لم تمر حادثة تجسس الرئيس الأمريكى ريتشارد نيكسون على خصومه الديمقراطيين عام 1972 مرور الكرام عندما تم الكشف عنها فيما يعرف "بفضيحة ووترجيت" وأضطر الرئيس على اثرها إلى الإستقالة من منصبه نتيجة الضغوط السياسية والشعبية الذى تعرض لها بشكل كبير وخاصة من قبل الحزب الديمقراطى المنافس، لم يشأ نيكسون أن يدخل البلاد فى أزمة سياسية طاحنة تعصف بإستقرارها وتؤدى إلى حدوث إنقسامات مجتمعية حادة رغم قدرته حينذاك على التذرع بأن هناك ضرورة ملحة للجوءه إلى مخالفة الدستور والقانون الأمريكيين بصورة مؤقتة على سبيل المثال أو أن هناك خطر ما على الأمن القومى الأمريكى قد دفعه إلى إتخاذ تلك الإجراءات الإستثنائية لحماية البلاد من ذلك الخطر المحدق، على الرغم من إمتلاكه للأدوات التى كانت تمكنه من تنظيم مظاهرات لتأييده بمساعدة الحزب الجمهورى الذى ينتمى إليه والذى يتمتع بشعبية واسعة بين صفوف المجتمع الأمريكى، ولكنه لم يفعل .
كذلك كان بإستطاعت الحكومة الهولندية (حكومة الأغلبية وقتها) أن تدفع بمظاهرات التأييد إلى عندما قام أكثر من مليون شخص بالنزول إلى الشوارع والإعتصام بساحة الدام الشهيرة فى العاصمة أمستردام ضد موافقة الحكومة نشر صواريخ باليستية أمريكية قادرة على حمل رؤوس نووية على أراضيها، ولكنها قد إختارت أن لا تقدم على تلك الخطوة حفاظاً على تماسك النسيج الوطنى وإيماناً منها بحق التظاهر والتعبير السلميين الذى يعد الأساس للممارسة الديمقراطية السليمة .
إن من الطبيعى أن يتظاهر المواطنون وقتما شاءوا ضد أى قرارات يرون أنها لا تحقق مصالحهم، أو لا تتفق مع تطلعاتهم أو مع الوعود التى قاموا بإنتخابات من يتولى شؤونهم على أساسها، فالأصل فى التظاهر هو محاولة إيصال بعض المطالب التى لم يفلح هؤلاء المواطنون فى تمريرها إلى الحكومة أو الرئيس المنتخب من قبلهم عبر القنوات الشرعية والقانونية لذلك، أو فى حالة ما إذا نجحوا بالفعل فى طرح تلك المطالب على السلطة من قبل ولكنها لم تستجب، وبالتالى فإنه لا حاجة لنزول مظاهرات لتأييد بعض القرارت التى قد تتخذها السلطة المنتخبة طلما أن تلك المظاهرات قد تؤدى إلى ما هو أخطر من مجرد التعبير عن رأى سياسى، وتأييد لقرارات بعينها .
إن المظاهرات التى تخرج للتأييد النظام السياسى فى العموم فيما يتخذه من قرارات تتسم فى أغلب الأحيان بالإرتجالية وغياب الروح التى تنبع من الإيمان بالمبادىء التى يكون الناس على إستعداد للنزول والتظاهر من أجلها لأنها تقوم بطبيعة الحال على الحشد ويكون الهدف الأول منها هو تجميع أكبر عدد ممكن من المتظاهرين فى مكان واحد بحيث تحقق تلك المظاهرة فى نهاية الأمر الهدف المنشود من وراء تنظيمها وهو إظهار أن هناك أعداداً كبيرة من بين صفوف الشعب تؤيد تلك القرارت بصرف النظر عن ما إذا كانت تلك القرارت صحيحة أم خاطئة أو كان من شأنها أن تحقق مصالح البلاد أم لا .
لقد قررت جماعة الإخوان المسلمين أن تسلك ذلك المسلك الذى يمثل أحد الأدوات الرئيسية لأعتى الأنظمة الشمولية والديكتاتورية فى إظهار التأييد الشعبى لها على الرغم من الإنتقادات الحادة التى يكيلها الرئيس وأعضاء جماعته ليل نهار لنظام بشار الأسد (على سبيل المثال) الذى تعد تلك الطريقة هى أحد التكتيكات الهامة التى يعتمد عليها الأن فى مقاومته للثوار وتدعيم أركان حكمه.. كذلك فإن الجماعة قد إختارت أن تعود بنا إلى ممارسات التنظيم الطلائعى ولجان شباب الحزب الوطنى وهو ما أودى بنا فى النهاية إلى كارثة موقعة الجمل وما ترتب عليها من أثار .
نعود إلى مظاهرات السبت التى يكمن الهدف من وراءها بشكل أساسى فى إعادة الإتزان لكفة التأييد الشعبى والسعى لسحب البساط من تحت أقدام القوى المدنية والثورية التى نجحت فى كسب أرضية جديدة خلال تظاهرات الثلاثاء والجمعة الماضيين فى الشارع، وإظهار حالة من الإنقسام المتوهم بين أبناء الشعب المصرى وبين من هو مؤيد ومعارض وهو ما سوف يمهد الطريق أمام قوى الإسلام السياسى إلى الترويج لفكرة اللجوء إلى الإرادة الشعبية عن طريق الإستفتاء على الدستور بإعتبارها السبيل الوحيد للخروج من الأزمة الحالية، و إنهاء تلك الحالة من الإستقطاب الحاد .
لا يجب أن ينخدع الشعب المصرى بأى حال من الأحوال ويعتقد أن هناك من يؤيد تلك القرارات التى من شأنها أن تصنع دكتاتوراً جديداً عند مشاهدة تلك الجموع لأنها غير حقيقية بل هى جموع مصطنعة كتلك التى نشاهدها فى أفلام السنيما والتى تحتاج إلى شخص لتحريكها وتوجيهها إلى المكان الذى يراه المخرج مناسباً حتى يخرج المشهد فى نهاية الأمر كما يريد هو وليس كما تريد تلك الجموع .