فى ساعة متأخرة من مساء الخميس الماضى، تحدث الدكتور مرسى عبر التليفزيون، فصدم الأمة حين تجاهل الأسباب الحقيقية للأزمة، وتهرب من الاستجابة لمطالب الشعب، وتحول من رئيس منتخب يفترض فيه أن يكون رئيسا للمصريين جميعا.. إلى محام فاشل يحاول تبرئة جماعته وحزبه من مسؤولية المذبحة التى روعت مصر فى اليوم السابق، والتى راح ضحيتها عدد من الشهداء ومئات الجرحى من أطهر شباب مصر.
كان ضمن ما قاله الدكتور مرسى أنه قد تم القبض على العشرات من المجرمين العتاة الذين كانوا وراء المذبحة، والذين ضُبطوا ومعهم مختلف أنواع الأسلحة، واعترفوا بجرائمهم وبالذين حرضوهم من كبار السياسيين، والذين مولوهم من الداخل والخارج، وأن السلطات بصدد الكشف عن المتآمرين الذين لم يكونوا فقط وراء مأساة الأربعاء الدامى عند مقر الاتحادية، بل كانوا أيضا هم الطرف الثالث أو «اللهو الخفى» الذى تسبب فى كل الأحداث المأساوية منذ الثورة.
فى اليوم التالى، وقبل أربع وعشرين ساعة، كان رجال النيابة العامة يصدرون قراراتهم بالإفراج عن أكثر من مئة وثلاثين من الشباب المقبوض عليهم دون توجيه أى اتهام.. وكانت الحقائق تتضح. فهؤلاء الشباب هم ضحايا وليسوا متهمين.. تم اختطافهم من جانب ميليشيات الجماعة والحزب اللذين ينتمى إليهما الدكتور مرسى. وأن هؤلاء الشباب تم احتجازهم فى أماكن أعدتها الميليشيات فى نطاق قصر الرئاسة، حيث تعرضوا لأبشع أنواع التعذيب والضرب والعدوان الهمجى باستخدام كل الأسلحة، وتحت إشراف قيادات معروفة من الحزب والجماعة.. وعندما انتهت حفلات التعذيب النازية، سُمح للشرطة بأن تتسلم الضحايا من «الاتحادية» دون أن تسأل عن المجرمين الذين اختطفوا، وعذبوا، وكسروا العظام وطعنوا بالسكاكين.
وبينما كان الدكتور مرسى يعلن بنفسه نتائج تحقيقات لم تتم (!!) ويوجه اتهامات كاذبة لمواطنين شرفاء (!!) كانت الحقائق تتكشف أمام النيابة التى لم تجد أمامها سبيلا إلا الإفراج عن الأبرياء من ضحايا إرهاب الأهل والعشيرة من ميليشيات جماعة الدكتور مرسى!!
أى حديث عن «الشرعية» لا يمكن أن يكون جادا، إلا بعد كشف كل الحقائق، ومحاسبة كل المسؤولين عن هذه الجريمة وغيرها من الجرائم التى ارتكبت فى يوم الأربعاء الحزين، أى حديث عن «الشرعية» لا بد أن يجيب عن أخطر الأسئلة التى تواجهنا مع هذه الوقائع.. كيف اختفت الدولة وظهرت الميليشيات؟ من هؤلاء الذين أعطوا لأنفسهم سلطة اختطاف المواطنين وتعذيبهم واستجوابهم وقتلهم؟ هل أصبحت ميليشيات «الجماعة» هى البديل عن أجهزة الدولة؟ وهل الذين هتفوا بأنهم «رجالة مرسى» وهم يقتحمون محيط «الاتحادية» هم بداية عصر الميليشيات؟ وكيف تورط الدكتور مرسى فى اتهام أبرياء والدفاع عن قتلة.. وما مسؤوليته القانونية والسياسية عن ذلك؟
حماية الشرعية مسؤوليتنا جميعا.. ولكن كيف تبقى الشرعية حين تختفى الدولة وتظهر الميليشيات، وحين تقام مراكز الاحتجاز والتعذيب على أبواب قصر الرئاسة، وحين يوجه الرئيس الاتهامات الكاذبة إلى الأبرياء، بينما «الأهل والعشيرة» يرتكبون الجرائم، ويقودون مصر إلى الكارثة، وهم يهتفون بأنهم «رجالة مرسى فى الميدان»؟!!