اليوم تبدأ أولى خطوات الديمقراطية فى تونس بانتخابات الجمعية التأسيسية التى ستضع دستورا جديدا للبلاد وخريطة طريق واضحة لبناء المجتمع التونسى الجديد. هكذا تونس التى ألهمت ثورتها الثورات العربية وعلى رأسها ثورة 25 يناير المصرية العظيمة، وهو الأمر الذى يجعلنا فى مقارنة دائمة مع تونس.. ومع انتصار الثورة التونسية وخلع الرئيس زين العابدين بن على فى 14 يناير الماضى.. وبدأت المقارنة مع مصر وقد كان هناك فريق من موالسى النظام من سياسيين وكتاب ونخبة فاسدة كان يرى أن مصر ليست تونس وأن زين العابدين ليس حسنى مبارك. ومن يوم 14 يناير حتى 25 يناير استمروا على هذا المنوال.. لكن الشعب لم يصدقهم ولم يمشِ وراءهم بل خرج يوم 25 يناير تحت شعار «يسقط يسقط حسنى مبارك».. و«الشعب يريد إسقاط النظام»... والغريب أن أصحاب «مصر مش تونس» تلونوا بعد ذلك وأيدوا الثورة على مضض! وعلى الرغم من أن الفارق الزمنى بين الثورة التونسية والثورة المصرية لا يتعدى شهرا واحدا.. فإن تونس بدأت خطوات مهمة فى بناء المجتمع الديمقراطى.. بداية من أن الجيش لم يتولَّ إدارة البلاد.. بل أسندت إدارة البلاد إلى شخصيات سياسية مدنية فى حماية الجيش. بدأت فى تنفيذ طلبات وأهداف الثورة.. فأطلقت الحريات السياسية والإعلامية وتشكيل الأحزاب -وصل عددها إلى أكثر من مئة- وجرى الاتفاق بين القوى السياسية المختلفة مع الحكومة المؤقتة، وبعد جدل، على إجراء انتخابات الجمعية التأسيسية أولا. وصدر قرار من الحكومة بالعزل السياسى لكل وزراء نظام بن على وأعضاء حزب التجمع الدستورى.. وهم يقدَّرون بعشرات الآلاف. وسمحت للتونسيين فى الخارج بالتصويت بالإضافة إلى السماح للمنظمات والهيئات الدولية بالرقابة على الانتخابات. كل هذا يجعلنا نقارن دائما بين ما يحدث فى تونس وما يحدث فى مصر. فالجنرالات الذين تسلموا إدارة شؤون البلاد قرروا أن يحكموا البلاد وأن تكون الحكومة كسكرتارية لهم لا حول لها ولا قوة. فلم يستمعوا إلى آراء الثوار الذين طالبوا بانتخابات جمعية تأسيسية لوضع الدستور وإنما اكتفوا ب«ترقيعات» دستورية كان طرَحَها مبارك قبل أن يرحل. ولم يجروا عزلا لأعضاء الحزب الوطنى الفاسد الذى اكتفوا بحله بحكم قضائى وتركوا أعضاء الحزب ينطلقون ويثيرون الفتن ويحرّضون على الفوضى ويستخدمون البلطجية الذين أطلقهم قيادات الشرطة فى الانفلات الأمنى.. وذهب هؤلاء الأعضاء الفلول إلى ركوب الأحزاب القديمة بما فيها أحزاب الفلول مثل حزب وفد السيد البدوى أو الأحزاب الثورية الجديدة التى لم تمنح الفرصة لتشكيل كوادرها .. ونظرا إلى قلة الخبرة السياسية للقائمين عليها فتحوا أبوابهم بشخصيات لا يعرفون تاريخهم السياسى فكانوا من الفلول.. بخلاف الدور الذى كان يلعبه بعض الأحزاب الضعيفة التى قفزت على المشهد السياسى بعد الثورة مثل تجمع رفعت السعيد.. وحتى جماعة الإخوان وحزبها الحرية والعدالة فلم يسلموا من الفلول، ناهيك باختيارهم مرشحين ضعافا يتمسكون فقط ب«السمع والطاعة»، وقد ساعد ذلك قانون انتخابات «مسىء» وإصرار المجلس العسكرى على الإبقاء على مجلس الشورى. كل ذلك فى ظل حكومة ضعيفة ليس عندها أى توجه أو فكر ولا حتى تسيير أعمال، وتعيد إنتاج حكومات النظام المخلوع من تبعيتها الواضحة لمن يديرها.. وعدم شفافيتها فى قراراتها بما فى ذلك مرتبات الوزراء التى لا يعلم أحد عنها شيئا، وهل ما زالت بمئات الألوف من الجنيهات وبالملايين أحيانا خصوصا الوزراء الذين يحصلون على بدلات من كل مؤسسة تابعة لهم، كما كان فى العهد السابق. وفى ظل هذا الغموض يتشكك الكثيرون فى أن تتم هذه الانتخابات فى ظل الانفلات الأمنى ووجود البلطجية.. وعودة الفلول إلى تصدُّر المشهد السياسى.. فماذا سيفعل الذين يديرون ويحكمون شؤون البلاد، إذا ما حدث ذلك؟! ومع هذا لم نجد أحدا من الحكومة أو المجلس العسكرى يقوم بزيارة تونس للاطلاع على تجربتها فى بناء المجتمع الديمقراطى. يا أيها الذين تديرون البلاد انظروا إلى تونس وتجربتها فى الانتخابات والديمقراطية.. لعلكم تستفيدون!