الجمعية التأسيسية لصياغة الدستور أصبحت على المحك، بعد توالى الانسحابات من عضويتها، بداية بانسحاب عدد من المستقلين، ثم انسحاب ممثلى الكنائس المصرية وممثلى حزب الوفد، وأخيرًا انسحاب الكتلة المدنية بأكملها من الجمعية المؤسسة لمشروع الدستور أول من أمس (الأحد)، وبهذا يتبقى ممثلو التيارات الإسلامية وحدهم يكتبون دستور بلد بأكمله، بينما تشرع القوى المدنية فى الإعداد لدستور بديل يقوم بصياغته مجموعة عمل شكلت من أعضاء اللجنة الاستشارية المنسحبة، مضافا إليهم عددا من فقهاء السياسة والقانون، هم الدكتور يحيى الجمل والدكتور جابر جاد نصار والدكتور وحيد عبد المجيد والدكتور عمرو حمزاوى، على أن يكون منسقها العام الدكتور عبد الجليل مصطفى، و يتم طرح الدستور البديل على الشعب حتى يقارن بين ما أعدوه وما خرج عن «التأسيسية» التى يشككون فى شرعيتها. خطوات أخرى ستتخذها القوى المدنية للتحرك شعبيا لتوعية جموع الشعب بخطورة الدستور الذى أعدته الجمعية التأسيسية الحالية، التى يطالبون بإعادة تشكيلها أو إضافة 50 عضوا جديدا إليها ينتمون إلى التيار المدنى لإحداث نوع من التوازن. على الجانب الآخر، ما زالت الجمعية التأسيسية ترفض الاعتراف بأنها باتت مرفوضة من مختلف القوى، ولا تريد تصحيح وضعها وأدائها بعد هذه الانسحابات والانتقادات.
«الدستور الأصلي» أجرت مجموعة من الحوارات القصيرة مع بعض الأعضاء المنسحبين من الجمعية التأسيسية للدستور ومن اللجنة الاستشارية، ليوضحوا للرأى العام خطواتهم القادمة، ودوافعهم وراء قرار الانسحاب الذى يرى البعض أنه جاء متأخرا كثيرا، كما حاورت بعض ممثلى الأحزاب والقوى السياسية حول التنسيق المشترك الذى أجروه مع المنسحبين وماذا يريدون من ورائه، وما الطرق التى سيسلكونها لتفعيل مشروع الدستور البديل الذى سيطرحونه للرأى العام وموقفهم فى حال الإصرار على تجاهل مقترحاتهم واستئثار التيار الإسلامى بكتابة دستور مصر.. وإليكم الحوارات...
عمرو موسى: هرمنا من محاولة إصلاح الأوضاع فى «التأسيسية» وانسحبنا بعد فشل كل المحاولات
عمرو موسى ذلك السياسى المخضرم الذى قضى عمره داخل كواليس ودهاليز السياسة المصرية والعربية والدولية، يعتبر أحد أبرز الوجوه على الساحة السياسية المصرية من بعد ثورة يناير، بداية من ترشحه فى الانتخابات الرئاسية وحلوله فى المركز الرابع فى السباق إلى دوره فى صنع ائتلاف المؤتمر الذى يضم تحت رايته بعض الأحزاب المدنية، بالإضافة إلى دوره فى اللجنة التأسيسية لصياغة الستور.
■ لماذا تأخر قرار انسحابكم حتى هذا الوقت الحرج؟
- حاولنا كثيرا أن نعدل عددا من المواد ونخرج دستورا يقبله الشعب المصرى، وقد هرمنا ويأسنا من محاولة إصلاح الأوضاع، وجاء قرار انسحابنا بعد فشل جميع المحاولات، ففى الأسابيع الأخيرة كان يتم سلق عدد كبير من المواد دون إجراء نقاش بشأنها، وكان يتبع فى ذلك استخدام طريقة الأغلبية رغم أن القوى المدنية طالبت مرارا وتكرارا بأن لا يتم العمل بطريقة الأغلبية البسيطة فى كتابة دستور بلد، وشددت على ضرورة التوافق الكامل حول مواد الدستور، وبشكل عام جاء انسحابنا بعد تراجع أداء الجمعية، بسبب الرغبة فى الاستئثار بوضع مواد الدستور من جانب تكتلات معينة ومجموعات صغيرة، وحرمان أعضاء الجمعية من حقهم فى مناقشة هذه المواد قبل التصويت عليها وعدم الأخذ بمقترحات اللجنة الاستشارية فى ما يتعلق بتعديل عدد كبير من المواد، والدستور دستور مصر كلها وليس دستور حزب واحد حتى لو كان حزب الأغلبية.
