أواصل اليوم ما بدأته الأسبوع الماضى من سرد لدروس أعتقد أنها قد تفيد يناير فى الابتعاد عن مصير يوليو رابعا:أليس لى ملك مصر؟؟!!!
تساؤل وجهه فرعون إلى من حوله غرضه التقرير ونقله الله –عز وجل- لنا فى كتابه العزيز بصيغته الاستعلائية كى يدلنا على طبيعة هذا الرجل حتى بعد أزمان وأزمان من وفاته
قال تعالى فى سورة الزخرف "وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الأَنْهَارُ تَجْرِي مِن تَحْتِي أَفَلا تُبْصِرُونَ"
وجاء بعد فرعون موسى مئات الفراعنة،اختلفت أديانهم وصفاتهم ولكنهم جميعا تساءلوا نفس التساؤل وبنفس الطريقة
قد نتفق أو نختلف فى تقييمنا لكل رئيس من رؤسائنا وننحاز له أو ضده ونحسب هذا العمل أو ذاك فى إطار حسناته أو سيئاته،ولكن الحقيقة التى لا يجب أن ينكرها منصف فى رأيى هى أن كلا منهم كان ديكتاتورا مستبدا على طريقة أليس لى ملك مصر؟!!
كره الناس يوليو لأنهم أحسوا أنهم قد استبدلوا الذى يملك ويحكم بالذى ملك ولم يحكم،شعر المصريون أنهم يعيشون فى وطنهم كمستأجرين لبلد يملكها الرئيس بزعامته أو ببطولته أو بحكمته!!
وطالما حدثنى جدى لأمى -رحمه الله- عن كتاب صدر بعد الثورة كان اسمه (رحل ملك وجاء اثنا عشرة ملكا) وكأن المصريين كانوا يتساءلون عن الفارق
صحيح جدا أن درجات الحب والاحترام تفاوتت فى نفوس الشعب من رئيس لآخر ولكن ظل فى نفوس الناس ركن تعمل الدولة على ترسيخه وهو أن الرئيس ليس مثلكم،هو كيان خارق منحه الله لكم وابتلاه بكم،وأزعم أن هذا الاحساس بكره الفرعون والفرعنة قد تعاظم بشكل كبير ورئيسى بعد النكسة وإن كان متواجدا فى نفوس البعض قبلها.
ولابد أن نشير هنا إلى مسألة مهمة وهى أن الشعب يساهم بنصيب غير هين فى فرعنة حاكمه ،لهذا يقول الراحل العظيم جمال حمدان"الشعب مسؤول عن الطغيان مسؤولية الطاغية نفسه وزيادة، فهو صانعه وصانع طغيانه"
اقتصادى كبير جلس يوما مع عبد الناصر ليسمع منه كلاما يدركه أى طالب فى الفرقة الأولى لكلية الاقتصاد والعلوم السياسية حين أبدى الزعيم رأيه فى مسألة اقتصادية،وإذا بالرجل الكبير فى مجاله الصغير فى نفسه يقول "سيادة الريس...أنا عمرى ما سمعت شرح واضح وموجز للنقطة دى بالشكل اللى حضرتك قلته ..تسمحلى أجيب ورقة وقلم أكتب اللى سعادتك قلته؟؟؟"
ممارسات مثل هذه دفعت السادات فى أواخر أيامه إلى أن يصرخ فى مراسل محطة أى.بى.سى. الأمريكية "لو لم نكن فى بلد حر هنا لأخرجت مسدسى وضربتك بالنار" فقط لأن المسكين سأله إذا ما كان قد أخبر الرئيس ريجان الذى كان قد رآه قبلها بأسبوع فى الولاياتالمتحدةالأمريكية عن حملة اعتقالات سبتمبر التى ينوى القيام بها،ودفعته بعدها بأيام قليلة إلى التهكم على فؤاد باشا سراج الدين فى حديث تلفزيونى قائلا "اللى اتولد وفى بقه معلقة دهب" مشبها إياه بلويس الثامن عشر!!!
ثم بدأ فى نفس الحديث يكيل مجموعة من الاتهامات للأستاذ هيكل منها الإلحاد!!!
