هو اليوم الأحد 26 من ربيع الأول سنة 1431 هجرية 14 من شهر مارس 2010 ميلادية. نعم يوم له تاريخ في السجل الذهبي للعدالة. نعم هو يوم فاصل وحاسم وحازم في حاضر ومستقبل العدالة.. في عزتها في كرامتها.. كبرياء وإباء. وتسأل اليوم: عيد بأية حال عُدت يا عيد بما مضي أم بأمر فيك تجديد نعم.. إن جئت بالسواد فإنا سنقول: ولكم أذل الحرص أعناق الرجال. إنها ملحمة قانونية بين فرسان العدالة وأئمة القانون ولهذا فإنها مواجهة.. ملحمة ضارية لا تدور رحاها في خجل أو استحياء، بل علانية وفي باكورة صباح اليوم.. في وضح النهار والضياء. نعم إنها ملحمة التحدي بين السلطة القضائية وتآمر يتغيا قص أجنحتها وإفقادها سلطتها.. هيبتها حتي لا تقوم لها قائمة وتجر أخواتها معها إلي سلطة المحاكم وخسوف قمر المحكمة الدستورية العليا.. آخر درة وضعت في تاج القضاء وجبين العدالة. ولعله يحق لي أن أسجل درءاً لما قد يزعم به أحد الأطراف بأن هذا الخطاب.. هذا الكتاب يتغيا التأثير في المنصة العالية لقلعة القضاء الدستوري والإداري، لأنه يتناول مشكلة قانونية مطروحة علي المحكمة الدستورية العليا فذلك مردود بأن الذي يطرح علي المحكمة الدستورية العليا ليس من قبيل أو فصيل الأنزعة القضائية، بل هو محض خلف بين رأيين وخلاف بين جهتين قضائيتين لكل منهما استقلاله وحصانته.. ومن ثم اجتهاد في فهم وتفسير وتأويل نصوص القانون، وأي القولين أصدق قيلاً وأيهما أهدي سبيلاً. وفي هذا فليتنافس المتنافسون. إنها ملحمة أطرافها فرسان العدالة، مجلس الدولة أو قل قلعة القضاء الإداري قاضي الحكومة ومحاميها ينتفض في إباء.. في كبرياء.. رافعاً وسام العدل إلي عنان السماء يردد في صمت مهيب: قوموا اقرأوا كتابي.. إنها ليست المعركة الأولي التي يخوضها تاريخه الذي يجب أن يكتب بماء الذهب. نعم إنه يباهي الأمم وقصور العدالة بوقفات عصماء قبل ثورة 23 يوليو سنة 1952 في عصر الفساد والاستبداد والاستعمار.. ثم تجلت عظمة فلسفة القضاء هنالك بعد أن أصبحت السطوة.. السلطة بين يدي القوات العسكرية وعاشت مصر عصراً من الذل والمذلة والهوان والطغيان يطفو علي سطحها الأقزام ويتقدم صفوفها ساقطو القيد من سجلات قمم الرجال.. وتساقط قادة الفكر والرأي من قمم الرجال وعمالقة القانون وعمداء العدالة.. بل إن الاستعلاء والوعد والوعيد لكل من يتجاسر بجملة واحدة فإن السجون المظلمة مصيره ومأواه، وتصاعد الهوان والذل وقمة الطغيان حين اقتحم بعض الرعاع من أجراء السلطة الطاغية وقاموا بالاعتداء علي أستاذ الجيل المستشار الجليل.. وعالم جاد به الزمان فكان قبساً من نور السماء، وهو صاحب المعالي المرحوم الأستاذ الدكتور عبدالرازق السنهوري وتعرض للعدوان حتي سالت منه الدماء. وإن- والشيء بالشيء يذكر- مجلس الدولة ومن بعده المحكمة الدستورية العليا ولئن شرفا بجلوس قمم العلم والقلم والحكمة والشجاعة في ترسيخ العدالة وإرساء العدل.. ألا إنهما تعرضا كغيرهما من هيئات الدولة من التلويح بالانتقام بلغ ذراه في مذبحة القضاء سنة 1969 إلا أنهما استمسكا واعتصما بالحق والعدل والحرية للشعب. وعودة إلي جوهر القول: فإن رجال القانون بجميع أطيافهم وأنماطهم يتعجلون الزمان لكي تقترب شمس اليوم الأحد من الظهور ويحبسون أنفاسهم ويستبطئون دقات قلوبهم ويشخصون بأبصارهم ويتسمعون بآذانهم، يسألون ويتساءلون وقد فرغ صبرهم.. فرسان المحكمة الدستورية العليا ماذا أنتم فاعلون بنا؟.. هل