قرْب الفجر قرر الأخ الرئيس مرسى إيقاف العمل بالقانون الذى أصدره بزيادة الضرائب ورفع أسعار ما يقرب من خمسين سلعة. وكان مرسى قد أصدر المرسوم بالقانون الخاص بهذه الزيادات الكبيرة فى الضرائب قبل أيام فى الخفاء، ونشره فى الجريدة الرسمية دون أن يعلن عنه. وقام بتحصينه قبل إلغاء الإعلان غير الدستورى السابق.
لا تظن -عزيزى القارئ- أن الحكمة قد هبطت فجأة فى ساعات الفجر، فقام الأخ الرئيس بوقف العمل بالقانون الذى كان قد تم الكشف عنه قبل ساعات.
ليست الحكمة بطبيعة الحال، ولكنه فرق التوقيت بين القاهرةوواشنطن!!
قبل ساعات فقط من هذا التراجع التكتيكى، وبعد أن تم الكشف عن مصيبة زيادة الضرائب بهذه الطريقة التى تضرب الفقراء قبل الأغنياء، وتضاعف العبء على الملايين التى تكافح لكى تبقى فقط على قيد الحياة، فى ظل الازدهار العظيم الذى تتمتع به مع برنامج «النهضة» وميليشيات الرئيس وجماعته.. قبل ساعات فقط كان عدد من الوزراء والمسؤولين والمساعدين والأنصار وكذّابى الزفة يطوفون على قنوات التليفزيون للترويج لقرارات زيادة الضرائب ورفع الأسعار، وكان بعض ما يقولونه يؤكد أننا أمام سلطة فقدت الطريق، أو فقدت العقل، أو فقدت الاثنين معا!!
أحد الوزراء كان يبدى دهشته من اعتراض الناس على هذه القرارات «الحكيمة» ثم يسأل: لماذا تعترضون عليها، ولا تعترضون على ما يقوم به القطاع الخاص من رفع الأسعار فى كل يوم؟!
اللهم إنا نسألك ثبات العقل حين نسمع مثل هذا الحديث الذى يؤكد أننا أمام سلطة لا تعرف أبسط واجباتها، ولا تفهم أن الحكومة غير القطاع الخاص. وأن البقال والمكوجى وبائع الفول ليسوا مسؤولين عن أمن الوطن أو تحقيق العدالة الاجتماعية أو توفير أبسط مقومات الحياة للمواطنين. إنها مسؤولية الحكم، لا مسؤولية القطاع الخاص، وإلا فما الفرق بين سعادة الوزير وبائع الطماطم الذى رفع أسعاره، فقلده الوزير؟!
المهم أنه بعد ساعتين من هذا الدفاع المستميت عن حكمة القرارات التى اتخذها الرئيس، عاد الرئيس وأوقف هذه القرارات!! لم يكابر كما فعل فى الإعلان غير الدستورى، لأنه أدرك أن اللعبة هنا أكبر من هذا العبث الصغير بمستقبل البلاد!!
كان مرسى وجماعته وحكومته يعرفون موعد الاستفتاء على الدستور قبل اتخاذ قرارات رفع الأسعار. ومع ذلك اتخذوا القرارات التى صدمت الناس!! فكانوا يتصورون أن القرارات يمكن تمريرها، وأن الدعم الأمريكى لهم سيزداد بعد أن يثبتوا أنهم قادرون على المضىّ فى السياسات الاجتماعية والاقتصادية المعادية للفقراء، بأكثر مما فعل نظام مبارك نفسه!!
التراجع فى الفجر (حتى لو كان مؤقتا) يثبت أن الموقف أصبح أكبر من هذه السلطة الفاشلة، ويشير إلى أن حلفاءهم فى واشنطن بدؤوا يدركون أنهم أصبحوا عبئا عليهم، قد يزيِّفون استفتاء على دستور باطل، ولكن هذا لا يمنحهم أى شرعية، ولا يجعلهم الصالحين لكى يراهن عليهم أحد فى المستقبل.
مرسى أوقف القرارات ولم يقم بإلغائها، لأنه لا يملك ذلك ما دام قد خضع لشروط صندوق النقد. وبعد الاستفتاء المزعوم، سينفذ قراراته إذا استطاع، وإذا بقيت له الشرعية للقيام بذلك. الاستفتاء المزعوم ليس على الشريعة كما يقول الكاذبون المنافقون، وليس بحثا عن استقرار لن يتحقق بالاستبداد وحكم الميليشيات، الاستفتاء المزعوم هو طريق مرسى لتحرير سياسة صندوق النقد، ولسحق الفقراء بزيادة الضرائب ورفع الأسعار. من يبحث عن رضا صندوق النقد ودعم أمريكا لا يمكن أن يكون ممثلا لثورة خرجت فيها الملايين، وما زالت، تطلب الخبز والحرية والاستقلال.
قرارات كثيرة سوف تصدر فى الفجر بسبب فروق التوقيت!! لكن القرار الحاسم سوف تصدره الملايين التى استعادت روح الثورة، وخرجت ترفض الاستبداد والفاشية وتطلب العدل وحقوق الفقراء.