واختتم سيمفونية الإهانات بالحديث عن الخيام المتحركة –قاصدا الفتيات المحجبات- و السخرية من أصحاب اللحى وبسب الشيخ المحلاوى الذى انتقد أسلوب حياة الرئيس المترف وأفعال زوجته قائلا "والآن هذا الرجل ملقى فى السجن كالكلب"
الفرعنة هى ما وصل برجل كمبارك إلى التفكير فى توريث الحكم-أليس له ملك مصر؟؟؟-
و إلى السخرية من اهتمامات شعبه (يا راجل كبر مخك) بل و الاستهانة بأحزانه وآلامه (عبارة مللى بيغرقوا؟؟....ها ها ها)
وهنا أجد من واجبى أن أهمس همستين فى أذن الرئيس
الأولى:أضعف الحكام على وجه الأرض هو من يهدد شعبه أو يهينه،وما ذكرته عن السادات حدث قبل اغتياله بشهر واحد،فاعلم يا سيدى أن الحليم الحق من لا يدفعه الغضب إلى إطلاق تهديدات فى الهواء
الثانية:ليس كل من ينتقدك عدو حاقد وليس كل من يمدحك حبيب صادق الود،أنت تعلم يا سيدى تمام العلم أن مفرعنى عبد الناصر كانوا أول من انقلبوا عليه حين رأوا الرئيس الجديد ذو هوى مختلف،أدركوا بحاسة المنافق أن الأيام المقبلة ليست أيام ناصر ولا تياره ولا أفكاره فانطلقوا فى أقذر وأحقر وأشد حملة تشويه شهدها تاريخ مصر المعاصر وباركها رئيس الدولة قبل أن يشارك فيها شخصيا
رأينا يا سيدى من هتف للاشتراكية وهو يمجّد الانفتاح ووجدنا من تغنَّى بالقومية العربية وهو يدعو للانكفاء على الذات وأبصرنا من أشبع الولاياتالمتحدة سبا أمام الزعيم وهو يصفها بالصديقة العزيزة أمام بطل الحرب والسلام ولا أملك إلا أن أذكرك بقول الله تعالى فى سورة المنافقين "هم العدو فاحذرهم" خامسا:الصدمات الكهربائية
كان من تصريحات مبارك فى بداياته أن لن يدير مصر بطريقة الصدمات الكهربائية وقد كان هذا التصريح داعما لشرعية جديدة لرئيس جديد;شرعية التقاط الأنفاس بعد عقود طويلة من المفاجآت
الناس خلال عصر عبد الناصر والسادات لم يستطيعوا أن يتذوقوا طعم الاستقرار أبدا،لأن كلا الزعيمين تميز بصدماته الكهربائية العنيفة والمفاجئة سياسيا وعسكريا واقتصاديا واجتماعيا،وعدم الاستقرار طبعا كان من الأشياء التى أثرت على مكانة الثورة فى النفوس
فنحن نحارب اليوم فى السويس وغدا فى اليمن وبعد غد فى سيناء،نعادى الولاياتالمتحدة اليوم ونصادقها غدا،نصادق السوفيت صباحا ونعاديهم مساءا،اشتراكيون اليوم وانفتاحيون مع أول ضوء للفجر
والناس تقوم بالثورات أصلا لكى تحيا حياة أفضل لا لكى تنقلب حياتها رأسا على عقب
وفى الواقع فقد كان مبارك صادقا إلى أبعد حد فقد عشنا فى حكمه ثلاثين عاما لم نسمع فيها عن أى صدمات كهربائية إلا فى أمن الدولة!! وهنا يبرز تساؤل هام
هل نحن بحاجة إلى صدمات كهربائية؟؟؟
الإجابة بالقطع هى نعم من وجهة نظرى،لأننا فى أعقاب ثورة،وثورة شباب،وأى أداء متمهل متحفظ متباطئ متخاذل يعنى لدى الكثيرين عدم وعى باللحظة الراهنة وعدم إدراك لأهميتها،ولكن لابد من مراعاة فروق التوقيت والاتجاه والفولت!!!!!
وإلا صارت الثورية حماقة وصارت المبادرة تهورا لا ينجم عنه إلا مزيد من الفوضى والانقسام والتطاحن الذى يجعلنا ندور حول أنفسنا فى دوائر مفرغة بدلا من أن نستغل طاقتنا فى الاندفاع للأمام
ولكم فى قرار عودة مجلس الشعب عبرة يا أولى الألباب !! عاشت مصر وتحيا الثورة