ضاقت مصر وأهلها ذرعًا بمواكب مبارك قبل خلعه.. التى كانت تعطل أمور الحياة فى البلد.. ولم يكن أحد يهتم.. وانتقلت هذه المواكب فى فترات كثيرة إلى ابنه جمال الذى كان طامحًا فى وراثة الحكم.. وكان يؤهله لذلك مجموعة من الفاسدين سياسيًّا.. وماليًّا.. ورجال أعمال ورجال إعلام «صغار».. فكان مرور مبارك أو ابنه فى أى طريق أزمة لمن يسير على هذا الطريق.. وربما لا يستطيع أن يذهب إلى عمله.. أو قضاء احتياجاته أو حاجته!! بل كان يصل الأمر فى بعض المصالح والوزارات إلى أن يمنحوا إجازة للعاملين والموظفين عندما يزور مبارك تلك المصالح.. ويأتوا ببديل لهم من أمن الرئاسة والأجهزة الأمنية. حدث ذلك كثيرًا عندما كان يذهب مبارك إلى مجلس الشعب على سبيل المثال.. فكانت كل الوزارات فى محيط مجلس الشعب وشارع قصر العينى الذى يقع فيه عدد كثير من الوزارات، إجازة.. وتعطل مصالح الناس.. فكان همهم فقط أمن الرئيس.. وسير مواكب الرئيس فقط.. وابنه بعد ذلك.. ويحكى عن أحد لقاءات مبارك بالمثقفين، أن أحد كبار المثقفين «فى المقام والسن» كان يريد أن يقضى حاجته، إلا أن رجال حرس الرئيس رفضوا تمامًا حتى ينتهى الرئيس من كلامه.. فجلس الرجل متبرّمًا وكاد يفعلها على نفسه.. فلقد تضخم الجهاز الأمنى فى الرئاسة.. وأصبحوا يبحثون عن دور لهم.. خصوصا بعد تدريب الكثير منهم فى الخارج.. وعادوا ليبيّنوا قدراتهم.. وكان الرئيس عبد الناصر قد تحرس مواكبه الجماهير، وكان يلقى خطابه فى سرادقات شعبية وأماكن مفتوحة.. وقبله كان كذلك الرئيس محمد نجيب.. وكانت بداية الرئيس السادات كذلك، إلا أنه بمرور الوقت بدأت مواكبه تزداد، وتركيبة شخصيته وحبه للفخامة.. جعلت مواكبه وحراسته فى ازدياد ولم ينفعه ذلك، ولم يمنع اغتياله وسط حراسته المشددة.. ليرث مبارك هذا الإرث ويزيد من حراسته ويتضخم أمن الرئاسة.. وبشكل لا يتفق أبدًا مع احتياجات الرئيس.. ولا حتى فى أى دولة، اللهم إلا دول الديكتاتوريات والحكام الفاسدين. .. ومع هذا سقط مبارك وتم خلعه، وهو المحاط بحراسه ومواظفيه الفاسدين.. ويرث الرئيس مرسى تلك المؤسسة المتخمة بعناصر أمنية ليس لديها عمل إلا أن توجه الرئيس للخطر مؤكدة أنها موجودة لحمايته.. لكن حتى الآن.. يحرص الرئيس مرسى على عدم الاستماع إلى تلك الحجج الأمنية.. ويرفض الانصياع لأوامرهم رغم حرصهم الشديد على الوجود بنفس الكثافة تقريبًا حول الرئيس. ويؤكد الرئيس أن أبوابه مفتوحة للشعب الذى انتخبه.. فبدأ الناس فى الذهاب إلى القصر الجمهورى محتجين رافعين شكاواهم، وهم يطرحون على الرئيس أن يفكر جيدًا فى حلول لهذه الشكاوى، ولعله يوافق على مقترح خاص بأن تتضمن حكومته التى يشكلها وزارة خاصة بالشكاوى والمظالم التى يتعرض لها المواطنون من مسؤولين فى الدولة، أو فى أمور داخلية وخارجية. وعلى الرغم مما حدث من ارتباك فى جامعة القاهرة فى أثناء حفل تنصيب الرئيس، من هرج ومرج جعل شيخ الأزهر لا يجد مكانًا يليق به ومن معه من بعض شيوخ هيئة كبار العلماء.. فينسحبون.. فإن الرئيس ما زال على عهده بعد دخول قصر الرئاسة بأن لا يسير فى مواكب تزعج الناس وتعطل مصالحهم.. وكذلك رفضه تعليق صوره فى مكاتب المصالح الحكومية، وكذلك أيضا رفضه إعلانات النفاق، الذين نهبوا خيرات وأراضى البلاد بالتهنئة.. ولعل الرئيس لا يستمع إلى بطانة السوء.. وجهاز أمن الرئاسة المتضخم للحيلولة بينه وبين المواطنين.. فقد اختاره الشعب.. وربما يعود إليهم مواطنًا بعد ذلك كما كان يسير فى الشارع قد يعرفه البعض ويحيد.. وقد لا يعرفه الكثيرون ولا يحيونه.