كلما زادت الاهوال و المآسي الوطنية و القومية كنت اغرق في بحر الادب ، انهل منه ما شئت ، في محاولة للبعد عن عالم السياسة الجاف ، هذه الحالة كنت اعيشها منذ عدة ايام و قد اتخذت وقتها قراري بالتركيز مع قراءة الشعر بالتحديد ، فجأة و بلا مقدمات وقعت عيني علي عدد من ابيات الشعر مكتوبة علي موقع التواصل الاجتماعي " تويتر " ، اخذتني الابيات و شعرت بجمالها ، فسألت كاتبتها علي الموقع الشهير " من الشاعر " ؟ فردت انا .
هذه كانت بداية الحكاية ، لم اكن اعلم من هي نهي بهمن ، ولم يربطني بها سابق معرفة ، و لكني عرفتها منذ اجابتها الاولي ، شاعرة مختلفة و متمكنة و مميزة ، تكتب الشعر علي طريقة " الكبار " في " الصنعة " ، رغم صغر سنها البادي ، نهي بهمن شاعرة علي طريقة كل الذين يكتبون الشعر " السهل الممتنع " حداد و بيرم و الابنودي و جاهين ، كلماتها تنطلق بسلاسة و حرية حتي انك تشعر بما تقصده الشاعرة قبل حتي ان تدرك بعقلك المعني المقصود .
نهي بهمن الشاعرة المبشرة عرفت فيما بعد انها اصدرت ديوانها الاول عن دار ارابيسك للنشر تحت عنوان " برا الصندوق " و هو عنوان يعبر عن شعر بهمن الذي يحمل في غالبيته الانطلاق و الرغبة في التحرر و الخروج عن السائد في الشعر و الحياة معا .
الديوان الجميل ابهرني فيه قدرة الشاعرة علي التعبير بجمل واضحة و سهلة لكنها ليست مباشرة بل تحمل فكرة ، قصائد بهمن كلها تقوم علي فكرة ، و هي حتي و ان انتقدت ما يحدث حولنا لا تقدم لك حلا بل هي فقط تحرض العقل علي التفكير ، كلمات بسيطة و معبرة و لكنها تحمل تحريضا صريحا علي التمرد و التغيير و الاختلاف ، هذا ما شعرت به و انا اقرأ ديوان " برا الصندوق " و هذا ما اظن ان الشاعرة نجحت ان تتميز فيه و ان تطرح نفسها كشاعرة لها رؤية مختلفة و اسلوب مختلف ، التحريض علي العقل و التفكر رسالة ديوان نهي بهمن في تقديري ..
و ربما كانت قصيدة " العمر علي قهوة " هي اكبر مثال لكل ما ذكرته سابقا ، و فيها تقول " انا قاعد و مستني و بحلم بيك يا بكرة الجاي ، و صحبة وحدتي هي قلم فاضي وواحد شاي ، يا واحد شاي ما يخلصشي ، قلم فاضي ما يكتبشي ، انا قاعد و مستني ما بتعبشي ، و مش هسأل هتيجي ازاي " نستكمل القصيدة التي تختتمها بهذا المقطع الرائع " يا عمري ليه بتتبخر و طاير فوق كما الدخان ، بتجري ليه ما تتأخر و طول اكتر من الامكان ، دا انا لسة هشوف سكة سفر جايه مع الفنجان ، يا فنجاني ، انا طالب هنا قهوة بوش بريء و انساني ، بقالي زمان " .
هكذا تجسد القضية و التحريض علي التفكير في قصيدة واحدة تحمل ملامح و رؤية شاعرة واعدة و مبشرة ، و مبدعة جديدة تضاف الي قائمة طويلة من الموهوبين الذين لم يحصلوا علي حقهم من التقدير و الاهتمام .
لا يمكن ان اختم هذا المقال دون ان اؤكد لكم ان نهي بهمن ككل المبدعين الذين يعمل العقل الناقد لديهم بكفاءة شديدة لا تري البطل الذي ينقذ الامة حتي الآن ، لذلك آثرت ان " تفتتح " ديوانها الجميل و هي تقول " قالوا لنا في الحواديت ، ان البطل فارس راكب حصان ابيض و لامته حارس ، و ف حدوتنا اليوم دورت ميت مرة ، و في كل مرة انتهي مالقيش بطل خالص " ... خلص الكلام .