فى الأحداث المسيئة التى جرت فى محيط السفارة الأمريكية ردا على الفيلم المسىء الذى لم يشاهده أحد من الذين تجمعوا أمام السفارة أخلى الجميع مسؤوليته عن تلك الأحداث فى الساعات الأخيرة بعد أن بدا الموضوع عملا تخريبيًّا وإساءة إلى مصر وثورتها.. وبدأت الاتهامات تطال مَن شارك فى تلك المظاهرات.. وطُرحت أسئلة حول هؤلاء المتظاهرين.. أو المعتدين كما أسماهم رئيس الوزراء ومن قبله وزير الداخلية وقيادات الشرطة التى تثبت كل يوم أنهم لم يتغيروا.. وأن تعاملهم مع المظاهرات كما هو بالغاز والخرطوش.ووصل الأمر بقيادات الحزب الحاكم وجماعة الإخوان إلى أن أيادى داخلية تحاول أن تخلق البلبلة وتثير الفوضى وتشجع الشباب على التظاهر وتطالب الداخلية بالقبض على المتظاهرين باعتبارهم مثيرى شغب.. لكن فى ظل الأحداث المسىئة والمظاهرات التى استمرت ثلاثة أيام نسى هؤلاء الذين يديرون شؤون البلاد حالا بطريقة لا تختلف كثيرا عن إدارة جنرالات معاشات المجلس العسكرى فى الفترة الانتقالية الذى أساؤوا فيها إلى مصر وكل مؤسساتها.. نسى هؤلاء من كان وراء تلك الأحداث المسىئة والمحرضين عليها.
فقد كانت الدعوة إلى التظاهر من قوى الإسلام السياسى، السلفيين والإخوان و«حازمون» والجماعات الإسلامية، وذلك أمام السفارة الأمريكية احتجاجا على الفيلم المسىء، وبالفعل ذهب هؤلاء إلى السفارة الأمريكية يوم الثلاثاء الماضى 11 سبتمبر ومنهم من كان يرفع صور أسامة بن لادن، ومنهم من نجح فى الصعود على أسوار السفارة الأمريكية وانتزاع العلم الأمريكى.. ورفع أعلام أخرى من بينها علم تنظيم القاعدة.. وكانت هناك محاولات لاقتحام السفارة.
جرى كل ذلك -كما ذكرت- فى حضور الأصحاب الأصليين للدعوة إلى التظاهر انتقاما من الأمريكا من بث مقاطع من فيلم هابط مسىء إلى الرسول صلى الله عليه وسلم.. وجرى ذلك فى غياب أمنى واضح.. فلم يكن أمام السفارة جندى واحد رغم أن الدعوة للتظاهر أمام السفارة كانت معلَنة كأن هناك تواطؤا من الأمن فى تلك المظاهرات، فهم يدركون أن المتظاهرين ينتسبون إلى القوى الحاكمة الجديدة وحلفاء معهم.. فتركوا الشوارع أمام السفارة مفتوحة أمامهم.
فى نفس الوقت الذى خرجت فيه تصريحات المسؤولين الكبار بدءا من الرئيس ومرورا برئيس الحكومة تصب غضبها على الفيلم المسىء وصنّاعه، ولم تُشِر أبدا إلى الأحداث أمام السفارة.. فكان ذلك بمثابة تواطؤ وتحريض للمتظاهرين على الاعتداء على السفارة.. وتواطؤ أمنى أيضا بتركهم يعتدون!
ولم يتغير الموقف إلا بتصاعد الأحداث.. وتصاعدها أيضا فى ليبيا ومقتل السفير الأمريكى هناك مع ثلاثة من الموظفين فى القنصلية الأمريكية فى بنغازى بعد اقتحامها وإطلاق النار عليها.
وبدأت السلطات الأمريكية فى التدخل وحثّ الرئيس محمد مرسى على الالتزام بالاتفاقيات والمعاهدات الدولية بحماية البعثات ومقراتها. من ثم بدأت نغمة المسؤولين المصريين فى التغيير وبدأت الانسحابات من أمام السفارة من قيادات الإسلام السياسى.. محاولين نفض أيديهم من التحريض على الاعتداء على السفارة والأحداث المسىئة.. وتركوا المتظاهرين عرايا أمام قوات الأمن التى استعادت قوتها فجأة وقنابل غازها وخرطوشها والتعامل بالقوة المفرطة مع المتظاهرين الذى تركهم المحرضون وحدهم فى الصفوف الأمامية وانتظروهم سواء فى ميدان التحرير أو أمام مسجد عمر مكرم.. وليسقط منهم أول قتيل فى المظاهرات فى عهد مرسى.. وتعود الشرطة إلى سابق عهدها بالقبض على المئات وضربهم وتعذيبهم.
ولم يفكر هؤلاء سواء كانوا فى الحكم الآن أو فى الأمن.. أن هؤلاء الشباب الذين تظاهروا أمام السفارة ما زالوا يرون -ومعهم الحق- أن تعامل الشرطة كما هو لم يتغير.. وأن الشعارات التى رفعها الإخوان ومن معهم فى تطهير الشرطة والجهاز الأمنى لم يحدث منها شىء.. وذلك بعد أن اطمأنوا أن هؤلاء أصبحوا فى خدمتهم بعد أن كانوا فى خدمة مبارك وعصابته..
يا أيها الذين فى الحكم.. اسألوا عن المحرّضين الأصليين عن الأحداث المسىئة أمام السفارة.