«اللى نعرفه أحسن من اللى مانعرفوش.. اللى يتجوز أمى أقوله يا عمى.. الباب اللى يجيلك منه الريح سده واستريح.. وخلينا ماشيين جنب الحيط». هذه الأمثال الشعبية أصبحت خلال ال30 عاما الماضية وربما قبلها بفترة تمثل ثقافة المجتمع السائدة والحاكمة لتفكيره، كما كان يتم استخدامها لتبرير العجز وعدم الرغبة فى مقاومة الظلم والفساد أولتبرير ثقافة السلبية والتواكل التى كانت منتشرة قبل ثورة 25 يناير، وكانت للأسف الشديد تمثل سلوكا عاما ومنهجا منتشرا فى معظم طبقات الشعب إلى أن انتفض المارد يوم 25 يناير وتحرك الشعب ثائرا على تلك المفاهيم البالية، مطالبا بالتغيير وكاسرا حاجز الخوف ولا يهاب الموت فى سبيل الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية. بالطبع حاول البعض استعادة الثقافة المباركية مرة أخرى أثناء اعتصام التحرير، خصوصا بعد الخطاب العاطفى لمبارك، فقد بدأ البعض يحاول شق الصف مستخدما مصطلحات جديدة« إيه المشكلة لما مبارك يكمل 6 شهور كمان، انتوا عملتوا شىء رائع بس كفاية كده بقى وروحوا وسيبوا التحرير، حرام عليكم خربتم البلد». أعلم بالطبع أن كثيرا من المواطنين الذين رددوا تلك الآراء والنصائح لم يكونوا أعداء للثورة، بل كان كثير منهم ممن نزلوا يومى 25 يناير و28 يناير، ولكن كما كانت هناك جهات أمنية لها دور كبير فى ترويج تلك الثقافة فى الشارع قبل 25 يناير 2011 لعبت نفس تلك الأجهزة دورا ضخما فى نشر تلك الآراء مستغلين حب المصريين للاستقرار، ومنهم من تأثر بالخطاب العاطفى لمبارك، بالإضافة للعديد من المواطنين البسطاء الذين تأثرت أعمالهم اليومية البسيطة بالثورة. ولكن مع إصرار شباب الثورة فى ال18 يوما على عدم ترك الميدان تحقق الحلم ورحل مبارك رغم استعانة الأجهزة الأمنية بالعديد من الائتلافات الوهمية لمحاولة التشتيت وإبقاء مبارك فى الحكم. وبعد رحيل مبارك خرج الجميع للاحتفال فى الشوارع سواء كانوا من المعتصمين فى التحرير أو من مؤيديهم وحتى من كانوا يهاجمون الثورة ويؤيدون بقاء مبارك حتى سبتمبر رأيناهم يحتفلون فى الشوارع برحيل مبارك عن الحكم. عندما كان الشباب الداعى للتغيير ينزل الشارع للنقاش مع الناس والدعوة للتغيير قبل الثورة كان السؤال الدارج فى هذا الوقت: مبارك يمشى؟ يمشى يروح فين؟ ومين ييجى مكانه؟ وهانعمل إيه بعد ما يمشى؟ مستحيل مبارك يمشى؟ إنتوا عايزين تخربوا البلد. والآن شىء مشابه يتكرر رغم كسر حاجز الخوف وانفتاح الحياة السياسية، أصبحت العبارات الآن: المجلس العسكرى يمشى؟ يروح فين؟ طيب مين اللى يحكمنا؟ انتوا عايزين تخربوا البلد؟.. وكأن المجلس العسكرى باق أبد الدهر لحكم مصر، وكأنه لن يكون هناك رئيس مدنى يختاره الشعب. ربما يكون البعض مختلفا فى توقيت تسليم السلطة، وربما نكون متشككين فى رغبة المجلس العسكرى فى تسليم السلطة تسليما تاما خصوصا مع تكرار الوعود التى لا تتحقق، لكن من المؤكد أن هذا الجيل لن يسمح باستبداد جديد. أشياء كثيرة تتكرر، مبارك يتشبث بالسلطة، مبارك يستخدم العنف لقمع المتظاهرين، مبارك يستخدم بعض الأحزاب ضد المعارضة الحقيقية، مبارك لا يفى بوعوده، مبارك كان يستهزئ بمعارضيه «خليهم يتسلوا»، مبارك رد فعله متأخر كثيرا مما أدى إلى رحيله عن السلطه بثورة شعبية. يرى الكثيرون أن العديد من الأفعال يكررها المجلس العسكرى، ولم لا؟ فهذا المجلس العسكرى جزء من نظام مبارك ومن نفس مدرسته وهو من فوضه مبارك للحكم، تشويه للثورة وشبابها، استخدام نفس ثنائية الأمن والإعلام من أجل إضعاف المعارضين، البطء فى إصدار القرارات، والاستهزاء بقدرات المعارضين، والآن يتم التعدى على السلطات التشريعية لمجلس الشعب وإصدار قوانين بدون إذن مجلس الشعب، مما يؤكد جميع المخاوف التى تم إعلانها من قبل ولكن هل سيقبل شباب الثورة ذلك؟.. الإجابة فى الأيام المقبلة.