هو مصري أمريكي مرموق واحد من أفذاذ عالم الاقتصاد والإدارة بالعالم ويطلقون عليه «حكيم وول ستريت»، هى الصفة التى اشتهر بها الخبير الاقتصادي العالمي محمد العريان في الأوساط الاقتصادية العالمية. الذى يشغل الآن منصب المدير التنفيذي لمؤسسة «بيمكو PIMCO» الاستثمارية العالمية. وهو اسم معتمد في العالم حين يشرح ويحلل ويشير ويقترح ويقرر فى الاقتصاد.. ماذا حين يتحدث عن مصر؟
أجرينا مع الخبير العالمى حوارًا خاصًا، ليقدم رؤية استشرافية للمستقبل الاقتصادى في مصر، خصوصًا فى ما يتعلق بمفاوضات الحكومة مع صندوق النقد الدولي (الذى عمل فيه لمدة 15 عامًا) للحصول على قرض ال4.8 مليار دولار، وتبعاته التى ستقع على عاتق المواطن البسيط، وما إذا كان ذلك القرض سيسهم فى انتشال البلاد من عثراتها المالية، أم لا؟
■ هناك جدل كبير فى مصر بخصوص قرض صندوق النقد الدولى.. هل تميل إلى الموافقة على القرض من أجل قبول حزمة المساعدات الجديدة؟ وهل ترى أنها سوف تنعش الاقتصاد المصرى؟ أم أنك ترى أن هناك طرقًا بديلة لتوفير المساعدات؟ وما هذه الطرق؟ - فى ما يتعلق بالأسئلة حول مصر وصندوق النقد الدولي، فإن الدعم المالي الخارجي من هذه المؤسسة المالية الدولية -إذا ما خطط له وتم تنفيذه بشكل جيد- يمكنه أن يلعب دورًا في دعم تحول مصر التاريخى على وجه التحديد، يمكن لبرنامج صندوق النقد الدولى تقديم المساعدة المالية المباشرة بتكلفة مالية منخفضة، وسوف يتجسد الأثر المباشر فى دعم احتياطى مصر الدولى، والقيام بذلك بطريقة لا تقوِّض الديون فى البلاد ووضع السيولة المالية، وعلاوة على ذلك، إذا ما تم التعامل معه بشكل صحيح، سيكون التأثير المفيد أكبر من ذلك بكثير. ولنتذكر، سواء أحببنا ذلك أم لا، أنه فى هذا النظام العالمى، لا يزال يشكل صندوق النقد الدولي عاملا محفزًا لفتح مصادر أخرى للتمويل الخارجي، بما فى ذلك المساعدة الإنمائية طويلة الأجل، لهذا كله فإن هذه هى الحال بالنسبة إلى تحقق الاستفادة لمصر، وبناء على ذلك، فإنه من الضروري أن يتم تصميم برنامج إصلاح الاقتصاد الرئيسي بأيدى المصريين بدلا من فرضه من الخارج.
ويجب أن يعكس هذا البرنامج واقع البلاد، ونظام قيمها وتطلعاته. وهذا بدوره يتطلب قدرًا كبيرًا من الإعداد والتفاوض الماهر، والمتابعة التفصيلية.
■ ما الشروط والإصلاحات التى قد يطلبها صندوق النقد قبل الموافقة على منح القرض؟ وما الإجراءات متوسطة وبعيدة المدى التى كنت ستتخذها لو كنت رئيسًا لوزراء مصر من أجل إصلاح الاقتصاد المصري؟ - عندما يتم تصميم برنامج الإصلاح على المدى المتوسط، فإنه من المحتمل جدًا أن يكون نظام الدعم واحدًا من الأمور التى ستبرز في المفاوضات التى تجريها الحكومة مع صندوق النقد الدولي. على هذا النحو، فمن الأهمية خلال تلك المفاوضات أن تكون الحكومة واضحة وصريحة حول المبادئ الأساسية، حيث ينبغى أن تقدم الحكومة الدعم اللازم من أجل تحسين أداء الخدمات.
