلمة خاصة بالخطاب الإخوانى، وحين يتذكر أنه الآن رئيس لمصر كلها يستدرك فيقول «أيها الشعب المصرى العزيز».
ويبدو الارتباك واضحا فى الخطابات على مستوى اللغة اللفظية واللغة غير اللفظية، فهو يقرر أشياء ويَعِد بأشياء ثم يتراجع عنها المرة تلو الأخرى، كما أن الصوت مرتفع والنبرة غاضبة ومهددة أحيانا، وحركات الجسم تظهر انفعالا واضحا.
يستخدم يديه وذراعيه بكثرة فى أثناء الحديث، وكأنه يحاول تصريف شحنة القلق والتوتر من خلال حركات الجسد. وأحيانا يفتح ذراعيه فى حركة احتضانية استرضائية أبوية أو أخوية كريمة. وعلى العكس فإن راحة يديه تشير إلى أسفل فى كثير من الأوقات وهذا يعكس سمة الرغبة فى السيطرة والتحكم. وأحيانا يقرّب أطراف أصابع يده من السبابة فى إشارة تحديدية وتخصيصية حين يريد الدقة فى التعبير. وفى المواقف الضاغطة يستخدم السبابة السلطوية فى اليد الواحدة وأحيانا فى اليدين للتحذير والتهديد، مع ملامح وجه صارمة، ونظرة عين غاضبة.
وكان يلاحَظ خلال الحملة الانتخابية للدكتور مرسى أن أداءه اللفظى وغير اللفظى يتحسن تدريجيا ربما بفعل تكرار اللقاءات أو بتأثير نوع من التدريب يتلقاه من بعض المستشارين. وحين تولى الرئاسة لوحظ أنه يكثر من إلقاء الخطابات الجماهيرية بشكل لافت للنظر، وقد بدأ سلسلة خطاباته بعد توليه بخطابين أحدهما فى ميدان التحرير والثانى فى جامعة القاهرة، وقد حاول أن يبدو فى خطاب التحرير ثائرا قريبا من الناس وخرج عن بروتوكولات الرئاسة حين ابتعد عن المنصة واستخدم هتافات وعبارات ثورية وحين فتح جاكتته ليعلن للناس أنه يشعر بالأمان بينهم وأنه لا يلبس قميصا واقيا من الرصاص، وقد أعجبت هذه الطريقة بعض الناس بينما رآها البعض الآخر خروجا عن ضوابط وبروتوكولات ووقار الرئاسة، وأنها نوع من الخطاب الشعبوى. أما خطابه فى جامعة القاهرة فقد حاول فيه أن يظهر بمظهر رجل الدولة من حيث انضباط الخطاب وتوكيد العبارات والدقة فى اختيار الكلمات.
ويلاحظ أن الرئيس فى خطاباته بشكل عام يميل إلى الإطالة وإلى التكرار وإلى الدخول فى تفصيلات كثيرة يمكن الاستغناء عنها، وهو يمزج بين الخطاب الدعوى والسياسى، فتارة يتحدث كرئيس وتارة أخرى يتحدث كخطيب فى مسجد قروى أو شعبى. ويميل دائما إلى استخدام العبارات الحماسية التقليدية المحفوظة والشعارات العامة، ولذلك كان ينجح فى مخاطبة الطبقات الشعبية البسيطة فى الريف والأحياء الشعبية، ولكن هذا الأسلوب لم يكن مرضيا لطبقة المثقفين ومجتمع النخبة. وهو فى نظر مؤيديه نموذج متواضع وبسيط للرئيس يقترب من كل الطبقات خصوصا البسيطة والفقيرة والمعدمة، أما فى نظر معارضيه فهو لا يتجاوز مستوى عضو فى مجلس محلى فى قرية.
