عندما بدأت مشوارى الصحفى وأنا لا أزال طالبا فى كلية الإعلام قال لى الكاتب الروائى الكبير الراحل إبراهيم الوردانى: أنت تحمل فى جيبك جواز سفر اسمه عمك كامل الشناوى، سوف تقتحم به بلاط صاحبة الجلالة!! مر أكثر من 30 عاما على هذه الكلمة ولا يزال جواز السفر فى جيبى.. كنت حريصا على أن أتقدم بأوراقى الصحفية بعيدا عن اسمى الشناوى (كامل ومأمون) ولكنى دائما أشعر بنشوة كلما قرأت أو استمعت إلى إحدى قصائد كامل الشناوى أو أغنيات مأمون الشناوى، أو إلى صوتيهما فى الإذاعة فى التسجيلات النادرة التى لا تزال الإذاعة المصرية تحتفظ بها، وكثيرا ما أعود إلى أرشيفهما المكتوب. قبل يومين مرت الذكرى ال46 على رحيل كامل الشناوى، ويوم الخميس تحل ذكرى ميلاده رقم 103.. أعلم أن الأحدث التى يعيشها الوطن لا تسمح بأن نتوقف كثيرا مع الماضى، إلا أننى أيضا أرى أن عددا نادرا من المبدعين يتنفسون من قبورهم، فلقد أعادت ثورة يناير النبض إلى قصيدته «أنا الشعب» التى لحنها عبد الوهاب وغنتها أم كلثوم وهو يقول «أنا الشعب أنا الشعب لا أعرف المستحيلا ولا أرتضى بالخلود بديلا». حتى الفضائيات طوال الثورة لم تكف عن ترديدها. الزمن يحمل الجديد عن كامل الشناوى، هناك دائما إعادة اكتشاف حيث يزداد كامل الشناوى حضورا عند الجمهور، خصوصا الشباب.. قصائده صارت أكثر تداولا لأنها عاشت من خلال ألحان عمالقة مثل عبد الوهاب وفريد والموجى، وأيضا بأصوات أم كلثوم وعبد الوهاب وعبد الحليم ونجاة وفريد.. ما أتمنى أن أراه مع كامل الشناوى هو كتاب موثق عن حياته يتجاوز تلك الحكايات المثيرة التى حاول البعض أن يحيلها إلى عنوان لكامل الشناوى.. إنه قصيدة «لا تكذبى»، الكل أدلى بدلوه وأتذكر أننى قبل 25 عاما قررت أن أجرى تحقيقا صحفيا عن لغز هذه القصيدة، وهل هى بالفعل عن واقعة حقيقية («إنى رأيتكما معا» أصبحت عند البعض تساوى «إنى ضبطتكما معا»)؟! سألت الكاتب الكبير مصطفى أمين والفنانة الكبيرة تحية كاريوكا والكاتب اللامع كمال الملاخ والموسيقار الكبير كمال الطويل والعملاق يوسف إدريس، كل منهم روى لى القصة من خلال رؤيته وتحليله هو.. مثلا مصطفى أمين أكد أن القصيدة كتبت فى شقته وأنه استمع إلى كامل الشناوى وهو يتصل بنجاة يسمعها القصيدة.. تحية كاريوكا أشارت إلى شرفة فى بيتها وقالت لى: كامل بيه كتب القصيدة هنا.. كمال الملاخ قال كنت ألتقيه فى الصباح الباكر وأنا متجه إلى كافيتريا فندق «سميراميس» فى الساعة السابعة صباحا وكان كامل بيه يهم فيها لمغادرة المكان فهو يسهر حتى الصباح وأنا أبدأ يومى فى الصباح، وأضاف الملاخ أنه أسمعه القصيدة.. الكل يجمع على أن هناك خائنة، وذلك من فرط الصدق الذى تنضح به الكلمات.. انتهيت من خلال مضاهاة أقوال كل المعاصرين لكامل الشناوى أن الخيال هو الحقيقة والحقيقة هى الخيال.. كامل الشناوى منح القصيدة إحساسا مرهفا وصادقا، فبدأ الناس يبحثون عن واقع ترتديه.. نعم الفن يعبر عن الواقع، هذا هو بالطبع ما نراه أو نشاهده أو نقرؤه فى الأعمال الفنية ولكن هناك استثناء الخيال الذى نبحث له عن حقيقة، وهذه هى حال قصيدة «لا تكذبى»!! دائما ما يستشرف كامل الشناوى الزمن القادم مثلما قال فى قصيدته «نشيد الحرية» قبل ثورة يوليو «أنت فى صمتك مرغم أنت فى حبك مكره فتألم وتكلم وتعلم كيف تكره».. كتبها كامل الشناوى قبل قيام الثورة، مناديا الشعب بأن يثور ولحنها وغناها محمد عبد الوهاب ومنعت من التداول فى الإذاعة المصرية ولكن بعد قيام ثورة يوليو تم الإفراج عن هذا النشيد وكان ينبغى تغيير «أنت فى صمتك مرغم» إلى «كنت فى صمتك مرغم كنت فى حبك مكره»!! قبل ساعات قليلة من ثورة يوليو كتب مقالا أكد فيه أن مصر تبحث عن رجل يحيل ظلامها إلى نور وفى الصباح الباكر قامت ثورة يوليو. ومرت ذكراه والجماهير تردد فى ثورة يناير «أنا الشعب أنا الشعب لا أعرف المستحيلا» وهى تبحث عن قائد يحيل ظلامها إلى نور!!