ويجب أن يشمل جزء من تلك الإجراءات الوقائية ضمانات بأن تصل تلك الإعانات إلى الفقراء بصورة فعالة وشاملة، بدلا من أن يضيع من خلال الذهاب إلى تلك الشرائح من سكان مصر التى ليست فى حاجة إليها فى الواقع، من أجل أن يكون لدى الحكومة شبكة من الأمان الاجتماعي السليمة، التى تحمى الفئات الأكثر ضعفًا من الشعب المصري، فمن المهم أن يتم الحدّ من تسرب الدعم الحالى للأغنياء، ويمكن أن يتم تحقيق هذا بسهولة دون إلحاق الضرر بتلك الطبقات الفقيرة.
■ رغم تدهور الأوضاع الاقتصادية والسياسية وتأخر تحقيق أهداف الثورة في مصر، فإن هناك قطاعًا كبيرًا لا يزال متفائلا مثل الدكتور أحمد زويل، فهل تشاركه نفس الشعور؟ - ليس هناك شك فى أن مصر تمر بفترة انتقالية صعبة. وفي ظل مواجهة هذه التحديات ثمة شعور بالقلق والإحباط الذى يعد أمرًا مفهومًا وواضحًا. أما وقد قلت ذلك، وكما أوضحت، وبالتفصيل، في عدة مقالات رأى منشورة، أعتقد أن مصر قد شرعت فى طريق تاريخي نحو مزيد من العدالة الاجتماعية، والتنمية الاقتصادية الأكثر استدامة، ومزيد من الاحترام لحقوق الإنسان. وفى حياتى المهنية المتنوعة فى كل من قطاعى العمل العام والخاص، أتيحت لي فرصة دراسة ومتابعة كثير من التحديات التى واجهتها بلدان تعانى من أوضاع اقتصادية متردية، واستنادًا إلى الخبرة فى هذا المجال وتحليلى للوضع الحالي في مصر، أعتقد اعتقادًا قويًّا أن مصر لديها قدرات كبيرة للتعامل بشكل جيد مع هذا التحول التاريخى الذى أحدثته الثورة.
تفاؤلي هذا يستند إلى ثقتى الواسعة فى قدرة وإمكانات الشعب المصرى، فضلا عن براعته وسرعة بديهته، وما يشجعنى أيضًا هو سمات هذا البلد المحورى، وهو ما سيجعل كل المستثمرين المحليين والأجانب يتهافتون للعمل داخل مصر. والأهم من ذلك كله، أنه للمرة الأولى منذ فترة طويلة جدا هناك شعور لدى المواطن المصرى بأن وطنه عاد إليه مرة أخرى، سواء أكانوا يقيمون داخل مصر، أو مثلى، يعيشون في بلد آخر، فهناك رغبة هائلة لمساعدة البلاد على تحقيق أهداف الثورة.
فبدلا من أن كان ينظر الفرد إلى وطنه بنظرة محايدة لأنه يسيطر عليه فئة قليلة من الناس وتخدم مصالح عدد قليل من الناس، بات الشعب المصرى الآن متأكدًا أنه يمتلك بلاده.
فبفضل واحدة من أكثر الثورات فى العالم إثارة للإعجاب فى تاريخ البشرية، استعاد المصريون إمكانية تحديد مصائرهم، وترى هذا فى كل يوم فى استعداد الناس على تقديم الغالى والثمين من أجل مصر، أو حتى النزول إلى الشوارع إذا ما لزم الأمر، من أجل وضع حكامهم في صورة دائمة تحت المساءلة، وترى أيضًا ارتفاع نسبة المشاركة المدنية للشعب في جميع المجالات وجميع أنحاء مصر، وهو ما يظهر بصورة جلية فى التبرعات الخيرية من المصريين فى داخل وخارج البلاد.
