لم يكن أكثر المتشائمين بعد تنحي مبارك يوم 11 فبراير من العام الماضي يصل بتشاؤمه إلي المرحلة التي نعيشها في مصر الآن، كنا نعيش حلم ثوري جميل حلمنا فيه بمصر دولة قوية حديثة ، مصر الحرية، مصر الكرامة، مصر العزة و الشرف و العدالة الاجتماعية ، فإذا بنا و بحلمنا الجميل نعيش كابوس مخيف من القهر و التخلف و الظلام .
كنا نحلم برئيس ثوري يعيش بيننا و لا يسير في موكب كمواكب الملوك ، رئيس ينتقد لا رئيس يعبد، يدخل الكنيسة كما يدخل المسجد ، لا يفرق بين ناصري و إخواني ، رئيس لا يدعو لغلق أرزاق الناس و إطفاء أنوارهم . رئيس لا يحكم بمفردة و لا يتعلق الجميع به وحده ، كنا نحلم بإدارة تحكم مصر لا بفرد يتحكم في مصر ، ادارة تدير شئون مصر كدوله وليست إدارة تديرها كعزبة .
كنا نحلم بدستور حديث، يوضع بهدوء و تروي في لحظة وفاق و صدق و حب بين أبناء الشعب و لا يوضع علي عجالة في وقت انشقاق و نفاق و خصام و فوق أسس باطله ، كنا نحلم بدستور تسطر نصوصه بأيدي ثوار مصر المخلصين الشرفاء مع مفكريها و مبدعيها العظماء ، دستوري يرتقي لتضحيات الشهداء و ينتصر للفقراء و يحمي الضعفاء ، دستور لا يصنع فرعون جديد و لا ينحاز لحزب أو جماعه ، دستور يضعه الشعب بعيدا عن سلطة حكامه لا دستور يضعه الحاكم و جماعته و حاشيته بعيدا عن سلطة الشعب .
كنا نحلم بعودة أراضينا و شركاتنا و ثرواتنا المنهوبة ، فإذا بالأراضي التي سرقت لازالت تحت أيدي السارقين، و الشركات التي نهبت و بيعت بأبخس الأثمان تحت أيدي الأجانب المستثمرين المستعمرين لخيرات بلادنا ! أما عن القدر القليل منها الذي نجح ثلة من رجال مصر المخلصين في الحصول علي أحكام من مجلس الدولة باستعادة الشعب لملكيتها فقد امتنعوا عن تنفيذها و قاموا بالطعن عليها ، في حين تركت المحاجر و المناجم و الثروات المنتشرة في طول البلاد و عرضها كما كانت مغنماً لكل ناهب و لكل سارق ممن استطاع الاستيلاء عليها حتي أن الحكم الوحيد الذي أصدره مجلس الدولة بوقف نهب منجم ذهب السكري طعنوا عليه أيضا و امتنعوا عن تنفيذه !! .
كنا نحلم أن يشارك في حكم مصر ثوارها الأحرار المخلصين ليقضوا علي ما بها من فساد و مفسدين، يطهروا أجهزتها و يعيدوا ترتيب أولوياتها، يتولي فيها المنصب أصحاب الكفاءة و المقدرة، لا أصحاب الثقة من المعارف و المقربين ، كنا نحلم بدولة يحترم فيها القانون و القضاء، يصان فيها حرية الصحافة و استقلال الإعلام ، تتنوع فيها الآراء و الأفكار بلا تكفير و لا تخوين، ، كانت هذه و غيرها بعض من أحلام ثورتنا الجميلة أما عما آل إليه حال ثورتنا الآن فهذه ليست الثورة التي حلمنا بها .