«المعارضون الجدد» أعزك الله وعفاك نوع من فصيلة «الجدد» التي تنتسب لكل ما هو عارض وطارئ وعابر، ولا علاقة لها بالتجديد والتحديث والابتكار المستند لأصل أو جذر يمتد في أرض الحقيقة بما لا يجعله مزيفا وكذاباً وكذوباً.. باختصار، هي ظاهرة مرضية تكاثرت وطفحت أعراضها كالدمامل والبثور علي وجه مجتمعنا في العقد الأخير بالذات كنتيجة مباشرة من نتائج الخراب المجتمعي الشامل الذي أحدثته عملية السطو المسلح الطويلة علي السلطة والثروة في البلاد، وقد شاعت تجلياتها وضربت جيوشها الغاشمة في اتجاهات ومجالات عدة لعل أشهرها عربدات وجرائم الناعقين أو «المغنيين الجدد»، والنصابين أو«الدعاة الجدد»، والمبتذلين السخفاء أو «المضحكين الجدد»، بل «الرقاصات (الروسيات) الجدد».. إلخ. وكما تري فإن هؤلاء «الجدد» يستوطنون عادة قلب المنطقة الحرام بين اسم الشيء ونقيضه التام، علي ما تدل حالة إقدام أحدهم مثلاً علي نعت نفسه ب«المغني» أو «المطرب» بينما هو في الحقيقة «مُطرِش» ومُلوّثِ وموُسِخ سمعي وبصري من أسوأ عينة، أو أن يتسربل أحدهم بمسوح «الداعية» وهو دعي نصاب جاهل ومنافق بضاعته تجهيل الناس والعبث في عقولهم وضمائرهم !! و«المعارضون الجدد» ليسوا طبعاً استثناء من هذه السمات العامة التي تميز المنتمين لفصيلة «الجدد» عن سائر خلق الله، كل ما في الأمر أنهم يلعبون ويسترزقون في المساحة الخربة المحشورة بين الإعلام والسياسة وجمعية أصدقاء الشرطة، حيث أهم أصول وقواعد اللعب هناك «ألا أصول ولا قواعد» البتة، لأن الرزق يحب الخفية والتخفف من أي قيود والتزامات موضوعية أو أخلاقية، كما أن الجدارة والشطارة في هذا الملعب تقاس بمدي الكفاءة والقدرة علي تحويل التململ والنقمة العامة علي الأوضاع السيئة السائدة إلي «سبوبة» بضاعة مضروبة تغازل يأس الجمهور وتغذيه، لكن دون أن ينسي «اللعيب» أن عليه دائماً البقاء متيقظاً و«صاحياً للون» بحيث إذا جد الجد وزعق النفير وصدر الأمر بأن يترك كل سريح «فرشة بضاعته» علي الرصيف ويتوجه لأقرب مركز شرطة، ينصاع للأمر فوراً ودون إبطاء أو لكاعة. وربما يظن كثير من الناس أن أظرف وأفكه ما في المعارضين الجدد هؤلاء، هو منظر الواحد منهم (خصوصاً لو كان صحفياً) عندما تقفشه مرة متلبساً ب«اللعب» وتسأله : لماذا يا بابا بتعمل كده.. مش عيب يا حبيبي تبقي شعب وبوليس في الوقت عينه؟! فيثأثأ ويتهته ويتفتف في وجهك وهو يوضح لحضرتك قائلاً: معلهش سعادتك أصل أنا بعيد عنك «ليبراري» جامد قوي.. أنت ماتعرفنيش، ولعلم سيادتك.. أنا كمان «مستكل» آخر استكلال، لذلك تلاقيني أحب «المهنية» والمهلبية والعيشة الطرية بشكل مستكل خالص ومحايد تماماً بين الشريف والحرامي، والنائب المزور والقاضي (أو القاضية) الذي فضح التزوير.. استكلال بقي!! غير أن هذا المنظر ليس ألطف ولا أظرف شيء في «المُعارض