لذلك، نعم مصر تواجه تحديات هائلة ومتعددة فى المرحلة الانتقالية، وصحيح أن التغييرات لا تزال بحاجة إلى الحسم إذا ما سعت الثورة لتحقيق أهدافها المرجوة والمشروعة، لكننا نعتمد حتى الآن على التحليل النظرى للأوضاع المحتملة في مصر، وكذلك تجارب الثورات في كثير من البلدان الأخرى، وأنا أثق تماما بأن مصر قادرة على تجاوز تلك المرحلة الانتقالية واستكمال أهداف ثورتها المثيرة للإعجاب، وأنها ستنجح فى إطلاق العنان للإمكانات الفردية الكبرى للمصريين، فضلا عن الوفاء بوعود الثورة وطموحاتها، وسوف يجنى ثمار تلك المكاسب فى المقام الأول الشعب المصرى، سواء أكان ذلك من الجيل الحالى أو من أطفالنا أو أطفالهم، لكن شعب مصر لن يكون المستفيد الوحيد أيضا، فنجاح مصر سيشكل مفتاحًا لنجاح وانتصار العالم العربى ككل.
■ ما رؤيتك لمستقبل الاقتصاد المصرى الذى يعاني من التدهور فى ظل غياب رؤية واضحة، وما النصائح التى توجهها للقائمين على الاقتصاد في مصر؟ - يبدو الأمر طبيعيًّا لنا جميعًا، أن نشعر بالقلق أو نفاد الصبر والإحباط، بيد أنه إذا تم توجيه ذلك بشكل صحيح، فإن هذا يمكنه أن يشكل دافعًا مهمًا للعمل والتقدم.
فمن المهم أن نتذكر أن ثورة ناجحة تستلزم أكثر بكثير من مجرد تفكيك تدريجى لنظام سابق، لكنها تتعلق أيضا ببناء مستقبل واعد. وبالنسبة إلى مصر، خصوصًا بعد سنوات كثيرة من الحكم القمعى، فإن لدينا لائحة طويلة لما ينبغى فعله، تشمل فى أقل صورها، إرساء نظام سياسى ذى مصداقية لديه المكونات الفردية القوية (التنفيذية والتشريعية والقضائية)، جنبًا إلى جنب مع مجموعة شفافة وفعالة من الضوابط والتوازنات، وإعادة توجيه المنظومة الاقتصادية والمالية بأسرها، التى لا تخدم سوى عدد قليل من النخبة المختارة بشكل لائق، لتخدم بشكل مناسب الشعب المصرى كافة، إضافة إلى إعادة بناء المؤسسات العامة التى فقدت القدرة على خدمة عامة الشعب، التى لا تعتبر ذات مصداقية كافية، وتطوير قطاع خاص أقل اعتمادًا على سخاء الحكومة، وأكثر قدرة على المنافسة دوليًّا، فضلا عن ضرورة مواجهة الفساد، الذى أصبح في حالات كثيرة جدًا، متأصلا فى بعض هياكل إدارة الدولة، وضمان تعليم أفضل، وتدريب الأيدى العاملة، مع تلبية الاحتياجات المشروعة للشرائح الضعيفة من السكان، خصوصًا فى مجال تقديم الخدمات الاجتماعية، مثل الصحة والتعليم، وتطوير البنية التحتية التى تدعم نموًا اقتصاديًّا أعلى وخلق فرص للعمل، وذلك باستخدام ثلاثى الإنفاق العام، وتنمية القطاع الخاص، والشراكات بين القطاعين العام والخاص، ووضع مصر على المسار الصحيح لتعبر بشكل جيد الاقتصاد العالمي سريع التغير.
وعند التفكير في هذه العوامل، من المهم الإشارة إلى أى مدى نجحت انتفاضة مصر الشعبية بقيادة حركة الشباب، في تخطى الأحلام والتطلعات الأولى لأى شخص.
ففي غضون 18 يومًا، تمكنت من إسقاط الرئيس الذى حكم بقبضة من حديد لما يقرب من 30 عامًا.
