بين تقلبات أحوال الدولة المصرية صعودا وهبوطا، وتصاعد الآمال ونبرات التفاؤل تاره، وسواد القلق والمخاوف وعدم الاحساس بقدر كبير من التغيير تارات أخرى، تبقى دوما التساؤلات الاقتصادية تبحث عن إجابات واضحة، ويظل إحساس المواطن المصري متفاقم بوجود أزمة اقتصادية لا يستطيع تحديد ملامحها أو معرفة حجمها الحقيقي وإمكانات الخروج منها. مع اقتراب العام الحالي من نهايته ومرور 18 عشر شهرا على ميلاد الثورة المصرية، أصدرت مجموعة أكسفور للأعمال ( الشركة العالمية للنشر والبحوث والاستشارات) تقريرها السنوي عن مصر كدليل استثماري جديد يستعرض الوضع الاقتصادي الحالي في العديد من القطاعات الهامة وما تم من إصلاحات في هذا الاتجاه، وذلك بالاستعانة بخبرات غرفة التجارة الأمريكية والهيئة العامة للاستثمار والمناطق الحرة وغيرها من الكيانات الإقتصادية.
تم استعراض نتائج التقرير خلال مؤتمر اقيم يوم أمس بحضور العديد من رموز مجتمع الأعمال ورئيس مجلس إدارة غرفة التجارة الأمريكية السيد هشام فهمي واندرو جيفريز رئيس مجلس إدارة المجموعة، والدكتور أسامة صالح وزير الاستثمار كمتحدث رئيسي.
بالطبع يتطلب الحديث عن جذب الإستثمارات الأجنبية لمصر التطرق للقرض الدولي الذي من المنتظر أن تحصل عليه مصر من صندوق النقد الدولي بقيمة 4.8 مليار دولار، والذي ثار حوله جدلا كبيرا بين رفضه باعتباره تكريسا للتبعية الاقتصادية الدولية أو النظر إليه كضرورة لجذب الاستثمارات الأجنبية لمصر.
في هذا السياق، يقول روبرت تاشيما المحرر الإقليمي للمجموعة في حديثه على هامش المؤتمر، إن المخاوف لا تتعلق بالقرض في حد ذاته فهو يراه بالأساس عاملا مشجعا سيكون له تأثيرا ايجابيا حال الحصول عليه لطمأنه المستثمرين الأجانب نظرا لكونه يقدم دليلا قويا على الثقة في السوق المصري والوضع الاقتصادي الحالي.
يستطرد تاشيما حديثه موضحا إن المخاوف ربما تتعلق بالشروط التي سيأتي بها القرض الدولي وما ستسفر عنه المفاوضات القائمة حاليا بشأنه.
وبسؤاله عن رؤيته للوضع الاقتصادي بشكل عام حاليا إنطلاقا مما حمله التقرير من مؤشرات، يرى تاشيما إنه ينبغي هنا التفرقة بين الآمال التي يحملها السوق المصري على المدى الطويل وتقييم الوضع الحالي على المدى القصير والمتوسط.
يقول تاشيما :" مما لا شك فيه إنه خلال ال18 شهرا الماضية، مر الاقتصاد المصري بنوبات كانت في أغلبها نوبات هبوط ما يجعل الوضع معقدا قليلا بالنظر للمدى القصير والمتوسط". يوضح تاشيما إن تحسن الأوضاع الحالية مرتبط بعوامل لعل أهمها، سرعة حل المشاكل السياسية القائمة وما ستسفر عنه عملية صياغة الدستور الجديد ثم إجراء الإنتخابات البرلمانية القادمة والميزانية الرسمية وما إلى ذلك من قضايا شديدة الأهمية لم تحسم بعد.
أيضا، نظرا لتبعية الاقتصاد المصري فيما يتعلق بالتجارة والصناعة وما إلى ذلك من أوجه اقتصادية بالعالم الخارجي، فإن الوضع الاقتصادي الداخلي يتأثر بالطبع بالطلب العالمي حيث يرى المحرر الإقليمي إن استمرار الأزمة الاقتصادية الأوروبية من شأنه أن يكون له تأثيرا سلبيا على الاقتصاد المصري.
من ناحية أخرى، يوضح تاشيما إنه على المدى الطويل، يظل السوق المصري جاذبا بشكل كبير جدا للمستثمرين وان هناك العديد من المكاسب القوية التي يمكن أن تعود عليهم في قطاعات عدة من بينها قطاع الاتصالات والبنية التحتية وتجارة التجزئة، مشيرا إلى أن عددا من الصناعات مثل الطاقة والمنتجات الإستهلاكية تمكنت من تحقيق نمو رغم حالة عدم الاستقرار التي مرت بها البلاد في الفترة الماضية ما يعطي مؤشرات ممتازة على الإمكانات المصرية.
وفي كلمته الرئيسية، أشار وزير الاستثمار المصري د. "أسامة صالح" إلى أن القرض الدولي لا ينظر له باعتباره قرض بل بصفته ضمانا للثقة في الاقتصاد المصري.
استغرق التقرير 6 أشهر من البحث الميداني من فريق عمل من المحللين وتضمن دليلا مفصل للمستثمرين لكل قطاع من القطاعات وكلمة رئيسية للرئيس محمد مرسي بالإضافة لمجموعة كبيرة من الحوارات مع شخصيات سياسية واقتصادية ودولية مثل وزير الخارجية البريطاني ويليام هيج وأمين عام جامعة الدول العربية د. نبيل العربي.