وهو يحاول أن يحاكى الزعامات التقليدية القديمة فى الستينيات من حيث ركوب العربة المكشوفة والتلويح للجماهير واستثارة مشاعرها بالعبارات الحماسية والشعارات الثورية (كما حدث فى خطاب استاد القاهره)، ويسعى إلى استرضاء الناس بعبارات عائلية عشائرية «أهلى وعشيرتى» «حقوق الأقباط فى رقبتى» «حقوق الشهداء فى رقبتى»، ولهذا كان منتقدوه يصفون خطابه بأنه خطاب أخلاقى عائلى عشائرى وليس خطابا سياسيا، وأن أداءه انفعالى وصوته أعلى مما ينبغى للمقام الرئاسى، وأن الأُذن رغم ذلك لا تحتفظ بكلماته كثيرا، ربما لأنها كلمات مفرطة فى العادية.
ولغة الكلام لديه -حين يكون هادئا- تبدو فيها الطيبة والأبوية والأخوية والبساطة والتديّن والمحافظة والتقليدية والنمطية، وتبدو المرجعية الدينية واضحة فى كثير من عباراته «أطيعونى ما أطعت الله فيكم...»، ولهذا يعكس نموذجه السلطوى مزيجا من السلطة الدينية والسلطة الأبوية (الراعية والناقدة معا) وربما هذا ما يفسر معارضة شباب الثوار له حيث هم قد انتفضوا فى ثورة يناير ضد السلطة الأبوية التى كان يمثلها مبارك، ويخشون السلطة الدينية التى تجعل المعارضين خارجين عن نطاق الدين. وتسيطر المعايير والمصطلحات الدينية على خطابه، فمثلا يصف موقفه أمام موقف معارضيه: «الحق أبلج والباطل لجلج»، وقد أثارت هذه الكلمات قلقا لدى المراقبين لخطابات الرئيس والمحللين لها حيث وجدوا أن الرئيس يبتعد عن لغة النزاع السياسى إلى لغة النزاع الدينى، وهذا يشكل خطورة فى إدارة البلاد حيث يوصم المعارضون بأنهم أهل الباطل.
وكثيرا ما كانت بلاغته اللفظية (الخالية من جماليات اللغة ورِقّتها) تأخذه بعيدا عن منطقية وموضوعية وتحديدية الخطاب السياسى، فمثلا حقوق الأقباط وحقوق الشهداء وحقوق الفقراء وحقوق المرأة فى المفهوم السياسى لا تكون ضمانتها فى رقبة الرئيس ولكن تكون فى تشريعات وإجراءات محددة من خلال أجهزة الدولة ومؤسساتها المستقرة.
وقد انتقده معارضوه بأن خطابه يخلط بين السياسى والدينى والإنسانى والعاطفى والبلاغى، وهو أيضا يخلط بين المواطنة والعشائرية والقبلية، ولا تحوى خطاباته خططا واضحة أو مشروعات محددة وإنما عناوين ووعود. وهو يعتمد على رسائل الطمأنة والاسترضاء والاحتضان ويدعو إلى التوافق والتصالح واللُّحمة العامة دون وجود آليات لذلك.
ومما كان يزيد من نسبة الأخطاء التى كانت تؤخذ عليه فى خطاباته ميله إلى الارتجال واعتماده على قدرته اللفظية وشحناته العاطفية، ولهذا كان المتربصون به والمراقبون له يستطيعون أن يجدوا ثغرات يهاجمونه منها بسهولة وربما أيضا يجعلونها محلا للسخرية.
وفى أغلب أحاديثه يميل إلى الوعد بتوفير الاحتياجات الحياتية الأساسية للمواطن البسيط، وهذا محمود ومقدَّر لدى الطبقات المعدمة، وهى كثيرة فى مصر، ولكن يغيب عن الخطاب آفاق حضارية أعلى تتشوق إليها الطبقة المتوسطة والطبقات الأعلى فى المجتمع، فالناس لا يعيشون فقط على الخبز والبنزين وأنابيب البوتاجاز، ولهذا لم ينجح فى إقناع النخبة أو الوصول إليها مما جعل هذه النخبة تثور عليه فى كثير من المواقف.
