لم يتحقق شىء من أهداف الثورة حتى الآن.. فالدولة الفاشلة قائمة.. بل زاد الفشل على دولة مبارك. حكومة عاجزة عن إدارة شؤون البلاد.. ووزراء ليس لهم علاقة لا بالثورة ولا بالسياسة.. وفشلة فى أدائهم ورؤيتهم للبلاد سواء فى المرحلة الحالية أو فى المستقبل.. وهم أقل كفاءة من وزراء حكومات مبارك.
لقد تضامن الجميع على إجهاض الثورة وقتلها ودفنها.
ولقد كانت إدارة جنرالات المجلس العسكرى المعاشات هى البداية، الذين لم يكونوا على قدر الثقة التى منحها الثوار والشعب لهم بالحفاظ على الثورة.. من أجل التغيير وبناء دولة جديدة تقوم على الحرية والعدالة والكرامة.
ورغم زعمهم منذ تسلمهم إدارة البلاد أنهم «حماة الثورة» فإنهم أثبتوا عكس ذلك تماما.. فقد عملوا على إجهاض الثورة.. وتفريغها من أهدافها بالتعاون مع قوى دينية وقوى أخرى تدَّعى أنها مدنية.. وكانت تذهب للحج إلى المجلس العسكرى للتوافق.. والحصول على جزء من «تورتة» الثورة.
ولم يكسر شوكة العسكرى والذين معه سوى الثوار فى أحداث محمد محمود ومجلس الوزراء، الذين قدموا شهداء جددا للثورة فى وقت تخلى فيه الجميع عن الثورة والثوار واهتموا بتقاسم المقاعد فى البرلمان والإعلان عن نهاية شرعية الميدان (هكذا قالوها بالفم المليان).
ولعل الذاكرة والتاريخ لن ينسى الشعارات التى رفعها الثوار يوم 25 يناير 2012 بمناسبة مرور عام على الثورة: «بيع بيع الثورة يا بديع».. ورفعوا لافتات عليها «فى مثل هذا اليوم تخلى عنا الإخوان وكفرنا السلفيون».
ولعل الناس لن تنسى أن الإخوان سبقوا القوى إلى الحوار الذى دعا إليه نظام مبارك للخروج من الأزمة مع عمر سليمان الذى تم تعيينه نائبا للرئيس وقتئذ.. وكان من أطراف الحوار الرئيس محمد مرسى والرئيس الكتاتنى (!).. فى وقت كان شعار الثوار فيه «لا حوار إلا بعد الرحيل».. وقد رحل مبارك بالفعل من تأثير الثوار وميدان التحرير وميادين مصر.. وكان الكل متفائلا بنجاح الثورة.. لكن ما جرى بعد ذلك من تضامُن الجميع أدى إلى إجهاضها وجعلها انتفاضة خلعت مبارك وأطاحت بابنه وأدخلتهما إلى السجن.. وكفى على الثورة ذلك.. وليأتى الإخوان إلى السلطة.. ولم يصدقوا أنفسهم.. ليديروا السلطة كأنهم فى تنظيمهم السرى.
فانعدمت الشفافية فى قراراتهم.. وأتوا برجالهم وهم غير أكفاء ليضعوهم فى المناصب الرئيسية والمهمة احتراما لشعار التنظيم «السمع والطاعة».
وبدؤوا فى تشكيل الموالين لهم بتقديم «الجزرة».
وبدء الموالسون الجدد فى تقديم فروض الولاء والطاعة من أجل الحصول على المكاسب أو حمايتهم من المساءلة عن جرائمهم.
وبدت البلاد تتحول إلى عزبة للإخوان ومن معهم بديلا من عزبة مبارك وحزبه الوطنى الفاسد ولجنة سياسات ابنه جمال!
وبقى شىء واحد فقط يتمسك به الثوار لعله يساعد فى بناء الدولة الجديدة.. ألا وهو الدستور.
ولكنهم لا يريدون أن يكون دستورا معبرا عن دولة جديدة تبنى نفسها بعد الانهيار الذى أصابها وتحاول أن تلحق بدول كانت أقل منا بكثير.. يريدونه أن يعبر عنهم فقط.
يريدون استنساخ دستور لنظام جديد بديل من نظام مبارك.. لا من أجل دولة ديمقراطية مدنية حديثة.
وقد سعت السلطة الجديدة إلى احتواء شخصيات كانت تمسك العصا من المنتصف فى أحداث الثورة (ولا أريد أن أقول إنها كانت ضد الثورة) بضمِّها إلى الجمعية التأسيسية لكتابة الدستور.
ورغم عبث مسودات الدستور التى تكشف السوءات والعوار فى رؤية بناء دولة حديثة فإن هناك تخاذلا حتى الآن من القوى المدنية بعد تدجين معظمها فى تحالفات مع السلطة.. وتخوُّف البعض من السلطة الجديدة.. وبحث البعض عن مصالح مع السلطة الجديدة.. فلا يريدون اتخاذ موقف صريح وواضح، ويتقدمون خطوة ويتراجعون خطوتين عن قرار انسحابهم من جمعية العبث، أقصد «التأسيسية».
فهل يستمر هؤلاء فى خذلان الثورة التى لم يعُد للناس فيها شىء سوى الدستور؟