لم أتشرف بمعرفتك إلا عبر ما تناقلته الصحف ووسائل الإعلام. أما عن صفاتك الشخصية، فلا أعلم عنها الكثير وإن كنت أتصور أن منصبك السابق قد أمدك بقدر لا بأس فيه من الحنكة والجراءة في الحق، أما ماعدا ذلك فلا أهمية له. أما عن احتمالات تقاطع المسارات الاجتماعية، فتكاد تكون معدومة. فلا أظن أن لنا أصدقاء مشتركين، ولا أسرتي تشابه أسرتك في شيء، ولا أتردد علي المنطقة التي تسكنها إلا نادرًا، وهذا أيضا لا أهمية له، في الوقت الراهن علي الأقل، وأتوقع أنك لن تسقط في الفخاخ المنصوبة لك وأنك لن تستكتب كتيبة من الأغبياء لإعادة كتابة تاريخك الشخصي باعتبارك مواطنًا ينتمي لأسرة «عادية». أما سياسيًا، فالأمر أكثر تعقيدًا، وحسبي أن أقول إنه بالنظر إلي ما أحمله من بقايا انتماءات سياسية سابقة، لا أعتذر عنها، فإن تأييدي لك لا يخلو من مفارقة، لا أعتذر عنها أيضًا، ولا عن فوران التطلعات الذي يجتاح البعض منا بانتظام كل ست سنوات، من قبل اختراع ال «فيس بوك» ومن قبل أن يولد أبناؤنا شباب 6 أبريل، وغيرهم من أصحاب الحق في المستقبل، إن وجد. ماذا تفعل حينما تصبح مطالب الحد الأدني خطرًا محفوفًا بالعواقب الوخيمة، ومغامرة غير محسوبة، بل تطاولاً علي الأسياد؟.. تابعت تصريحاتك، اختلفت مع بعضها واتفقت مع معظمها، واستوقفتني صياغات غاية في البساطة والمباشرة للتعبير عما أظنه وغيري قضايا شائكة مثل حقوق المنقبات، أو بدهيات مثل: «غزة»، و«الحروب الكروية العربية العربية»، و«الأقباط»، و«المحاكمات العسكرية».. إلي آخر القائمة. وسواء كان هذا راجعا إلي قلة الخبرة، أو نزق االشباب، أو الطقس في «فيينا»، أو سنوات الغربة الطويلة، فمرحبًا بتصريحاتك وقد سجلناها عليك.. أما عن السبب المباشر لكتابتي هذا الخطاب، فهو خصومك من أدعياء الحكمة، والذين يسدون لك في واقع الأمر خدمة جليلة من حيث لا يقصدون ولا يحتسبون، لأنهم لا يجيدون إلا لغة واحدة، هي تحديدًا مربط الفرس. لا أحسب أنك تطرح نفسك كمنقذ مصر من الفساد، ومخلصها من الفقر والفقراء، ومحررها من التبعية، وصانع نهضتها القومية، ومستعيد دورها الإقليمي، و بطل «ضربتها النووية» الأولي، ورجل الصناعة والزراعة، وسبب زيادة معدلات النمو الاقتصادي، وراعي الفنون والآداب والمجاري.. ولا أحسب أن المصريين سوف يتحولون في ظل «قيادتكم الحكيمة» والأبوية إلي شعب من الأخيار رجالا ونساء، وأن تستحيل مصر إلي جنة الله علي الأرض، والحساب يوم الحساب. ولا أحسب كذلك أن من يؤيدونك يتوقعون منك ذلك أو يتعاطون خطابا زائفا أكل عليه الدهر وشرب، أو يطلبون منك المعجزات. إلا طبعًا إذا اعتبرنا من قبيل المعجزات أن ينتخب المصريون رئيسًا قابلاً للمحاسبة، بمقتضي عقد محدد المدة، وأن يكون لهم دستور يحترمونه بقدر ما يحترمهم، ويعترف لهم بحقهم في تشكيل الأحزاب والكيانات المستقلة والتظاهر الآمن والمحاكمة أمام قاضيهم (وقاضيتهم) الطبيعي، أو أن تتم محاسبة الفاسدين مهما علا شأنهم، أو أن يستعيد المصريون جزءًا من ثقتهم الضائعة في مؤسسات الدولة المدنية، أو أن تتسم سياسات توزيع الثروة بحد أدني من المعقولية والعدالة والكفاءة، أو أن تفتح علي مصراعيها ملفات التعليم والصحة البائسة، أو أن يحظي كل مصري بكوب ماء نظيف وغذاء غير ملوث بمياه المجاري، ومعاملة كريمة في أقسام الشرطة... معجزات لم تتحقق علي مدي عقود، أفلحوا في إيهامنا بأن المصريين هم السبب في ذلك، غير جديرين بالحريات، تبتلع زيادتهم السكانية جميع جهود التنمية، لا حقوق لهم وإنما صدقات علي أفضل تقدير. لذا ولما لم يكن في الإمكان أبدع مما كان، فلتبقي الأمور علي ما هي عليه درءًا للمخاطر ولتجنيب الوطن مغامرات الهواة من أمثال البرادعي، وقد أصاب أحد رِؤساء التحرير، حين ذكرَّنا بأنه باقٍ من الزمن 18 شهرًا، بعدها فقط يمكن تقييم أداء القيادة السياسية بناء علي ما قدمته من برنامج انتخابي. طيب وماذا عن الماضي السحيق؟ بغض النظر عن رئيس التحرير إياه يبقي التساؤل الجدير بالطرح: ما معني رئيس جمهورية لا هو كبير العائلة ولا بابا وماما ولا زعيم ملهم ولا موظف ولا قائد ثورة ولا رجل أعمال «سفلية»؟ ما تصوراتنا عن الرئيس ومؤسسة الرئاسة؟ البرادعي قد لا يكون «التغيير» حسبما يراه البعض، لكنه شروط الحد الأدني، ويوم يترشح لخوض الانتخابات الرئاسية بناء علي قواعد مقبولة، تكون بعض هذه الشروط قد تم استيفاؤها، فإن فاز بالاستحقاق الرئاسي قد يتحقق ما تبقي منها، فإذا أخفق المواطن البرادعي نأتي بغيره ويصبح هو الرئيس السابق.. وكفي.