الإصرار على إقامة مباراة السوبر بين فريقي الأهلي و إنبي في هذا التوقيت رغم معاناة أهالي شهداء مذبحة بورسعيد لعدم صدور أحكام رادعة حتى الآن، ما هو إلا حلقة جديدة من سلسلة التعنت التي تتوارثها الأنظمة، و كأن توطيد الحكم يجب أن يمر من من خلال ضرب الحائط برغبة المحكوم في تطبيق أقل مبادئ العدالة. و رغم نصح العديدين بإلغاء المباراة، إلا أنها أقيمت وسط حراسة أمنية شديدة و بدون جمهور و لم يمتنع من اللاعبين إلا محمد أبو تريكة و قد تجاهل المسئولون مسيرات الألتراس إلى النادي الأهلي ثم إعتصامهم هناك و توجه البعض منهم إلى الإسكندرية و منها إلى إستاد برج العرب.
و إن كان دافع هذا التجاهل إيهام الرأي العام أن الأمور تجري في مجراها الطبيعي و أنه ليس هناك داعي لتكدير بوادر هذا الإستقرار، فهذا باطل.
لأن التجربة أثبتت أن المسكنات لا تقيم حكماً رشيداً و أن عدم الإلتفات إلى الرأي الآخر يؤدى إلى إنعدام الفرصة في خلق منظومة توافقية.
الجدير بالذكر أن هناك مؤشرات أخرى قد سبقت تلك الواقعة، مثل عدم إذاعة جلسات الجميعة التأسيسية المكلفة بوضع دستور البلاد، بالمخالفة لما كان تم الإتفاق عليه، أو الدعوة المتكررة لإحياء مجلس الشعب المنحل رغم إجماع الفقهاء الدستوريين أن العملية الإنتخابية لم تكن تستند إلى الشرعية الدستورية الكافية - هذا و إن تغاضينا عن أداء نوابه المخزي ...
القصد من ذلك أن غياب التعددية و إزدراء رأي الآخر - بل و السخرية و التهكم من المطالب المشروعة للأطياف السياسية و الإجتماعية المختلفة من شأنه أن يخلق شرعية منقوصة لا تتماشى مع المتغيرات الدولية و بالتالي تكون قصيرة العمر و قابلة للسقوط.
و قد رأينا سابقاً كيف أن السيطرة على الأجهزة الأمنية و وسائل الإعلام ليست بالأدوات الكافية التي تضمن الإستمرارية في الحكم. إن بناء دولة قائمة على التعددية ليست رفاهية أو بدعة.
فإن لم توجد آليات واضحة لتداول السلطة من خلال بنود دستورية واضحة، فأكاد أجزم أنه لن تجدي أية مسكنات لإيقاف تلك الموجة العملاقة التي انطلقت منذ أكثر من عام و نصف.