سؤال يعلنه مهرجان أبو ظبى بعد إعلان نتائج لجان التحكيم: هل السينمائى العربى غير قادر على المنافسة ولهذا تتم إقامة مسابقة عربية داخل المسابقة العامة، فإذا لم يحصل الفيلم على جائزة الأفضل فى التسابق مع كل الأفلام تصبح أمامه الفرصة الثانية مواتية لا محالة فى التنافس مع الأفلام العربية فقط على أفضل فيلم كما أن جائزة أحسن مخرج تشترط أيضا طبقا للائحة أن تُمنح لمخرج عربى؟ الأمر فى الحقيقة له وجهان: الأول، هو الحماية الواجبة للسينمائى العربى خصوصا أن الجوائز لها قيمتها المادية مما يعنى تشجيعا مباشرا لكى يواصل السينمائى العربى العطاء. الوجه الآخر للصورة ىعنى اعترافا مسبقا بأن السينمائى العربى غير قادر على منافسة الأجنبى ولهذا ينبغى أن تُقدَّم له جائزة محاطة بحماية جغرافية حتى لا نشعر أن أسماء المبدعين والدول الأجنبية تتردد فى جنبات حفل الختام بينما العرب لا حس ولا خبر ولا جائزة!
ورغم ذلك فإن فى مسابقة الأفلام الروائية العربية حجبت لجنة التحكيم جائزة أفضل فيلم، وكان المتنافسون على الجائزة من الجزائر بفيلمَى «الحراقة بلوز» لموسى حداد، و«عطور من الجزائر» لرشيد بن حاج، ومن تونس «مانموتش» لنورى بوزيد. بالتأكيد العدد ضئيل لتحقيق منافسة، ولكن حجب جائزة أفضل فيلم عربى تعنى أن الأفلام الثلاثة لا تستحق، بينما فى نفس الوقت حصول بوزيد على جائزة أفضل مخرج عربى يشير إلى أن فى التقييم خللا ما، لأن المخرج هو الفيلم، فكيف يحصل المخرج على جائزة ويتم استبعاد الفيلم؟!
أرى أن لجنة التحكيم ظلمت الفيلم الفرنسى «فى المنزل» بعد انحيازها إلى الفيلم التركى المتوسط القيمة «ما بين وبين» للمخرج بشيم أوسطا أوغلو ومنحه جائزة «اللؤلؤة السوداء» لأن السينما كانت هناك بكل حضورها ووهجها وعنفوانها مع المخرج فرانسوا أوزون فى الشريط السينمائى «فى المنزل» الذى قدم بكل المقاييس فيلما استثنائيا، بل تحفة لا تُنسَى.. بينما جاء قرار اللجنة صائبا فى منح جيل جارسيا بيرنال بطل الفيلم التشيلى «لا» جائزة أفضل ممثل وفرانزيسكا بيترى الألمانية جائزة أفضل ممثلة عن الفيلم الروسى «خيانة».. أما الجائزة المفاجئة فهى حصول المخرج البرتغالى الكبير قيمة وقامة وعمرًا مانويل أوليفييرا (104 أعوام) على جائزة لجنة التحكيم الخاصة عن إخراجه للفيلم الذى يحمل رقم 54 فى مشواره «جيبو والظل».
فى تبرير اللجنة للجائزة اعتبرت أن الفيلم يمثل إضافة سينمائية بما يحمله من حنين إلى عصر ما قبل الكهرباء وتشبثه بالحالة المسرحية. الفيلم بطولة الفنانة الإيطالية الشهيرة كلوديا كاردينالى، والفرنسية الكبيرة جان مورو. كنت شغوفا لرؤية الفيلم، وذلك بعد أن رأيت فيلمه قبل الأخير الذى عُرض منذ ثلاثة أعوام فى مهرجان «كان» وعنوانه «حالة إنجليكا العجيبة».. ومانويل يكتب دائما السيناريو وهو ما فعله أيضا فى «جيبو والظل» المأخوذ عن مسرحية للكاتب البرتغالى راؤول براندو.
الفيلم فقير جدا إلى حد الشُحّ فى استخدامه المفردات السينمائية فى المونتاج وحركة الكاميرا وتعدد الأماكن والموسيقى والمؤثرات كأنه يعيدنا إلى عصر ما قبل السينما.. قضية الفقر فى بدايات القرن العشرين هى ما يتناوله أوليفييرا، ويلجأ المخرج إلى استخدام المونولوج الدرامى الطويل فى التعبير، وهو ما يحتاج إلى قامات تمثيلية سامقة مثل تلك التى شاهدناها فى الفيلم.. ولكنى أرى أن لجنة التحكيم كان الأجدر بها أن تمنح المخرج جائزة خاصة لتاريخه ولإصراره على أن يظل يتنفس السينما حتى اللحظة الأخيرة، ولكن لا أتصور أن الفيلم كما أشارت لجنة التحكيم يشكِّل بأى حال إضافة سينمائية! نعم الإبداع يتأثر سلبا مع مرور السنوات، لكن الفنان لا يفقد كل أسلحته ويظل هناك بعض لمحات باقية، لهذا عليه أن يشحذ دائما طاقته للحفاظ على هذه الشذرات قادرة لمواجهة عوامل الزمن القاسى الذى لم ولن يفلت منه مبدع على مدى التاريخ.
لا أوافق لجنة التحكيم على ما أسبغته على فيلم «جيبو والظل» من تمرد وتفرد فنى، ولكن مانويل يظل فى كل الأحوال معجزة سينمائية بل وإبداعية عصية على التكرار وتستحق دراسة متأنية لندرك كيف يُبدع هذا الفنان الكبير الذى تعافى مؤخرا من مشكلات صحية وخرج من المستشفى متوجها مباشرة إلى الاستوديو لاستكمال تصوير فيلمه الروائى رقم 55!