■ هل تعتقد أنه بعد الانسحابات المتتالية سيتم إعادة تشكيل جمعية صياغة الدستور؟
مش هتتحل، إحنا اللى خرجنا، وما زالت هناك فرصة لتعديل الدستور.
■ أكدت خلال المؤتمر الصحفى الذى أعلنتم فيه انسحابكم من «التأسيسية» أن الدستور فى خطر.. فما المواد التى تمثل هذه الخطورة؟
- الدستور بشكله الحالى فيه الكثير من الركاكة وعدم التوافق، ومش عاجب كل الناس ولا يعبر عن مصالح المجتمع، خصوصا فى المواد التى تمس حقوق المواطنين وأمنهم وكرامتهم وتحقق العدالة الاجتماعية، والخلاف ليس على الشريعة الإسلامية كما يتردد، فالجميع اتفق على مضمون وصياغة المادة الثانية التى تنص على أن الشريعة الإسلامية هى المصدر الأساسى للتشريع، وإنما موضع الخلاف فى الأفكار التى يريد البعض إقحامها فى الدستور للتدخل فى حياة الناس وحرياتهم الشخصية وملبسهم، والتى لا تتفق مع الشريعة السمحة التى أبدا لم تضر بالناس أو تضيق على حياتهم.
■ قررتم تشكيل لجنة فنية لتقديم صياغة بديلة لمواد الدستور المختلف عليها.. فماذا ستفعلون لو تم تجاهل هذه المقترحات أيضا؟
- سيكون لكل حادث حديث، ولن نتراجع عن موقفنا، وسنكون قد أخلينا مسؤوليتنا أمام الشعب مما يحدث.
وحيد عبد المجيد: «التأسيسية» فاقدة للشرعية.. ولن نرد على الغريانى
■ بعد كل هذه الانسحابات كيف ترى وضع الجمعية التأسيسية الحالية؟
- أعلنا انسحابنا نهائيا من هذه الجمعية، ولم نعد نعترف بها من الأساس، ولن نعترف بأى شىء يخرج عنها، وفى اجتماعنا أول من أمس، اتفقنا على أن نشكل لجنة من أعضاء اللجنة الاستشارية المنسحبين، ونضيف إليهم الدكتور يحيى الجمل والدكتور جابر نصار والدكتور عمرو حمزاوى بالإضافة إلىّ، وسنقوم بإعداد دستور يعبر عن مصر بكل طوائفها ويليق بتراثها ومكانتها، وسنكون نحن الجمعية التأسيسية الحقيقية الشعبية ونطرح دستورنا الذى سيحقق أهداف الثورة المصرية ومصالح المصريين جميعا، وفى ما عدا ذلك من أمور الجمعية الأخرى وما يخرج عنها، فنحن غير معنيين به، لأننا نعتبر هذه الجمعية فاقدة للشرعية ويجب إسقاطها.
■ ما تعليقك على تصريحات رئيس «التأسيسية» بشأن إمهال القوى المنسحبة يومين للعودة قبل استئناف العمل دونكم؟
انقطعت صلتنا بهذه الجمعية، ولا نعترف بوجودها ولا برئيسها حتى نرد عليه أو نهتم بما يدليه من تصريحات.
■ ما مدى إمكانية مشاركة بعض القوى الإسلامية معكم فى كتابة هذا الدستور، لو رغبت فى ذلك؟
بالفعل نحن معنا فى هذه اللجنة شخصيات ذات هويات ومرجعيات إسلامية كالدكتور صلاح عز، وهو الإخوانى الذى رفض أن يستمر داخل اللجنة الاستشارية، بعدما وجد أن آراءها لا يعتد بها، ومعنا أيضا الدكتور هبة رؤوف عزت، وهى أيضا ذات مرجعية إسلامية، إضافة إلى ممثلين عن كل القوى المدنية ومنظمات المجتمع المدنى.
■ فى حال الحكم ببطلان الجمعية التأسيسية الحالية.. ماذا لو أعاد الرئيس تشكيلها بنفس الأعضاء الحاليين؟
لا يهمنا ماذا يفعل الرئيس.
