هناك طموح لا يعرف الحدود لدى القسط الأكبر من المنتجين الذين شاركوا فى تلك الزيارة التى جمعت بين عدد كبير من السينمائيين المصريين والمسؤولين عن الإنتاج الفنى فى إيران، آفاق الإنتاج المشترك واحد من الموضوعات الملحّة، وهناك على سبيل المثال مسلسل «موسى» عليه السلام الذى يجرى حاليا إعداده إخراج سلا حشور لكى يقدم فى إنتاج مشترك مع مدينة الإنتاج الإعلامى المصرية. «سلا حشور» هو مخرج مسلسل «يوسف الصديق» الذى حرم الأزهر مشاهدته قبل ثلاث سنوات. عندما أراد سيسيل دى ميل قبل 60 عاما إخراج فيلمه الشهير «الوصايا العشر» اختار مصر مكانا للتصوير، حيث شهدت العديد من الأحداث التاريخية وهو ما دفع كثيرا من المشاركين فى الوفد المصرى إلى اعتبار أن المشروع صار على مرمى حجر.
الكثير من الأحاديث تم تبادلها للوصول إلى أرضية مشتركة لأعمال قادمة ودائما هناك مرجعية شيعية تطبقها إيران فى ما يتعلق بالإنتاج الفنى، و«موسى» عليه السلام، سوف يقدم من خلال تلك المرجعية وهو ما يتناقض مع رؤية الأزهر الشريف، كما أن الأزهر يحرم تماما تجسيد الأنبياء، بينما فى المذهب الشيعى لا يوجد ما يحول دون ذلك.
وتبقى المشروعات الأخرى الاجتماعية التى أراها ستصطدم أيضا بمحاذير دينية التى تبدو أمرا لا يمكن أن يتم القفز عليه، فهو أحد الثوابت التى لا تحتمل حتى التفاوض.
فى أحد اللقاءات اقترح محسن محيى الدين أن يقدم قصة حياة امرأة لم تكن تدين بالإسلام، وفى النهاية اكتشفت عظمة الإسلام وقررت أن تتحجب، وقال: يجب أن أظهرها دون حجاب فى الجزء الأول من الأحداث، وبالطبع جاءته الإجابة: هذا مرفوض تماما، ولكن فى حالة الضرورة ترتدى باروكة على شعرها. إنه الحل على طريقة الفنانة صابرين، وهو حل لا أشعر على الإطلاق بجدواه.
أنا واحد من عشاق السينما الإيرانية، وأرى أهمية عرضها فى مصر، ولكن هذه قضية أخرى. استطاع السينمائى الإيرانى أن يبتعد تماما عن تلك النظرة الضيقة التى تقيد المشاهد ما بين حجاب وباروكة، مثلا فيلم مجيد مجيدى «أغنية عصفور الدار» شاهدتُه مجددا أول من أمس بعد أن رأيته قبل نحو خمس سنوات فى مهرجان دمشق، حيث حصل على الجائزة الكبرى وجائزة أفضل ممثل.. المرأة تراها فى الفيلم محجبة ولكن عين السينمائى تقود المتفرج إلى ما هو أبعد أنت لا تتابع فى الفيلم امرأة كان ينبغى أن تظهر شعرها أو أن المخرج لديه مشهد ساخن، وعليه أن يستبدل به أو حتى يخففه. «أغنية العصفور» فيلم يحتويك بإبداعه الخاص. القيود المفروضة على السينمائى فى إيران غيرت زاوية الرؤية لديه وفتحت أمامه آفاقا بعيدة فى التأمل، ولكن هذا يشكل نوعا من السينما المرتبطة بإيران وليست هذه هى كل السينما.
هناك مخرجون يحلقون خارج السرب، وهؤلاء يعبرون الحدود بعيدا عن الوطن الذى ضاق بأفكارهم مثل محسن مخلباف وأسرته التى تمارس جميعها الإخراج السينمائى وأشهرهم ابنته سميرة مخلباف الحاصلة على عشرات الجوائز. هناك أفلام عديدة يقدمها مخرجون يعتزون بجنسيتهم الإيرانية، ولكنهم خارج الحدود مثل مورجان سترابى التى تعيش فى فرنسا وقدمت أكثر من فيلم حصدت عشرات الجوائز مثل «بلاد فارس» و«دجاج بالبرقوق».
ولدينا مخرج كبير مثل عباس كيروستامى لا يعمل فى السينما الإيرانية رغم حصوله على الأوسكار عام 1997 فى فيلم «طعم الكرز» فهو رسميا غير مرحب به وكيروستامى يحرص على أن لا يصطدم بالنظام، ولكنه فى نفس الوقت لا يدافع عنه ويناصر حق زملائه المخرجين فى العمل مثل جعفر باناهى ومحمد رسولوف الممنوعين من ممارسة المهنة وصدر بحقهما حكم يمنعهما من الإخراج 20 عاما قادمة، وتم تحديد إقامتهما جبريا.
هل من الممكن أن يتحقق الإنتاج المشترك فى ظل كل هذه القيود المفروضة على السينمائى. ويبقى الجانب الإيجابى من الصورة الذى من الممكن أن تحققه تلك الزيارة، وهو أن تتسع مساحات التلقى للسينما الإيرانية فى مصر بأسابيع أفلام وبانوراما فى المهرجانات، وأيضا أن تستقبل الدراما فنانين إيرانيين ومبدعين فى مجالهم مثل فنانى المكياج، حيث إن إيران تتفوق فى هذا المجال.
فيلم أو مسلسل مصرى إيرانى مشترك حلم مستحيل تحقيقه على أرض الواقع، إلا إذا قررنا أن ننتج أعمالا فنية طبقا للفكر والعقيدة الشيعية.