الجديد»، وإنما الأفكه والأكثر كوميدية هو إنتاجه وتلك الأشياء والمواقف «الفنكوشنية» (التعبير للمرحوم الأستاذ أنور السادات) التي يقولها أو يكتبها وينشرها علي الجمهور المسكين، وهي جميعاً (تقريباً) من نوع : أن الكون مظلم والدنيا عتمة بالليل وضلمة بالنهار، والناس كلها وحشة ومجرمة وهربانة من وجه العدالة، يعني الحاجات كلها مزفتة ومهببة وزي بعضها بدليل أن مصر يا حرام بتعاني «شيخوخة نظام حاكم»، و«شيخوخة الشعب» نفسه، و«شيخوخة نخبة سياسية تمارس (كلها) المعارضة من مقاعد الفساد والمصالح»، لهذا لما أتي الدكتور محمد البرادعي «تحول إلي المنقذ والمخلص وكأنه اشتري من فينا عصا سحرية سيضربها في ميدان التحرير (بالذات وليس ميدان رمسيس) فيتغير كل شيء في مصر» مع أن الرجل «لا يملك تغيير بدلته» !!! ما فات مقتطفات منقولة حرفياً من نص «تحليلي» بديع وعميق ومرعب جداً أتحفنا به مؤخراً وعلي حلقتين اثنتين حتي الآن زميل نابه محُدث معارضة لكنه يهوي إعطاء الدروس في «التحاليل السياسية والتاريخية» بعد الظهر، وبعد أن يفرغ جنابه من تدريس مادتي «الاستقلال» و«المهنية» في صحيفته علي نحو قد يقتلك من الضحك إذا لم تتخذ ساتراً عقلياً واقياً وجيد التحصين. وقد استوقفني في «تحليل» الزميل العزيز المذكور، إخلاصه الشديد لأقوي سمات فئة المعارضين الجدد، أي تلك القدرة المدهشة علي صياغة مواقف وآراء ALL SIZE يمكن قراءتها من أي اتجاه وتصب في كل المجاري وتناسب جميع المقاسات وترضي سائر الأذواق والأمزجة في آن واحد ودون أدني قلق، فكما يوجد في النص مثلاً أن الدكتور البرادعي «لا يملك تغيير بدلته»، يوجد أيضاً نعت للرئيس مبارك بأنه يملك «دهاء ريفياً سياسياً» يميزه عن سلفيه، جمال عبد الناصر وأنور السادات، فهذا الأخير يقول الزميل المبجل اعتمد علي « كاريزما الفلاح البسيط الجالس علي المصطبة فأحبه المصريون دون أن يسألوا أنفسهم، أين نحن من العالم الذي يتحرك نحو السماء» !! (أرجوك لا تسأل يعني إيه، عالم يتحرك نحو السماء؟!)، أما عبد الناصر فكان اعتماده علي «كاريزما القيادة والإقناع الشخصي دون إنجاز حقيقي فسارت خلفه الجماهير»، وبغض النظر عن أن «الناس» و«الجماهير» بلهاء وحمير طول الوقت، فقد كنت علي وشك أن أقل عقلي وأتهور وأحاجج الزميل بأنه هو شخصياً ربما يكون دليلاً مادياً علي إنجاز واحد من إنجازات جمال عبد الناصر لا ينكره أشد الناقدين لعصره وأكثرهم جهلاً وعمي، ألا وهو تصعيد أغلبية الشعب الساحقة من الفقراء والبسطاء أمثالنا وأمثال أهالينا إلي سطح الحياة، وهو أمر كان يلامس حدود المستحيل قبل أن يأتي عبد الناصر بمشروعه. كنت علي وشك ارتكاب هذه الحماقة فعلاً، لولا ستر ربنا الذي جعلني أتذكر في آخر لحظة أن الزميل الأفخم يحتل اسمه ترتيباً متقدماً علي قائمة ورثة عرش المملكة السويدية الشقيقة!!