عندما بدأت مشوارى الصحفى وأنا لا أزال طالبا فى كلية الإعلام، قال لى الكاتب الروائى الكبير الراحل إبراهيم الوردانى أنت تحمل فى جيبك جواز سفر اسمه عمك كامل الشناوى، سوف تقتحم به بلاط صاحبة الجلالة؟! مرت 32 عاما على هذه الكلمة وحتى الآن لا يزال جواز السفر فى جيبى.. كنت حريصا على أن أتقدم بأوراقى الصحفية بعيدا عن اسم الشناوى كامل ومأمون، ولكنى دائما أشعر بنشوة كلما قرأت أو استمعت إلى إحدى قصائد كامل الشناوى، أو أغنيات مأمون الشناوى أو إلى صوتيهما فى الإذاعة فى التسجيلات النادرة التى لا تزال الإذاعة المصرية تحتفظ بها حتى الآن.
أمس مرت ذكرى رحيل عمى كامل 1908 - 1965.
بينما الشارع يردد منذ ثورة 25 يناير ولا يزال قصيدته أنا الشعب أنا الشعب لا أعرف المستحيلا كأن كلماته تعزف على أوتار مشاعر المصريين.. الزمن يحمل دائما الجديد عن كامل الشناوى، هناك إعادة اكتشاف كلما زادت سنوات غيابه، حيث يزداد كامل الشناوى حضورا عند الجمهور خصوصا الشباب. قصائده صارت أكثر تداولا، لأنها عاشت من خلال ألحان عمالقة مثل عبد الوهاب وفريد والموجى، وأيضا بأصوات أم كلثوم وعبد الوهاب وعبد الحليم ونجاة وفريد.. دائما عندما تحل ذكرى كامل الشناوى يتوقف الجميع أمام رائعته «لا تكذبى» إلا أن أسوأ ما فى هذا التذكر هو أنها تختصر كامل الشناوى فى قصيدة، ويبحثون عن اسم الخائن الذى يقصده كامل الشناوى، مثلما حاول البعض فى عدد من أحاديثهم ومقالاتهم اختصاره فى مقلب قام بتدبيره على سبيل المداعبة، وغفلوا عن قيمة كامل الشناوى الإبداعية.. كيف مثلا لا يتذكرون قصيدته «نشيد الحرية» التى يقول فيها موجها كلماته إلى الشعب المصرى
«أنت فى صمتك مرغم أنت فى حبك مكره فتألم وتكلم وتعلم كيف تكره».. كتبها كامل الشناوى قبل قيام ثورة 52 مناديا الشعب بأن يثور ولحنها وغناها محمد عبد الوهاب ومنعت من التداول فى الإذاعة المصرية، ولكن بعد قيام الثورة تم الإفراج عن هذا النشيد وكان ينبغى تغيير «أنت فى صمتك مرغم» إلى «كنت فى صمتك مرغم.. كنت فى حبك مكره».. دائما ما أتذكر له قصيدة «ظمأ وجوع»، لم تغنّ وإن كنت قد اقترحتها على الموسيقار الكبير محمد عبد الوهاب وأسمعتها له وتحمس ولكن القدر لم يمهله لتلحينها، تقول كلماتها: «أحببتها وظننت أن لقلبها نبضا كقلبى لا تقيده الضلوع.. أحببتها فإذا بها قلب بلا نبض سراب خادع ظمأ وجوع.. فتركتها لكن قلبى لم يزل طفلا يعاوده الحنين إلى الرجوع.. وإذا مررت وكم مررت ببيتها تبكى الخطى منى وترتعد الدموع!!».
كامل الشناوى الكاتب الصحفى الكبير الذى منح الألفاظ الصحفية إحساسا شاعريا عندما مات أستاذ الجيل أحمد لطفى السيد كتب مقالا كان عنوانه «عقلى يجهش بالبكاء»!
عمل كامل الشناوى فى العديد من الجرائد والمجلات بداية من «روز اليوسف» و«الأخبار» و«الجمهورية». وكان يكتب على صفحات «الأهرام» بابا أطلق عليه اسم «خواطر حرة» ولكن مع بداية الحرب العالمية الثانية فى نهاية الثلاثينيات مورست الرقابة على الصحف، ولهذا غير اسم الباب إلى «خواطر مقيدة»، وصارح القراء قائلا لهم إن الخواطر لم تعد حرة.
لم يصدر فى حياته سوى ديوان واحد فقط «لا تكذبى» رسم الغلاف والرسوم الداخلية الفنان الرقيق الراحل يوسف فرنسيس أحد اكتشافات كامل الشناوى، الذى لم يتوقف عن التقاط الموهوبين وتدعيمهم فى حياتنا الصحفية والأدبية والفنية مثل موسى صبرى، وأحمد رجب، وأنيس منصور، ومحمود السعدنى، وسعيد سنبل، وكمال الملاخ، وفتحى غانم، وصلاح حافظ، وبليغ حمدى، وكمال الطويل وغيرهم.. نعم لم يصدر سوى كتاب واحد فى حياته لكن شقيقه الشاعر الغنائى والكاتب الصحفى الكبير مأمون الشناوى تولى تجميع العديد من كتابات شقيقه الكبير كامل الشناوى، وأصدرها فى عدة كتب جمعت أسماء زعماء وفنانين وأدباء، «بين الحياة والموت»، «عرفت عبد الوهاب»، «رسائل حب»، «حبيبتى» وغيرها.
وفى ذكراه ال47 لا يزال الشارع يردد له «أنا الشعب أنا الشعب لا أعرف المستحيلا»، وأطاح الشعب المصرى فى 25 يناير بما كان يعتقد أنه مستحيل، وسوف يسقط الشعب عن قريب من لا يزال يعتقد أنه المستحيل!