هل وزارة الثقافة كانت بالفعل حريصة على تطبيق القانون أم أنها يشغلها هدف أكبر وهو الاستحواذ على مهرجان القاهرة السينمائى الدولى. الدولة تسعى مجددًا للسيطرة ليس على المهرجان فقط، لكن على كل الأنشطة الفكرية لتزداد قبضتها إحكامًا على مقدرات الحياة الثقافية؟! كان وزير الثقافة صابر عرب قد قال فى اللقاء الوحيد الذى جمعه مع أعضاء مؤسسة مهرجان القاهرة المنوط بها إقامة المهرجان بعيدًا عن هيمنة الدولة، إن الأمر منظور أمام المحكمة وإنه ملتزم بقرار محكمة أول درجة التى تقضى بإيقاف دعم الوزارة للمؤسسة.. كانت حجة الوزير هى أنه يخشى من «قد» يقصد أنه «قد» يخسر القضية فى الاستئناف ولهذا فإنه سيوقف دعمه من أجل «قد»! قلنا له إن العديد من أحكام الدرجة الأولى تسقط فى الدرجات التالية من التقاضى، الاستئناف والنقض، وإن الدولة لو التزمت بكل الأحكام المبدئية فسوف تتوقف كل أنشطتها. الغريب أن وزير الثقافة صدر بحقه قبل أيام حكم بالحبس ستة أشهر على خلفية قيامه هو ومدير مكتبه بضرب مدير الإدارة المالية قمحاوى حامد عبد الرحمن بدار الكتب والوثائق القومية!! القضية، أقصد واقعة الضرب، تعود إلى سبع سنوات مضت، ومن يعرفون وزير الثقافة يؤكدون أنها لم تكن المرة الأولى التى خلع فيها الجاكت والجرافت وهاتك يا ضرب ضد كل من يخالفه الرأى، وكم من مرة أطلق بالكراسى على رؤوس معارضيه. له أكثر من واقعة مماثلة فى مشواره الوظيفى ولكن هذه فقط هى التى تحولت إلى ساحة القضاء. الاستئناف ينظر يوم 16 سبتمبر، والغريب أن الوزير لم يتوقف عن الذهاب إلى مكتبه فى «شجرة الدر» وإصدار القرارات التى تحدد مصير الحياة الثقافية فى بلدنا ولم يقل مثلًا «قد» تؤكد محكمة الاستئناف قرار حبسه وعليه أن ينتظر ولا يمارس مهام وظيفته كوزير حتى إصدار حكم نهائى يبرئ ساحته. حصول الوزير على ستة أشهر حبسًا حتى لو كان بحكم محكمة الدرجة الأولى يؤكد أن الاعتداء لم يكن فقط لفظيا لكنه استخدم يديه. أنا أتعجب كيف يتولى هذا الوزير المقعد مرتين واحدة مع كمال الجنزورى، والثانية مع هشام قنديل، الأولى عندما كان الحاكم الفعلى هو المجلس العسكرى، والثانية عندما أصبح الإخوان هم الحاكم الفعلى..! كيف تتم الموافقة على توليه الوزارة ولديه قضية بهذه الكيفية منظورة أمام القضاء؟! المعروف أن الدولة لديها أجهزة تلجأ إليها للاطلاع على ملفات المرشح لأى منصب قيادى، ولا أعتقد أن واقعة خطيرة كتلك تحولت إلى قضية تتداولها المحاكم كل هذه السنوات لا تحتل مكانة مميزة فى أوراق الوزير. سبق أن كتبت أن الوزير حصل بحيلة مكشوفة على جائزة الدولة التقديرية، وأنه ارتكب خطأ لا يُغتفر عندما رُشِّح وهو بدرجة نائب وزير ثقافة للجائزة، وهو ما يرفضه العُرف داخل الوزارة، ثم وافق على قبول كرسى الوزارة وهو مرشح للجائزة، ولم يشعر بأى حرج، رغم أن رئيس المجلس الأعلى للثقافة الذى يمنح الجوائز بعد التصويت عليها هو نفسه وزير الثقافة الذى يقود المجلس فى أثناء التصويت، لكنه فقط قبل إعلان الجوائز بساعات قليلة قدم استقالته من الوزارة، وهو متأكد أن الجائزة فى طريقها إليه.. لو علمنا أن القطاع الأكبر من الذين يحق لهم التصويت فى المجلس الأعلى للثقافة لمنح الجوائز هم من موظفى وزارة الثقافة، وأن الوزير من الممكن وهو فى موقعه أن يمنح أو يمنع المكافآت والترقيات لعدد من هؤلاء، فإن هذه فقط تعد مخالفة تُلزمه على الأقل مبدئيا بإعادة جائزة الدولة مرة أخرى للدولة. الحقيقة أن أكبر تساؤل أتعجب له: كيف أن صابر عرب بهذا الملف الملىء بكل تلك المخالفات التى وصلت إلى حدود الإدانة الجنائية يصبح هو واجهة الدولة الرسمية فى الثقافة؟ وكيف يصمت الوسط الثقافى والسينمائى على كل ذلك ولا يحرك ساكنًا؟! الغريب أن مؤسسة الرئاسة عندما قررت مؤخرًا أن تختار عددا من الفنانين للقاء الرئيس خلال الساعات القليلة القادمة طلبت من وزير الثقافة ترشيح الفنانين مثلما حدث قبل خلع مبارك بشهرين عندما انتقى فاروق حسنى من يلتقون المخلوع، وكأن ثورة لم تقم؟!