2-
على الرغم من تواضعه وبساطته التى عُرف بها قبل أن يكون رئيسا، واعتراضه على قيود الحراسة بعد فترة قصيرة من توليه المنصب فإننا رأيناه بعد ذلك يتحرك فى مواكب حاشدة وحراسات مشددة من مكان لآخر مما كان يشكِّل ضغطا شديدا على الأماكن التى يذهب إليها نتيجة احتياطات الأمن الهائلة التى تحيط به. وكثيرا ما كان يلقى بخطبه من المساجد، وهذا أمر متوقَّع منه حيث مرجعيته الدينية تجذبه لبيوت الله، ولا عيب فى ذلك فى نظر مؤيديه من المتدينين، ولكن معارضيه من التيارات المدنية كانوا يتساءلون: لماذا لم نره يزور مصنعا أو جامعة أو مزرعة أو أى مكان إنتاجى أو علمى كما يزور المساجد؟
يراه أنصاره رجلا طيبا يحفظ كتاب الله ويصلّى الفجر وسائر الصلوات، ويرونه موفَّقًا فى قراراته بتأييد ربانى وأنه فى الأساس اختيار ربانى، وعلى العكس يراه معارضوه محدود القدرات الشخصية والإدارية والسياسية، وأنه مندفع ومرتبك فى قراراته ولذلك يتراجع عنها مرة بعد الأخرى حين تُحدِث زلزالا فى المجتمع أو فى مؤسساته لأنها لم تُدرَس جيدا، وأنه وضع مصر لأول مرة فى تاريخها على حافة الحرب الأهلية حين أصدر إعلانه الدستورى فى 21 نوفمبر 2012م والذى كان يريد أن يحصّن به قراراته من الطعن القضائى وأن يحصّن مجلس الشورى ويحصّن الجمعية التأسيسية من الحل، وهو ما اعتبره المعارضون انقضاضا ديكتاتوريا على شرعية مؤسسات الدولة خصوصا القضاء مما أدى إلى خروج مئات الآلاف إلى شوارع مصر وميادينها يرفضون ذلك الإعلان ويرفضون الجمعية التأسيسية ويرفضون الدستور مما اضطر الدكتور مرسى إلى التراجع عن هذا الإعلان بعد أن سالت دماء المصريين فى مواجهة حول قصر الاتحادية بين أنصار مرسى ومعارضيه تحولت لساعات إلى حرب شوارع.
والدكتور مرسى يمارس السياسة بقدر بسيط من الخبرة ربما لا يكفى لمواجهة التحديات التى تفرضها الظروف الثورية الصعبة التى تجعل الناس فى حالة غليان واستنفار وغضب يشتعل فى أى لحظة، ومع هذا كان يفضل طريقة المطرقة فى قراراته السياسية وقد نجحت هذه الطريقة فى التخلص من سلطة المجلس العسكرى حين فاجأ الجميع بقرار إقالة المشير طنطاوى والفريق سامى عنان مما اعتبره الكثيرون، مؤيدين ومعارضىن، «ضربة معلم» من الرئيس مرسى باغت بها قادة المجلس العسكرى وأربك حساباتهم وتخلص من وصايتهم على السلطة، وخلّص مصر من حكم العسكر بعد أن دام ذلك الحكم لأكثر من ستين سنة، وأصبح بذلك رئيسا مدنيا منتخبا مكتمل الصلاحيات. وربما يكون نجاح مرسى فى ضربة المطرقة الأولى قد أغراه بضربة المطرقة الثانية وهى الإعلان الدستورى السابق ذكره والذى أراد به التخلص من إزعاج السلطة القضائية له (وربما ترتيبات بعض قياداتها ضده كما ذكر هو) وتحصين قراراته ضد أحكام القضاء، ولكن هذه المطرقة الثانية كادت تعصف ليس فقط بكرسى الرئاسة بل بأمن مصر واستقرارها وكادت تضع بداية لحرب أهلية طاحنة.
3- يستخدم طبقات صوت عالية وعريضة تعبر عن غضبه وانتقاده وتأزمه الداخلى ومعاناته الطويلة فى الحياة
مما يؤخذ على الدكتور مرسى خطابه فى مناسبة انتصار السادس من أكتوبر الذى ألقاه فى استاد القاهرة ودخل إلى ساحة الاستاد فى عربة مكشوفة وفى مظهر استعراضى مبالَغ فيه استفزّ مناوئيه وأغضب الكثيرين من مؤيديه، وكانت كلماته فى هذا الخطاب تخلو من الدقة والموضوعية فى الحديث عن حجم الإنجازات فى المئة يوم الأولى لحكمه فى مجال الأمن والنظافة والطاقة وأشياء أخرى، حيث ظهر مبالِغًا فى تقدير نجاحه وبعيدا عن الواقع الذى يشعر به الناس، كما بدا منتشيا فَرِحًا أكثر مما تحتمله الظروف التى تمر بها البلاد.