لكن هذا النجاح الباهر يعنى أيضًا أن النظام السياسى المصري ككل أُخذ على حين غرة، والأمر يتطلب بعض الوقت لتطوير مشاركة سياسية واسعة النطاق، بما فى ذلك النظام متعدد الأحزاب الذى يعمل بكامل طاقته، ومؤسسات دولة مترابطة. مصر شرعت فى تلبية جميع هذه التحديات، وستحتاج إلى مواصلة تحقيق التقدم. في الواقع، لا ينبغى لنا أن نقلل من التقدم الذى أُحرز بالفعل، الذى كان يعتبر قبل عامين فقط غير محتمل، إن لم يكن من المُحال.
ولمواصلة إحراز تقدم -وهذا أمر بالغ الأهمية من أجل رفاهية أكثر من 80 مليون مصرى، فضلا عن رفاهية الأجيال القادمة- يجب أن يتواصل الممثلون المنتخبون بشكل شامل وبسرعة مع الشعب، وإقناعهم بخطة تنمية سياسية واقتصادية متعددة الوجوه خلال عدة سنوات، وينبغى أن تكون ذات مصداقية -منذ البداية وعلى مر الزمن- فمثل هذه الخطة ستحتاج إلى أن تكون ذات خطوات محددة زمنيًّا وقابلة للقياس، مفهومة وتراقب من قبل عامة الشعب. وهذا لا يشمل فقط وتيرة الانتخابات والأهداف العامة للنمو الاقتصادي، لكن أيضًا أهدافًا أكثر تتعلق تحديدًا بعدد فرص العمل التى يتم خلقها، ومؤشرات السلامة المالية، إلخ.
لا شىء من هذا سيحدث تلقائيًّا، أو سيعطى لنا سهلا، وذلك لا يشمل فقط التحديات الداخلية، لكن أيضا نظيرتها الدولية.
الاقتصاد العالمى تأثر حاليًا بأزمة عميقة فى أوروبا تهدد مبادرة التكامل السياسي والاقتصادي التاريخية فى المنطقة، كما يعوقه أيضا الاقتصاد الأمريكى الذى يعانى بدوره من مشكلات توليد النمو الاقتصادى الدائم، وخلق فرص العمل، فهاتان هما أكبر منطقتين اقتصاديتين في العالم.
وعلى هذا النحو، فإن ما يحدث هناك يؤثر تقريبًا على كل بلد آخر، بما فى ذلك مصر. وما زاد الطين بلة، أنه فى كل من أوروبا والولايات المتحدة، تتصاعد الصعوبات الاقتصادية والمالية جراء درجة غير عادية من الضعف السياسي.
ويتضح هذا فى الاستقطاب السياسى الشديد بالولايات المتحدة التى تعرقل أى اتفاق سياسى. (فى الواقع، على مدى السنوات الثلاث الماضية، لم يتمكن الكونجرس الأمريكى من الاتفاق على الميزانية المالية السنوية)، ويظهر هذا جليًا فى عدم قدرة الحكومات الأوروبية الفردية على الاتفاق على الأسباب الكامنة وراء أزمة الديون فى منطقة اليورو، لا سيما العناصر السليمة لحل دائم.
■ متى كانت آخر مرة قمت فيها بزيارة مصر؟ وهل لديك أى نشاط هنا أو ما زلت على صلة وثيقة بالقاهرة؟ - آخر زياراتي إلى مصر كانت منذ نحو عام واحد، لاستلام شهادة الدكتوراه الفخرية من الجامعة الأمريكية بالقاهرة. وسنحت لى خلال هذه الزيارة فرصة لقاء عدد من الأشخاص، لفهم أفضل للفرص والتحديات التى تواجه البلاد خلال هذه الفترة التاريخية من التغيير والانتقال الثوري.
وقد حافظت على صلتي اليومية بمصر بطرق عدة، من خلال قراءتي مختلف وسائل الإعلام، والتحدث إلى العائلة والأصدقاء والزملاء، والكتابة من آن إلى آخر حول مستقبل مصر لكل من الصحافة الوطنية والدولية. كما حظيت أيضا بشرف دعم الأنشطة الخيرية في مصر، خصوصا فى مجالات توفير الخدمات الصحية والتعليمية وغيرهما من الوسائل لمساعدة لفئات في المجتمع الأكثر ضعفًا.