ترفع الصوت كالرعد داوياً ومدوياً لا لتسليط قضاء علي قضاء؟.. ولا وألف لا للالتفاف علي شرف العدل وأمانة العدالة. نعم قد يكون الثمن غالياً ولكنه لن يعصف إلا بمن سولت له نفسه أن يستجيب للوعد والوعيد والكسب الرخيص والتهديد ويتناسي ما أنزله رب العرش العظيم علي إمام المرسلين وخاتم النبيين وشفيعنا يوم الدين سيدنا محمد- صلي الله عليه وسلم-: «أتستبدلون الذي هو أدني بالذي هو خير». لا وألف لا.. إن الذين ترتعش أيديهم وتعمي أبصارهم ويفقدون البصر والبصيرة هم وحدهم الذين يضعون في إحدي كفتي الميزان.. البقاء أو الانقضاء.. الجلوس علي مقعد عال ووثير، إن نصرة العدالة وانتصارها هو بالأصح والأحري الشهادة، ابتغاء وجه الحق والحقيقة ونهي النفس عن الإمارة بالسوء. إن قرار الجمعية العامة لمجلس الدولة والمجلس الخاص تنعقد له الحجية التي ترتفع إلي مصاف الأحكام والتي تعلو علي النظام العام. إن الأحكام متي صدرت صارت عنواناً للحقيقة، بل إنها الحقيقة بذاتها كما ينزلها الفقه الفرنسي «LA VERITE MEME» أن القاعدة الشرعية أهل مكةالمكرمة أعلم وأدري بشعابها، يصدق علي الرأي الذي اعتنقته الهيئتان الحاكمتان في مجلس الدولة الموقر.. لذلك فإنا ندق أجراس الخطر ونحذر من الانسياق وراء المدعين والمدعيات للسلطة والنفوذ. إن مصر التي تحولت إلي دولة «رخوة» وداست أقدام الغزاة من أبنائها علي كل التراث والميراث ولم يعد متبقياً إلا صرح القضاء الشامخ.. تشرئب عليه الأعناق.. يضرب بسيفه أولئك الذين يؤرقهم الخوف من العدل وينزل السكينة والطمأنينة ويطفئ ظمأ الذين يحرقهم الشوق إلي العدل. إن مجلس الدولة الذي تكال إليه الضربات اليوم هو الجبل الذي يعصمنا من الغرق ويرد طلقات الذين بيدهم السلطة.. وأياً كان الرأي الذي سيعلن اليوم الأحد، فأنا علي يقين أن القاضي لا يصدر.. لا يتأثر بأي مؤثرات تنبعث من الذين أو اللاتي يتصورون أن لهم أو لهن القيادة والريادة. وإنه ولئن كان صحيحاً أن القاضي قد يتأثر وهو - في غير رقابة من نفسه- بما يظن أنه طرحه حالة كونه راقداً في ذهنه.. أو يضيق عليه خناق حرية المداولة وقداسها وقدسيتها وجود حشود في الشارع تنبعث منه صيحات سيدات جندت لهذا الشأن وقيادتهن لمن لهن السلطة والسلطان ولله الأمر من قبل ومن بعد. إن غرف المداولة أو كما يطلق عليها زملاؤنا السوريون «غرفة المطالعة» لا تعرف فدائيين أو انتحاريين تصيح وتصرخ «علي جثتي» لأنها لغة من يتجه بصره إلي مستقبل خشية السقوط في طي النسيان، وبخاصة لأن أبواب المناصب الاستشارية مفتوحة علي مصراعيها لمن شاء أن يكفر ويركلها من شاء أن يؤمن.. وفي مواجهتهم أناس آمنوا بربهم ولم يعودوا يخشون ما هدد به الحجاج بن يوسف الثقفي بأنه يري رؤوساً قد أينعت وحان قطافها فقد مضي وانقضي ذلك الزمان.. اللهم إلا من يخشي من زلزلة ساعة الرحيل من المقعد الوزاري. اليوم تشرق شمس العدالة.. ويتم الله نعمته رجال القانون بجميع أطيافهم وأنماطهم يتعجلون الزمان لكي تقترب شمس اليوم من الظهور ويتساءلون وقد فرغ صبرهم.. فرسان المحكمة الدستورية العليا ماذا أنتم فاعلون بنا؟ إن قرار الجمعية العامة لمجلس الدولة والمجلس الخاص تنعقد له الحجية التي ترتفع إلي مصاف الأحكام والتي تعلو علي النظام العام علي قضاء مجلس الدولة. اليوم عيد إبداع القضاء المصري الشجاع. اليوم هو القول الفصل للمحكمة الدستورية العليا بقاء أو انقضاء وعلي الله قصد السبيل.