ويؤخذ عليه أيضا خطابه الذى ألقاه فى الجموع من أنصاره فى ساحة قصر الاتحادية، فقد أخطأ فى اختيار المكان حيث كان يعتصم الآلاف من معارضيه فى التحرير، وكان المفترض أن يخاطب الجميع من مكان محايد، ولكنه وقع فى المحظور وبدا مستقطبا إلى جمهوره الذى احتشد حوله فى الاتحادية ونزع عنه حيادية الرئيس وجعله يبدو نصيرا ومؤازرا لأهله وعشيرته فى الاتحادية، وبعيدا ومبتعدا عن مناوئيه فى التحرير، ولم تفلح كلماته التى ذكر فيها أن جسده فى الاتحادية وقلبه فى التحرير، لم تفلح تلك الكلمات فى محو صفة التحيز والانتماء لفريق دون فريق.
ومما يؤخذ عليه حديثه فى خطاباته عن مؤامرات لا يقدِّم عليها دليلا (حين ذكر فى خطاب الاتحادية أن 5، 6، 7، 3، 4، أفراد يجتمعون فى حارة مزنوقة -على حد قوله- ليدبروا المؤامرات ضد استقرار البلد)، وحديثه عن نتائج تحريات النيابة فى أحداث الاتحادية، بينما لم تكن التحقيقات قد بدأت، مما جعل معارضيه يشككون فى مصداقيته ونزاهته وحياده، وأيضا إعطائه الوعود مع عدم تنفيذها، وتراجعه عن قرارات خطأ اتخذها المرة بعد المرة دون أن يحاول التأنى فى قراراته حتى لا يضطَّر إلى سحبها بعد أن تكون قد أحدثت آثارا سلبية هائلة.
وتبدو الحيرة والارتباك فى فهم مسيرة وقرارات الدكتور محمد مرسى حيث تبدو بعض التناقضات والاندفاعات والحركة فى خطوط متباعدة ومتقاطعة، وربما يرجع ذلك إلى كون الدكتور مرسى لديه استحقاق لجماعة الإخوان المسلمين ولديه استحقاقات أخرى لأشخاص ساعدوه من داخل وخارج الجماعة، وأن هؤلاء جميعا يشاركون فى رسم الخطوات واتخاذ القرارات فتظهر الصورة مضطربة ومرتبكة وأحيانا متناقضة. وهذا يعطى فرصة لمعارضى الرئيس فى التربص به واستغلال تناقضاته وأخطائه للتشهير به وللتدليل على عدم جدارته بالمنصب، ويضيفون إلى ذلك أنه وعد بأشياء كثيرة ولم يفِ بها، وأنه يقول أشياء وينفذ أشياء أخرى. بينما يرى مؤيدوه أنه يعمل فى إطار مؤسسى تشاورى، وأن رجوعه عن بعض قراراته يعكس مرونة وتفهما للظروف التى تستجد ويؤكد أنه ليس عنيدا كمبارك وأنه ينزل على إرادة الشعب حين يتبين له ذلك وأن لديه القدرة والشجاعة على تعديل أو تصحيح قراراته.
وفى النهاية هو بشر يصيب ويخطئ وما زال يحاول الإمساك بدفة الأمور حتى لا تجنح منه سفينة الوطن، وهو طول الوقت تحت ضغط من مناوئين غاية فى الشراسة والتحفز، وفى نفس الوقت يتلقى الدعم والمساندة من الجماعة التى خرج من أحضانها وحضانتها، جماعة الإخوان المسلمين، وسنرى فى المستقبل القريب هل مرسى يسير على طريق موسى ومحمد (كما يراه أنصاره) أم فرعون (كما يراه معارضوه)؟