فى المؤتمر الصحفى للمجلس العسكرى أول من أمس الذى عقدوه لتبرئة العسكر من مذبحة العباسية.. جلس الجنرالات الثلاثة على المنصة وخلفهم عُلقت لافتة كتب عليها: «القوات المسلحة تلتزم بما وعدت». وهو أمر مخالف للحقيقة، ويؤكد عدم الثقة فيهم خلال الفترة الانتقالية التى تسلموا فيها سلطة إدارة البلاد.
فهم وعدوا من البداية بتنفيذ وتحقيق أهداف الثورة التى ادعوا أنهم حموها.. فبدلا من دستور جديد للبلاد.. أجروا ترقيعات دستورية على دستور 71، وهى نفس «الترقيعات» التى كان قد وعد بها مبارك فى أيام الثورة، وكان مرفوضا، لأنها جاءت بعد فوات الأوان.. ونظل حتى الآن بلا دستور، بعد أن أدخلونا فى لوغاريتم تشكيل الجمعية التأسيسية واستجابتهم لمطالب قوى واحدة على حساب القوى الأخرى، خصوصا الثورية، وعلى حساب المجتمع، فاتفقوا مع الإخوان فى البداية.. الذين طمعوا فى السلطة وأرادوا التكويش على كل شىء.. وتخيلوا أن الدستور من حقهم فقط كتابته بمشاركة مجموعة من الكومبارس.
وهناك من يوافق على أن يؤدى دور الكومبارس للإخوان، وتأتى قوى المجتمع المدنى والقوى الثورية لتُفشل اتفاق «العسكرى» والإخوان ويرفض القضاء تشكيل إخوان البرلمان للجمعية التأسيسية.. والمحصلة أننا بلا دستور لفترة قد تطول.. وكله بفعل العسكر.
ولم يكن الدستور وحده الذى خلفوا وعدهم به.. فالفترة الانتقالية نفسها شهدت وعدا من المجلس العسكرى بأن لا تتعدى 6 أشهر من بداية تسليم السلطة.. وها نحن قد وصلنا الآن إلى 15 شهرا.. فهل هناك التزام بالوعد؟!
وعدوا بتحقيق أهداف الثورة المتمثلة فى إقامة دولة ديمقراطية مدنية.. فأطلقوا الأحزاب الدينية وأصبحنا أقرب إلى الدولة الدينية من الدولة المدنية.
وادعى «العسكرى» أنه سيحمى الثورة والثوار، وأنه سيحرص على الدم المصرى، وأن الجيش والشعب «إيد واحدة»، لكن سلوكه استمر فى القهر والقتل بعد أن استمتع جنرالاته المعاشات بطمع السلطة.. فمارسوا القتل بنفس أساليب نظام مبارك المخلوع، ليطال ذلك مصابى الثورة والثوار، ونذكّر بما حدث أمام مسرح البالون ومذبحة ماسبيرو وأحداث العباسية (1) وأحداث محمد محمود ومجلس الوزراء وشارع قصر العينى ومذبحة ألتراس الأهلى فى استاد بورسعيد، وصولا إلى مذبحة العباسية مؤخرا.. فضلا عن الانتهاكات التى تعرضت لها المرأة وتعريتها «والدوس عليها» ب«بيادات» العسكر فى مشهد رآه العالم كله.. فكيف حمى الثوار؟ وكيف حمى الثورة؟
ولم يلتزم «العسكرى» بما طالبت به الثورة من تطهير مؤسسات الدولة للانطلاق نحو دولة جديدة قام شعبها بثورة عظيمة..
فلم يتم تطهير القضاء.. وبقى الوضع على ما هو عليه.
لم يتم عزل النائب العام..
لم يتم تطهير الإعلام..
لم يتم تطهير الأجهزة الرقابية.. وعلى رأسها جهاز الرقابة الإدارية.. والجهاز المركزى للمحاسبات.
لم يتم تطهير البنك المركزى.. وهو الذى لديه المعلومات عن كل جنيه هرب من مصر وكيف هرب؟ ولصالح مَن؟!
لقد حافظوا على كل مؤسسات دولة مبارك كما هى برجالها الفاسدين.
لم تتم استعادة جنيه واحد من الأموال التى هربها النظام المخلوع ورموزه من أموال الشعب المصرى الكادح.
لم تتم استعادة أى متر من الأراضى التى نهبها رجال أعمال النظام وحصلوا عليها بالاحتيال أو بثمن بخس.. ليبيعوها للمواطنين مرة أخرى فى مشروعات سكنية ويحققوا منها مليارات من الجنيهات برعاية مبارك شخصيا وولده.
لم يقدموا الأدلة التى لديهم عن أحداث الثورة وقتل نظام مبارك المصريين.. وسقوط آلاف الشهداء والمصابين.
فهم الذين لديهم كل الأفلام المصورة من كاميرات التليفزيون والمتحف المصرى.. ومجمع التحرير.. وأماكن أخرى كان لديهم وجود فيها وتصوير أيضا، ولم يقدموا لسلطات التحقيق والمحاكم أيا من هذه الأدلة.. لتكون النتيجة فى النهاية براءة الضباط القتلة ونظام مبارك من دم الشهداء.. وكأن شيئا قد حدث.