فى أثناء الثورة أقصد بالطبع 25 يناير كانت الجماهير تردد «يا حبيبتى يا مصر»، و«بلادى بلادى»، و«يا أغلى اسم فى الوجود»، وتدافعت علينا أغنيات من الإعلام الرسمى والخاص بها قدر لا ينكر من الصدق، إلا أن النسبة الأكبر كان الكذب يطل من بين ثنايها صارخًا، بل متحديًا وكأنه يعلنها صريحة مجلجلة «أنا أكذب إذن أنا موجود»!! قليلة هى الأغنيات التى استطاعت أن تستحوذ على مشاعرى.. بالنسبة لى أجد أن الأغنية التى نجحت فى أن تقتنص إحساس الثورة فإنها «إزاى» لمحمد منير كتبها نصر الدين ناجى، ولحنها أحمد فرحات. الأغنية سجلت قبل ثورة 25 يناير بأيام قليلة واعترضت عليها الأجهزة الأمنية، وكالعادة فإن يد هذه الأجهزة تصل سطوتها إلى الإعلام الخاص الذى دأبنا على أن نصفه خطئًا بالمستقل رغم أنه يتعرض عادة إلى قيد مزدوج من الدولة ومن صاحب المحطة، ولم تستطع أى قناة المجازفة بعرضها.. بعد الثورة بأيام قليلة بدأ بث الأغنية عبر الفضائيات الخاصة وأضيف لها شريط مرئى كان الشريط انعكاسا للحالة التى عليها الثورة، وفى نفس الوقت تستطيع أن تقرأ من خلاله موقف صاحب المحطة من الأجهزة الأمنية التى كانت لا تزال تملك أوراق ضغط على المحطات الخاصة، وهكذا كنا نشاهد فى البداية مصاحبًا لصوت منير صورا قليلة من لقطات الثورة مع لقطات مكثفة لحسنى مبارك، ومع استمرار الثورة بدأ يتضاءل وجوده كل يوم يمضى ينحاز الشريط المرئى أكثر إلى الثورة حتى لحظة التنحى بعدها ارتدت صورته طاقية الإخفاء، إلا أن الجريمة ظلت قائمة وتستطيع من خلالها أن تعرف من أمسك العصا من المنتصف وبأى درجة!! أروع ما فى أغنية «إزاى» قدرتها على أن تصف مشاعرنا لمصر التى أراد ناهبوها ولا يزالون أن يحيلوا مشاعرنا إلى حب من طرف واحد.. بالتأكيد طرح ميدان التحرير وغيره من الميادين التى شهدت الثورة أغانى عفوية رددتها الجماهير وسوف نستمع إلى أغان أخرى قادمة الزائف منها أكثر من الصادق، لأن هذا هو طابع الإبداع فى العالم كله، والدليل أنك لو عدت إلى أغانى حرب أكتوبر ستكتشف أن الذى عاش منها حتى الآن لا يتجاوز 7 من بين 300 أغنية أنتجتها الإذاعة المصرية. ويبقى أنه مع كل حدث مصيرى تمر به الأمم تتوجه مشاعر الناس إلى التغيير، خصوصا لرمز الوطن العلم والنشيد الوطنى.. العلم لم تتحمس الأغلبية إلى المطالبة بتغييره مثلما حدث بعد ثورة 23 يوليو عندما تم تغيير علم مصر.. فى ثورة يناير تساءل البعض عن النشيد هل يستمر.. كان نشيدنا الوطنى قبل ثورة يوليو 52 مأخوذا عن قطعة موسيقية للموسيقار «فيردى» من أوبرا عايدة وظل حتى عام 1956 هو سلامنا الوطنى، ولكن طرحت معركة 56 أغنيات وطنية وأقيمت مسابقة واختيرت «والله زمان يا سلاحى» التى كتبها صلاح جاهين، ولحنها كمال الطويل، وغنتها أم كلثوم. بعد توقيع اتفاقية «كامب ديفيد» فى 79 قرر الرئيس أنور السادات تغيير النشيد إلى «بلادى بلادى» لسيد درويش ليتواءم -من وجهة نظره- مع حالة السلام ويومها استقبله فى مطار القاهرة الموسيقار محمد عبد الوهاب، وهو يرتدى الزى العسكرى قائدًا لفرقة الموسيقى العسكرية، مرددًا النشيد الوطنى الذى كان مواكبًا لثورة 19 التى قادها سعد زغلول. عندما بدأت ثورة 25 يناير غنى المصريون «بلادى بلادى» بين الأغنيات الوطنية القليلة التى عبرت عن مشاعرهم، فهو نشيدنا الدائم قبل وبعد الثورة. إنه حلقة وصل لتاريخ وطنى ممتد منذ ثورة «19» حتى ثورة «25»!!