■ وهل ستقدمون مقترحاتكم للدستور الجديد إليه؟
لا.. سنطرحها على الشعب ولا حاجة لدينا لتقديمها إلى الرئيس، فدستورنا سيكون دستورا قائما بذاته، دستور شرعى ولا ولن نعترف بغيره، وعلى المجتمع أن يقارن بين الدستوريين ويعرف أى منهما يحظى بتوافق شعبى ويعبر عن مصر ويحقق أهداف الثورة المصرية.
■ إذن كيف ستطبقون دستوركم؟
بالاقتناع الشعبى به عن طريق تحركاتنا الشعبية وشرح مواد الدستور للمجتمع حتى يفهمه المواطن البسيط ويجد فيه مصلحته، وكما أسقط الشعب دستور 30 وأعاد دستور 23 مرة أخرى لاقتناعه به، سنعمل نحن أيضا على إقناع الشعب بدستورنا ونبين له العوار الموجود فى دستور الجمعية الحالية.
أبو الغار: إذا لم تعمل القوى المدنية معا هنروح فى داهية
■ أعلنتم دعمكم للكتلة المدنية التى انسحبت أمس من «التأسيسية»، فكيف سيتم تنسيق العمل بينكم فى الفترة القادمة؟
- عن طريق لجنة الحكماء التى تم الإعلان عن تشكيلها خلال مؤتمر القوى الوطنية والتى ستكون مهمتها أن تشرح للشعب بكل طوائفه العيوب والمخاطر فى الدستور الحالى على الأرض من خلال حملات طرق الأبواب والمؤتمرات الجماهيرية وفى أجهزة الإعلام المختلفة، وكذلك الاتصال بالرئيس واطلاعه على خطورة الموقف. ففى الفترة القادمة لو لم تعمل القوى السياسية بأكملها على قلب رجل واحد هنروح فى داهية كلنا، وأولنا الإخوان المسلمون، فليس هناك وقت للخلاف على الدستور. الناس هتموت من الجوع.
■ كم تتوقع أن تستغرق مجموعة العمل التى شُكلت من أعضاء اللجنة الاستشارية وعدد من فقهاء القانون والخبراء السياسيين من وضع الدستور البديل؟
- اللجنة المشكلة ستبدأ اجتماعاتها خلال 48 ساعة، والدستور البديل جاهز ومكتوب واللجنة الفنية ستراجع فقط المقترحات الموجودة لديها مراجعة كاملة قبل أن يتم تقديمه إلى الرئيس والشعب، ومن المتوقع أن لا يستغرق ذلك أكثر من أسبوع.
■ هل تعتقد أن يأخذ الرئيس بهذا الدستور البديل؟
- أعتقد أن الرئيس لديه من الحكمة ما يجعله يأخذ بهذه المقترحات، لكن ليس عنده السلطات الكافية لاتخاذ هذه القرارات.
■ هل الأفضل هو تعديل المواد الخلافية أم تشكيل لجنة جديدة لوضع دستور توافقى؟
- كل الحلول مفتوحة، ونحن مع أى حل يؤدى إلى دستور مصرى محترم ولكن المهم أن الدستور الحالى لا يصلح ولا بد من تعديله وأخذ المهلة الكافية للقيام بذلك دون العمل وفقا لنظام المغالبة، لأن استمرار العمل بهذا الشكل أصبح مستحيلا، أو إعادة تشكيل اللجنة بشكل متوازن يعبر عن كل طوائف المجتمع أو حتى إضافة 50 عضوا من التيار المدنى إلى اللجنة الحالية بما يحدث التوازن إذا حدث تصويت وكل هذه حلول مقترحة.
■ ماذا لو تم طرح الدستور بشكله الحالى للاستفتاء؟
- سيحدث انقسام لمصر لفترة طويلة وقلاقل مستمرة ونحن لسنا حمل ذلك، وأى شخص لديه وطنية سواء فى الرئاسة أو من الإخوان سيدرك أن مصر ليست حمل ذلك، وستظل الأوضاع مقلوبة داخليا، وحتى على المستوى الخارجى كيف سينظر إلينا العالم، ودستورنا به هذا العوار سواء فى المواد التى تتعلق بالحريات والمواد التى تتعلق بوضع المجتمع وظروف العمال والفلاحين والظروف الاجتماعية وغيرها.